ما الحيز الذي يشغله المطارد في قاموس التنسيق الأمني؟ وهل يُفزعُ وجه الموت من وظفوا أنفسهم دروعا واقية للاحتلال!
نحن من قتلنا عامر أبو عيشة ومروان القواسمة.
أتودون أن أخبركم كيف قتلناهم يا سادة؟
مثل هؤلاء الشهداء نستطيع أن نضرب العالم بذكراهم، أسماؤهم ستصبح لعنة على الاحتلال، وتاريخهم ثقافة، ملامحهم لوحات لا يتقن رسمها إلا المقاومين، الموت أضعف من أن يأخذهم منا دفعة واحدة، تعاليمهم صلوات لكل الأيادي التي تحمل البنادق.
عندما انشغلوا هم بأبنائنا في سجون الاحتلال، يسعون لتحريرهم عن طريق خطف المستوطنين، خرجنا "بخجل" نتضامن مع غزة التي اشتعلت بحرب دموية إثر هذا الخطف. بدأنا نُبرِز مواهبنا ومراجلنا على الفيسبوك، ولم نخرج لنشاركهم بالقضاء على احتلال أثبتت الحرب هشاشته. ومن ثم تشرد عامر ومروان، ولم نفكر بطريقة لحمايتهم، حتى لو بشكل فردي.
قتلناهم ولا زلنا نقتلهم عندما نقول بعجز لا مجال للمقاومة في الضفة الغربية وأراضي الـ48 بسبب الاحتلال وبسبب "شماعة" السلطة. أدرِك مدى تضييق السلطة والتنسيق الأمني على المقاومة المسلحة، لكنني أجزم أن الذين يعقدون النية لزلزلة أمن إسرائيل لن يفكروا طويلا لا بالسلطة ولا بالاحتلال، من يريد المقاومة يخلق لوجودها المناخ المناسب، وإلا كيف استطاع مروان وعامر تنفيذ عملية الخطف داخل أخطر المربعات الأمنية في الضفة الغربية؟!
من يريد أن يقاوم لن يفكر بالعوائق ولن يؤمن بالمستحيل، بل يسعى لتحقيق الممكن. وما أكثر الممكن فعله في فلسطين.
قتلتهم القيادة بتصريحاتها المتخاذلة، ومنعها للشعب من تحرير نفسه، وإيمانها بجدوى السلام، وتشبثها بفضلات الاتفاقيات التي تبرأت منها إسرائيل منذ زمن بعيد، وتمسكوا هم بها وكأنها كلام مُنزل من الرب.
ماذا بقي من اتفاق أوسلو سوى التنسيق الأمني والحصار الاقتصادي وبطاقات الـvip ليمسحوا الأرض بالشعب لأجل هذه الامتيازات الرخيصة. ألم يحن الوقت لنحجب عن الاحتلال خدمة ال5 نجوم التي وفرناها له طوال 21 سنة؟ متى سنشيع جثمان الذل ونواري جسده النجس للتراب؟
لم نرى من القيادة سوى القمع لكل من يرغب بمواجهة الاحتلال حتى لو بالحجر. كانوا خائفين من ثورة تودي بمصالحهم، ولم يعرفوا أن فلسطين بحاجة لثورة تكنس منها كل خائن كي يستطيع العالم أن يراها من النهر للبحر، كاملة، دون احتلال.
قتلهم التنسيق الأمني الذي وصفته المصادر العسكرية الإسرائيلية بالعميق – وفقا للقناة العبرية العاشرة- ، حيث أفادت أن "عمق التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أدى إلى قتل منفذي عملية الخطف في الخليل".
دم الشهداء لن يغفر لليد الفلسطينية المتورطة في سَفكِه .. وسيعتب علينا "نحن" الذين سمحنا لها أن تنمو بوقاحة ولم نجرؤ على قطعها.
فليخرج الآن نتنياهو ويقول إن "هدفه بقتل أبو عيشة والقواسمي هو تدمير إسرائيل". فليخرج ويصرح أن "الفلسطينيين بشر".
نتنياهو لا وقت لديه، ولا يستجدي عطف أعداءه يا قيادتنا، نتنياهو يجتمع كل يوم بالساعات ليرد على قتل المستوطنين ويخطط لاغتيال القيادات ويهدم بيوت المقاومين انتقاما لثلاثة قرود. وأنتِ ماذا فعلتِ يا قيادتنا؟؟ أدنتِ القتل وطالبتِ بمحاسبة الجناة!
كثر الله خيرك، هل هذه هي قيمة دماء الشهداء وقيمة الطفولة والبراءة والإنسانية لديكِ.
تنحوا جانبا، واتركوا فلسطين لمقاوميها لا لمنسقيها، اتركوا الشعب يرد وينتقم لنفسه، فالحرب القادمة هي حربنا نحن
أترغبون أن أخبركم أكثر كيف قتلناهم؟
استمعوا إذا، عندما نصحو ونغفو بتوقيت الخوف، ويتحول هذا الخوف فينا إلى كائن يقودنا نحو الهاوية، يرافقنا حتى عندما نرغب بالتعبير عن أفكارنا، ونعلن له الولاء ولا نستطيع بصحبته أن نقول "لا"، يقضي على جرأتنا وإيماننا بالثوابت وجنوننا، ويجعلنا عقلاء بشكل مزعج، عندها نكون شاركنا العدو بقتل الشهداء.
أتدرون لماذا؟
لأننا يوميا نصحوا باكرا، نغسل قلقنا عن وجوهنا التي فقدت تعابيرها مذ عزف الصمت كلمات نشيدنا الوطني. نتحسس أجسادنا لنتأكد أننا لا زلنا على قيد الحياة، نفتح الباب بأيدينا حتى ندرك أن المفتاح بحوزتنا لا بحوزة السجان، وقتها نعلم أننا غير أسرى.
أثناء جولة الاطمئنان على أنفسنا، نتفقد أرقام الهاتف، نتصل على أحبائنا وأصدقائنا واحدا تلو الآخر، منهم من يرد فنعلم أنه لا زال على قيد الحرية، ومنهم من يرد هاتفه عنه ليقول لنا إن الشخص الذي تحاول الاتصال أصبح شهيدا، يرجى المحاولة فيما بعد.
فيما بعد قد تعني سنة، وقد تعني عمرا آخرا، وقد تعني موتنا أو سجنا أو منفى.
ولأننا نفعل ذلك كل يوم، ولا نجرؤ على العصيان حتى بيننا وبين أنفسنا، نكون قد شاركنا في قتل الشهداء.
ومن ماذا نخاف؟ لا أدري، والله سألت نفسي مليون مرة من ماذا وعلى ماذا نخاف ولم أعثر على جواب. إن كان الموت سيأتي، وهو اليقين المطلق والشيء الأكيد حدوثه في حياة الإنسان، وما عداه ليس مؤكدا، إن كنا سنموت لكننا لا نعلم متى، ولا نشعر بالأمان في حياتنا، إن كان جندي لا يزيد عمره عن 18 عاما يستطيع اهانة نساءنا وشيوخنا على الحواجز، فلماذا نخاف الموت؟ لماذا لا نختار ميتة تشرفنا وتزعج أعدائنا؟
لم نعد ننشغل لا بمن ماتوا ولا بمن سيموتوا. أصبح الشهيد مجرد خبر في وسائل الإعلام، خبر له وقت محدد في نشرات الأخبار ومساحة محددة في الصحف لن يُغفَر تجاوزها ولا بكلمة. خبر مجرد لا مشاعر فيه ولا غضب لأجله.
لا أدري من قال، إنهم في السابق كانوا يدفنون الشهداء على عجل، أما الآن فسيكون عـمق قبر الشهيد ضعف ما كان عليه، أتعرفون لماذا؟ لأننا نخشى أن يعود.
ترى، ما الذي من الممكن أن يكون مات فينا حتى نعتاد على رؤية الخراب ولا نكترث!!
عامر ومروان.. إن كنتم أنتم شهداء، فسنظل نحنُ الجبناء الذين كانوا أكثر عجزا عن حمايتكم، وأكثر إنشغالا من تذكر تشردكم، وأقل حرصا على حياتكم.
أشعر بالقرف، بالعجز، بالخجل من نفسي، ومن بلاد جُل من فيها يتاجرون بحريتنا.
تَبا لنــــا إن لم تبقَ أرواحنـــــا رطبة بالثأر لهم.
تأخروا قليلا في تشييع جثمان عامر ومروان، لا تشيعوا جثامينهم على عجلة من شوقنا لرفقتهم.
تأخروا قليلا كي تودعهم الشوارع أكثر، وتحتفي بهم الزقاق ويستنشق الياسمين من أزهار الكرامة التي نبتت في جراحهم، وحتى نشاهد آخر معاقل التضحية في ملامحهم التي اغتالوها على مرآى من خزينا.
لماذا تسرعون بدفنهم، ولماذا يسرعون في الرحيل عنا! ولماذا كل هذا الصمت في وداعهم
الصمت يا سادة لا يسير في جنازات الشهداء!
بقلم: مجدولين حسونة