تناولنا أوضاع الخريجين الفلسطينيين والشباب في قطاع غزة في أكثر من مقال ومنشور ، واعتقد انه لا ضير من تناولهم مرات ومرات لما تمثله هذه الشريحة الهامة جدا في مجتمعنا ، إذ أننا نرى أن هذه الشريحة من أكثر شرائح المجتمع إهمالا وتهميشا، مع العلم بأنها الشريحة التي تحتاج إلى تركيز الرعاية لها ، والسبب هو أن هذه الشريحة تضم العدد الأكبر من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، كما أن هذه الشريحة هي الشريحة المؤهلة بالعمل في جميع المجالات الاقتصادية والتنموية ، حيث تلقت قسطا من التعليم بدءا من التعليم المتوسط وحتى التعليم العالي .
ما دفعنا لتناول هذه الشريحة هذه الأيام هو ما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار وصور حول هجرة أعداد ليست بالقليلة من شباب هذا البلد ،وما تعرضوا له من مخاطر تمثلت في جنوح المراكب التي يستقلونها، وغرق عدد منهم حتى الموت ، شباب نجوا بحمد الله من آتون حرب ضارية تعرضت لها بلادهم مدة 51 يوما في أطول واعنف حرب شهدها قطاع غزة ، نتج عنها الآلاف من الشهداء والجرحى ، والآلاف من المنازل المدمرة ناهيك عن البنية التحتية ومرافق الاقتصاد .
في ظل هذه الظروف نجد أنفسنا أمام بعض الأسئلة ، وما الذي دفع بهؤلاء المواطنين إلى ركوب الإخطار وتعريض أنفسهم للموت ؟ ما الذي دفع بهؤلاء لكي يدفعوا ما يدخرونه لأناس أعماهم الطمع والجشع وفقدوا كل قيم الوطنية والانتماء الوطني وكل معاني الأخلاق ،لا يهمهم إلا ما يجمعونه ويمتصونه من دم الغلابا والمساكين، واقصد مجموعة من يقفون وراء عمليات التهريب للأفراد ، أسئلة كثير تراود أذهاننا وهذا ما يدفعنا للتوقف قليلا عند هذه الشريحة وأوضاعها ، ونقصد الشريحة العمرية من سن 15- 35 عاما ، إذ يمكن إطلاق صفة شريحة الشباب في المجتمع على هذه الفئة العمرية ، حيث تعاني هذه الشريعة منذ فترة ليست بالقصيرة إلى بطالة قسرية فرضتها الظروف السياسية السائدة في الأراضي الفلسطينية بصفة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة ، نتج عنها امتداد فترة الحصار الإسرائيلي والإغلاق لقطاع غزة مدة طويلة تستمر لعدة سنوات ولا يبدو في الآفاق ما يشير إلى نهاية لها ، واشتعال ثلاث حروب متوالية في فترة لم تتجاوز الخمس سنوات ، وكانت النتيجة دمار العديد من المنشآت الاقتصادية وتعرض العدد الآخر إلى شلل تام بسبب الحصار والإغلاق ومنع استيراد المواد الخام الصناعية وعدم تصدير المنتجات ، كما أن هناك غياب شبه كامل للخطط التنموية الرسمية التي تستهدف الشباب ، النتيجة المحتمية لهذه الظروف ، هو تزايد أعداد العاطلين عن العمل لتصل نسبتهم إلى أرقام قياسية ، حيث بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 32.6% نهاية عام 2013 ، وهذه نسبة تعتبر من اكبر النسب في العالم ربما لم تسبق دولة في العالم قطاع غزة في هذه الناحية ، وهي نسبة وكما ذكرت مرارا محسوبة حسب معايير منظمة العمل الدولية ، حيث من يعمل لمدة ساعة واحدة في الأسبوع لا يعتبر عاطلا عن العمل ، هذا يعني إن نسبة البطالة الحقيقية سترتفع ارتفاعا كبيرا في قطاع غزة، إذا احتسبنا معدلات أسعار السلع والأجور ، وان عمل يوم واحد وليس ساعة في الأسبوع لا يكفي بالمطلق أسرة مكونة من 6 أفراد، وهو العدد الذي يشكل متوسط عدد أفراد الأسرة في قطاع غزة ، بل لا يكفي تغطية مصاريف شخص واحد ،
إذا تعمقنا أكثر في نتائج الإحصاءات لوجدنا أن شريحة الشباب ترتفع فيها نسبة البطالة إلى درجة كبيرة وبنفس معايير منظمة العمل الدولية ، حيث بلغت نسبة البطالة 57.2% بين الفئة العمرية 15-25 ، أما الفئة العمرية من 26-35 فقد بلغت نسبة البطالة 34% نسبة بطالة مرتفعة جدا، حتى الذين تم احتسابهم ضمن العاملين تجدهم لا يعملون إلا في أعمال شبة موسمية أو سائقين للركاب أو باعة متجولين ، لا يكاد كسب ما يكفيه وأسرته ، كما انه من الطبيعي أن ترى أي عامل من هؤلاء الباعة أو السائقين أو الأعمال الخدمية الأخرى تجده يحمل شهادة جامعية ومنذ عدة سنوات .
إن معظم العاطلين عن العمل في هذه الشريحة هم من خريجي الجامعات والكليات المتوسطة ،وقدا شارت العديد من الدراسات إلى أن البطالة تتفشى بين أوساط الخريجين الجامعيين الذين نقذف بهم الجامعات الفلسطينية إلى سوق العمل .حيث تتراوح نسبة البطالة بينهم بين 30- 54% ، وكما ذكرنا حني أن معظم العاملين منهم لا يعملون إلا في أعمال أشبة بالبطالة المقنعة أي باعة جائلين وإعمال خدمية أل .
إذن المشكلة كبيرة تمس بنية المجتمع بل تمس عموده الفقري ، نحن نتوقع أن القادم أسوأ بالنسبة لقطاع الشباب كما باقي المجتمع إذا استمرت هذه الأحوال ، لا نريد أن نذهب إلى الأسباب فجميع أبناء قطاع غزة صغيرهم وكبيرهم يعرف الأسباب التي أوصلت سكان قطاع غزة لهذه الحال ، وجميعهم يعرفون أسباب وعوامل الخروج من هذه الأزمة ، إن حاجتنا إلى إرادة القيادة الفلسطينية أو بالأحرى القيادات الفلسطينية ، حيث الخلافات الإيديولوجية والسياسية هي التي تعصف بنا ، لا يوجد منظور وطني خالص بعيدا عن التجاذبات السياسية ،ما يهدد استقرارنا وتماسك مجتمعنا أمام العواصف التي تحيط بنا وربما تعصف بنا،
نتوقع ازدياد عمليات الهجرة أمام ضيق الحال بين أوساط الشباب فكثير من الشباب والذين يعولون اسر لا بملك قوت يومه ، وإذا وضع يده في جيبه لا يجد شيئا ، يقف عاجزا أمام نفسه وأمام زوجته وإمام أطفاله لعدم قدرته على تلبية حاجاتهم ومتطلباتهم لدرجة يمكن القول فيها انه يعيش ليس تحت خط الفقر، ولا تحت خط الفقر المدقع، بل تحت الصفر ، هذا هو حال شبابنا في قطاع غزة .
نريد أن نكرر ما يعرفه الجميع أن السبيل للخروج من هذه الأزمات هو أمر واحد ، الانتماء للوطن ، الانتماء للشعب الذي ناضل وقاوم وصبر وضحى تضحيات شهد لها العدو قبل الصديق ، يجب تعزيز التوافق الوطني البعد عن التشرذم السياسي ، يجب تعزيز الوحدة الوطنية والبعد عن الترهات والمناكفات التي لا طائل لها ، يجب وضع الخطط التنموية التي تستهدف جميع قطاعات شعبنا ، خطط جدية لا خطط مكتوبة ومغلفة بمغلفات فاخرة ويتم تسليمها إلى أولى الأمر في احتفالات رسمية ثم توضع على الرفوف ، نريد نظرة جادة إلى الأمام ، اعملوا في السياسة كما تشاءون ، لكن ابتعدوا عن روح الشعب ، دعوا شعبنا يلتقط أنفاسه ، اغرسوا الأمل في نفوس الجميع، وإلا سوف نصحو يوما ونرى كلمات جولدا مائير لعنها الله تتحقق، ان نجد أرضا بلا شعب ، مآسينا وحلولها في أيدينا .