في الاونة الأخيرة تزايدت العديد من المظاهر والظواهر المقلقة والسلبية في مجتمعنا المقدسي،وبشكل لافت يستدعي ان ندق امامها ألف ناقوس خطر،والتي من شان تعمقها وتفشيها وتسيدها ان يلعب دوراً سلبياً وهاتكاً ومدمراً لنسيجنا الوطني والمجتمعي،وكذلك تعريض السلم الأهلي لخطر حقيقي وجدي،حيث نرى بأن هناك العديد من الأصوات النشاز التي تبث سموم الفتنة والفرقة والإشاعات المغرضة بين ابناء الشعب والبلد الواحد،مستغلة مواقع التواصل الإجتماعي والتي لا تخضع للرقابة كأبواق لهذه الغايات والأهداف،وكذلك هي بعض المواقع الألكترونية التي يديرها شخوص مغرقين في الفئوية او حتى من يغيب لديهم الوعي والحس الوطني الجمعي،وإنعدام المسؤولية وتقدير التبعيات والعواقب والآثار السلبية والندوب الإجتماعية المترتبة على نشر وبث تلك الإشاعات والأخبار الكاذبة والمضللة والمسيئة او المحرضة والداعية الى الفتن،فنحن نرى انهم يطلقون العنان لسمومهم وشطحاتهم وأفكارهم السمومة،وابعد من ذلك يسقطون ذواتهم وازماتهم وافكارهم على ما ينشرونه لكي تفعل فعل السرطان في الجسم،وفي هذا الجانب والمجال وحتى لا نضع رؤوسنا في الرمال،ونقول بأن ما يحدث هو حوادث معزولة أو فردية لا ترتقي الى مستوى الفتنة او الأزمة،فإنني أشدد هنا انه في ظل تراجع البعد والإنتماء الوطني لصالح العشائري والطائفي والمذهبي،وغياب التربية والثقافة الوطنية،وتعطيل لغة الفكر والعقل والحوار والتسامح لصالح المشاعر والعواطف وتوظيف الدين لخدمة السياسة او المذهب او الأجندة،فإن الساحة والتربة تصبحان خصبتان لكي تتصيد هذه العناصر في المياه العكرة،وتعمل على بث عناصر الإحتقان والفرقة والخوف والذعر والرعب بين مكونات ومركبات المجتمع المقدسي، تارة بتوظيف او إثارة وبث أو إفتعال قضية خلافية هنا او هناك وتضخيمها والنفخ فيها،لكي تبدو كظاهرة ضخمة او كبيرة إجتماعية او تربوية او عائلية او مجتمعية أو حتى سياسية،لكي تهدد السلم المجتمعي او الوحدة الوطنية،أو قد تقوم بنشر الإشعاعات لكي تنشر الرعب والفوضى في المجتمع كقضية خطف الأطفال من المدارس في العام الماضي من قبل عصابات مجرمة،وهنا يكون الغرض والهدف إرباك المجتمع والأهالي،وتركيز جهدهم على الحماية الذاتية،وجعل هذه اولوية على الهم الوطني والمقدسي،وبما يجعل الإحتلال قادر على النفاذ والتسلل الى أدق خصوصياتنا وتفاصيل حياتنا،والتي يستغلها لكي يوظفها في خدمة اهدافه ومشاريعه،في تدمير نسيجنا المجتمعي والوطني وتعميق الخلاف والفرقة بين الجسم المقدسي الواحد،ناهيك عن أن هناك حالة من الإنفلات غير المسبوق، في افتعال "الطوش" والإحتراب العشائري والقبلي والعائلي والجهوي على أتفه الأسباب،ولتصل تلك "الطوش" والمشاكل الإجتماعية والإحتراب العشائري حد إزهاق الأرواح لأناس ابرياء في مسلسل غير منتهي ومتواصل في هذا الجانب،وكأننا نريد ان ننتحر ذاتياً او نهدم المعبد على رؤوسنا وراس من فيه،حيث العلاج في هذا الجانب يأخذ منحى"الطبطبه"ودمل الجرح على القيح وإبقاء النار تحت الرماد مشتعلة،وفي الغالب تكون الحلول ذات طابع ترقيعي وإطفاء للحرائق ليس اكثر،وفي الكثير من الأحيان تشعر وتحس بان تلك الحلول،تحمل في ثناياها غبناً إجتماعياً وظلماً بحق الطرف المجني عليه،لكون الجاني او الجهة المرتكبة للجريمة او المشكلة،ذات سطوة وجاه أو قوية ومسنودة عشائرياً،وبالتالي من الصعوبة بمكان فرض حل عليها،بقدر أو يوازي الجريمة التي ارتكبتها او المشكلة التي إفتعلتها،وهذا بحد ذاته يخلق عند الطرف المجني عليه قهراً وشعوراً بالظلم،يجعله يسعى لكي يستعين بأخرين او يوظف ويدفع خاوة لمن يوفرون له الحماية او يقدمون له المساعدة من أجل تحصيل حقوقه أو الإنتقام ممن سببوا له الأذى والضرر او الخسارة.
إن ما يجري من أحداث وتطورات في الواقع العربي المحيط بنا،من ظهور حركات تكفيرية وإقصائية متسترة بالدين،تمارس القتل من اجل القتل بطرق فيها الكثير من الوحشية والبوهيمية والحيوانية وفي الإطار المذهبي والطائفي،زاد من هواجس وشكوك الناس وخوفهم،بأن ينتقل ما يجري في المحيط العربي الى واقعنا الفلسطيني،وخصوصاً بأن هناك في واقعنا من يتبني ويحمل مثل هذا الفكر،الذي لا يعترف بالاخر،ليس فقط من الطوائف او المذاهب واتباع الديانات الأخرى،بل حتى المدارس الأخرى من نفس الديانة،ولكن لديها قراءة او إجتهاد مغاير لقراءتها وفكرها.
ولكي نحصن ونحمي واقعنا ونسيجنا الوطني والمجتمعي المقدسي خاصة والفلسطيني عامة من مثل هذه المخاطر التي قد تترتب على محاولة مثل هذه الجماعات التكفيرية والإقصائية،نقل وفرض أفكارها ومعتقداتها على واقعنا بمركباته ومكوناته المختلفة،وبما يعرض الحريات الخاصة والشخصية والتعددية والفسيفساء المقدسية وكذلك المعتقدات وأصحاب المذاهب والديانات الأخرى الى خطر يستهدف معتقدهم ووجودهم،فإنه لا بد لنا أن ندرء الخطر قبل وقوعه،وهذا يتطلب اول ما يتطلب،عقد لقاءات جماهيرية قاعدية مقدسية بمركبات ومكونات مختلفة وعلى اكثر من صعيد،تعمل على نزع فتيل أي ازمة أو مشكلة وكذلك إزالة أية شكوك او مخاوف قد تتولد لديها من وجود مثل هذه الجماعات التكفيرية وما تحمله من أفكار هدامة،وأيضاً هذا يتطلب العمل في أوساط الطلبة والمدارس عبر صياغة مواد تثقيفية او تعليمية تركز وتشدد على الإنتماء الوطني والوحدة والأخوة والحوار والتسامح وحرية الفكر والمعتقد والتعددية،وهذا واجب ومسؤولية السلطة ووزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية،وكذلك يجب ان يكون هناك تركيز على ان تقوم المؤسسات والمراجع الدينية ببث ونشر خطب ورسائل ومواعظ تدعو وتحث على الوحدة والتلاحم والتعاضد والأخوة وإحترام الرأي والمعتقد والحريات الشخصية،وفي الإطار الشمولي لكل ما يجري من مشاكل وإنهيار قيمي ومجتمعي وهواجس وتخوفات لها بعد مذهبي او طائفي أو فكري،نحن بحاجة الى صياغة وثيقة او عقد إجتماعي يؤكد على مبادىء الوحدة الوطنية والمجتمعية وصيانة الحقوق والحريات وحل المشاكل الإجتماعية عبر مؤسسة يناط بها هذا الملف متفرعة عن المبنى الوطني الموحد والجامع والذي يندرج تحته كافة المباني والهياكل الأخرى مؤسساتية وعشائرية وغيرها،وأيضاً تعزيز مفهوم المواطنة والإنتماء للوطن كاولوية على المذهب او الطائفة او العشيرة.
وفي الختام نحن بالضرورة كمقدسيين بكل مركباتنا ومكوناتنا ومعتقداتنا،يجب ان تكون قدسنا فوق كل خلافاتنا وفوق إنتماءتنا،والقدس كذلك بحاجة الى كل جهودنا وطاقاتنا مهما عظمت او صغرت.