إنطلقت الحوارات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس وبحضور حركة الجهاد الإسلامي ورعاية الجانب المصري،ونجاح هذه الحوارات او فشلها يتوقف عليه الكثير من الأمور المرتبطة بالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته الوطنية،وكذلك مستقبل الأوضاع في قطاع غزة،وخصوصاً أننا على أبواب إستئناف المفاوضات غير المباشرة الإسرائيلية – الفلسطينية في القاهرة يوم غد الثلاثاء،وكذلك الشهر القادم سيكون هناك مؤتمر دولي لإعادة الإعمار في قطاع غزة يعقد في القاهرة.
مواضيع المصالحة وإقلاع حكومة الوفاق الوطني والتهدئة وإعادة الإعمار وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومباشرة العمل في الإطار القيادي الفلسطيني المؤقت والذي يضم كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني وتقاسم السلطة،هي جملة المواضيع التي سيجري الحوار حولها في القاهرة،وهذه المواضيع مترابطة مع بعضها البعض،وعليها تتحدد نتائج الحوارات الدائرة في القاهرة،ونحن ندرك جيداً بأن الحوارات تأتي في ظل حالة من إنعدام الثقة بين الطرفين،وإرتفاع حدة المناكفات والتحريض بينهما،وخصوصاً بأن الرئيس عباس يؤكد بأنه لا إعادة إعمار دون حضور وتمكين للسلطة وحكومة الوفاق من أخذ دورها الفعلي في القطاع،ويرفض كما ترفض فتح وبقية الفصائل ان يكون هناك حكومة ظل في قطاع غزة،وهو يقول لا نقبل بحكومة"طربوش" في القطاع،ولا بحكومة صراف آلي على رأي قيادي في حماس.
حتى تستطيع القوى الفلسطينية أن تقود المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل في القاهرة بموقف فلسطيني موحد،يشكل عامل ضغط قوي على الجانب اسرائيلي المتعجرف من اجل ان يقدم تنازلات جدية او يفي بإلتزاماته في إطار اتفاق وقف اطلاق النار والتهدئة التي جرى الاتفاق عليه في القاهرة قبل شهر،وخاصة ان الطرف الإسرائيلي يعود إليها بإقرار قانون عدم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية في أي عملية تبادل أو صفقة سياسية،وكذلك التصعيد من خلال اغتيال الشابين ابو عيشه والقواسمة من حركة حماس المتهمين بخطف ثلاثة مستوطنين في الخليل وقتلهما.
بالضرورة ان يتمكن الجانبين من تجاوز خلافاتهما،ويجب ان يتم رسم استراتيجية فلسطينية موحدة،تتوافق عليها كل الوان الطيف السياسي الفلسطيني،والوحدة الفلسطينية يجب ان تدوم وتستمر،وان تقام على قاعدة وبرنامج سياسيين صلبين وموحدين،وليس مع كل هزة او تغيرات عربية وإقليمية تبدو قريبة او خادمة لهذا الطرف او ذاك ننسف وحدتنا لصالح هذه الأجندات والمتغيرات،و علينا ان لا نضيع البوصلة في غمرة تلك المتغيرات والتطورات،بل يجب ان نوظفها لخدمة قضيتنا ومشروعنا الوطني وليس لصالح فئويتنا ومصالحنا الخاصة.
المرحلة دقيقة وحرجة وخطيرة وأية تداعيات سلبية وإستمرار في حالة الردح والمناكفات التي من شأنها ان تكرس وتشرعن الإنقسام،ستبدد كل المنجزات التي تحققت في العدوان الأخير على قطاع غزة،والتي دفع ثمنها شعبنا الفلسطيني اكثر من ألفي شهيد،واكثر من عشرة الآلاف جريح عدا الدمار الكبير والتشريد لأكثر من ربع مليون فلسطيني أصبحوا بدون مأوى،ووضع مأساوي ضاغط دفع بالمئات او ربما الآلاف من أبناء شعبنا لسلوك طرق ملتوية من اجل الهجرة الى الخارج،لكي يلتهم البحر المئات منهم بسب المافيات في الداخل والخارج التي قادت عمليات التهجير تلك.
لا إعمار ولا تهدئة بدون مصالحة،والمصالحة تتطلب الإستمرار في حكومة الوفاق الوطني ودفعها للأمام،وهي تعني تمكين تلك الحكومة من العمل في قطاع غزة،حيث أن الدول المانحة وما يسمى بقوى المجتمع الدولي،تشترط ان يجري الإعمار تحت اشراف السلطة الفلسطينية،وكذلك هو الحال بالنسبة لفتح المعابر والإشراف عليها.
الآن بالنسبة لفتح وحماس لم يعد يجدي لكل منهما الإستقواء بالخارج من اجل فرض معادلات داخلية فلسطينية جديدة،صحيح ان السلطة الفلسطينية تعزز اوراقها من خلال إصرار قوى المجتمع الدولي والمحيط العربي والإقليمي على تمكين السلطة من ممارسة دورها وسلطتها على قطاع غزة،ولكن السلطة لن تتمكن من العودة للقطاع بدون المصالحة مع حماس،وحماس غير قادرة على إعمار في القطاع أيضاً بمعزل عن المصالحة و ان تأخذ حكومة الوفاق الوطني دورها في القطاع.
ليس من مصلحة فتح او حماس التصعيد والوصول الى طريق مسدود في حواراتهما،فعدا عن خسارتهما كفصيلين،فالخسارة ستكون شاملة فلسطينيا على مستوى المشروع الوطني والقضية والحقوق،والخلاف السياسي بين البرنامجين لم يعد كبيراً وخصوصاً ونحن نستمع الى فتاوى ابو مرزوق حول شرعية ومشروعية التفاوض مع اسرائيل وحديث رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل حول دولة الضفة والقطاع والتهدئة طويلة الأمد مع اسرائيل،من مصلح الفريقين ان يجنحا للتسوية والمصالحة،لضمان مصالحهما وإدارة الخلاف بشكل مرحلي على الأقل بدل الفشل وتكريس الإنقسام.
نامل ان يدار الحوار بين الطرفين بعيداً عن التشنج ولغة التخوين والتحريض والإتهامات المتبادلة،وان تكون مصلحة وحقوق الشعب الفلسطيني لها الأولوية على المصالح الفئوية وتقاسم السلطة،فالشعب الفلسطيني الذي ضحى وما زال يضحي،يستحق ان لا تستمر تلك الحركتين بغدارة المشروع الوطني بنفس الأدوات القديمة،والسير على نفس المسلسل،وهو مل من هذا الإنقسام والعبث،والذي لا يسهم سوى في إنفضاض الكثير من الجماهير عن تلك الحركتين،هذه الجماهير التي باتت مقتنعة بأنه وقود لمصالح خاصة وفئوية ليس غير.