أمريكا ... بين الفوضى والتحالف !!

بقلم: وفيق زنداح

من البوابة الواسعة لديمقراطية العالم الحر والمطالبات المستمرة بحقوق الانسان عبر بعض المؤسسات الحقوقية والانسانية تطل علينا امريكا بثوب التحالف ضد الارهاب تنفيذا لسياساتها المعلنة منذ سنوات حول الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم واثارة الفوضى والقلاقل وقلب أنظمة الحكم تحت ما يسمى بالربيع العربي وما أحدثه من شرخ وانقسام واضطراب في منظومة كل دولة استهدافا لمفهوم الدولة وجيشها القومي وشعبها الموحد ... وما أحدثه هذا التدخل من تراجع ..ضعف وانقسام والمزيد من الفوضى بالمفاهيم والتعاليم تغذية لبذور الطائفية وتعميق جذور الخلافات والاجتهادات السياسية استغلالا غير اخلاقي لأوضاع اقتصادية واجتماعية بحاجة للمزيد من العمل والتنمية لمعالجة مخلفات سنوات طويلة .

المزيد من الفوضى والضعف والهوان وغياب مفهوم الدولة مدخلا امريكيا للمزيد من السيطرة والهيمنة والسطوة على خيرات المنطقة ووضع اسرائيل على راس عرشها دون ادنى التزامات يمكن ان تقدم على طريق حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .

هذا المشهد داخل المنطقة العربية والذي تم رسمه وتمويله امريكيا استغلالا غير اخلاقي لظروف كل دولة من دول المنطقة من خلال لعبة الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة والخاصة وتغذية وتمويل الحركات الليبرالية والشبابية والاسلامية من خلال مؤسسات تمويلية وتدريبات مكثفة على احداث القلاقل ووسائل اعلامية على جاهزية عالية للتغطية المستمرة والمباشرة .

أمريكا وتحالفها الجديد القديم تهيئ الأجواء للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وهذا ما تم منذ غزو العراق واحتلاله وتفتيته وتقسيمه تحت ذرائع وأوهام الأسلحة الكيماوية والجرثومية والتي ثبت عدم صحتها ... فكان العراق البداية ولم يكن النهاية بداية لزرع بذور الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد وسقوط عشرات الالاف من أبناء العراق في واقع الاحتلال الأمريكي الذي خرج تاركا وراءه طوائف متناحرة ومتصارعة فتحت المجال متسعا لتواجد تنظيمات راديكالية ترفع شعار الاسلام كالقاعدة وداعش حيث أن القاعدة كانت سببا وهميا لاستمرار الاحتلال الأمريكي حتى ينفذ كافة مخططاته للاستيلاء على خيرات العراق كما الان داعش التي يريدون أن تكون سببا للتدخل العسكري بالمنطقة من خلال البوابة العراقية والتي ستصل الى البوابة السورية ومن ثم الليبية واحتمالات أن تصل الى لبنان واليمن .

مخطط شيطاني استعماري جديد قديم وبثوب ومضمون مختلف تحت ذريعة محاربة الارهاب وكأن غولا كبيرا ينتشر بالمنطقة ولا يستطيع القضاء عليه الا الولايات المتحدة وتحالفها الدولي ... متناسين أن هذا الارهاب المستهدف صناعة امريكية لخلق الأزمات واثارة القلاقل والفتن داخل دول المنطقة ... وكأن زلزالا كبيرا قد يصيب كل دولة على حدا ان لم يكن الجميع في الحضن الأمريكي كما يريدون ويخططون لضرب مقومات القومية العربية وعناصر حداثتها وصلابتها .

أمريكا صانعة الارهاب هي ذاتها التي تحشد لمحاربته بما يقارب 40 دولة (كومبارس) لأن امريكا ليست بحاجة الى طائرات مقاتلة وقاذفة من طراز (اف 16) ولا طائرات الشبح ولا صواريخ كروز ولا حاملات الطائرات الضخمة فلديها من القوة العسكرية التي تستطيع من خلالها توجيه ضربات جوية داخل أي دولة .

السياسة الامريكية لإثارة النعرات المذهبية وتغذية بذور الخلافات السياسية وخلق أجواء التوتر للدول المجاورة لهذه الدول المستهدفة تغذية مباشرة وغير مباشرة لأي قوى داخلية مخربة تحاول ارباك الاستقرار والأمن داخل هذه الدول .

امريكا وسياساتها القديمة الجديدة ومنذ فيتنام وافغانستان وكوبا وكوريا وحتى العراق وسوريا وليبيا لم يتمخض عنها الا قتل الملايين وتدمير كبير داخل هذه الدول واليوم تريد امريكا استكمال ضرباتها وتدمير ما تبقى تحت ذريعة محاربة الارهاب المصنع أصلا أمريكيا من خلال الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والكبير وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وبذور الفتنة الطائفية داخل بعض الدول حسما للصراعات وهما لاستعجال أمرها بالتحالف لعل وعسى أن تنجز ما لم تستطع الحروب والصراعات الداخلية انجازه .

امريكا كدولة كبرى والمسؤولة عن الأمن والسلم العالمي مع باقي الدول الكبرى ومن خلال المؤسسات الدولية ... لا يجب عليها أن تكون داعمة للصراعات والفتن المذهبية والطائفية... كما لا يجب ان تكون داعمة للإرهاب والعنصرية الاسرائيلية ...وفي ذات الوقت تعلن عن تحالفها لمحاربة الارهاب ...فأي ارهاب اكبر من ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل وعن أي ديمقراطية تتحدث امريكا واسرائيل قد ضربت اسس ومقومات الديمقراطية بالتنكر للحقوق الفلسطينية ... وعن أي حقوق انسان تتحدث امريكا واسرائيل قد ارتكبت المجازر والجرائم وقتلت الالاف ودمرت منازل الامنين ولا زالت تحاصر ما يقارب 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة ولا زالت تقيد حركة الملايين من أبناء شعبنا في المحافظات الشمالية من خلال استيطان عنصري وأحزمة استيطانية وجدار عنصري... فالأجدر بأمريكا أن تكون تحالفا دوليا لممارسة الضغط على اسرائيل حتى تقر بالحقوق الوطنية الفلسطينية والانسحاب من كافة الأراضي وحتى نتمكن من اقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية .

لأن استمرار الخداع الأمريكي للشعوب والأنظمة بأنها تحارب الارهاب حفاظا على الدول العربية وشعوبها ...كما أرادت التسويق لمقولات الديمقراطية وحقوق الانسان قد أصبحت سياسة امريكية مكشوفة... ولكن وللأسف الشديد لا نمتلك السياسات المقابلة للحد من خطورة وابعاد واهداف السياسة الأمريكية... الا ان هذا الواقع لن يطول اذا ما تمكنت شعوب المنطقة وأنظمتها الحية من احداث التنمية المستدامة وخلق المشاريع الاستثمارية لمحاربة البطالة والاهتمام بالتعليم والصحة والثقافة من خلال وسائل اعلامية موضوعية ومتزنة وهادفة حتى لا يترك الفضاء للإعلام الملوث بالأكاذيب والادعاءات .