صدق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقوله للرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون وزوجته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أثناء زيارته للولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها 69 حيث كان الرئيس المصري مباشرا وصادقا صريحا ومؤمنا لما تحدث به أن المصريون غاضبون من أمريكا ...وأن أحداث العراق وسوريا وليبيا مؤامرة ..وأن علي أمريكا أن تخاطب المصريين بشفافية وأن ثورة 30 يونيو عبرت عن زخم شعبي جارف ويجب علي أمريكا أن تتعامل بنفس القدر .
وحتي يكون هذا الموقف الذي يتسم بالشجاعة والصراحة والوضوح ومن خلال التحليل والدراسة لأبعاد وأهميه ما قيل وأهميته في الظروف الراهنة وبرؤيه موضوعيه متوازنة تخرج عن اطار التشنجات السياسية والمغامرات غير المحسوبة والتي لها انعكاساتها بعالم السياسة والعلاقات الدولية القائمة علي المصالح أري في قول الرئيس المصري صدقا واضحا وشفافية عالية وتعبير صريح يعبر عن رسالة عربية من قائد عربي يشعر بالغضب والاستياء من السياسة الأمريكية باتجاه مصر ومجمل قضايا الأمة العربية .
لقد قامت الدنيا ولم تقعد بعد ثورة 30 يونيو وخروج ما يزيد عن 30 مليون مصري مطالبين بسقوط الرئيس الاخواني محمد مرسي الذي أصر علي مواقفه في اطار موقف اخوان مصر... فلم يقبلوا بالنصيحة الامريكية كما قالت هيلاري كلينتون.. وهم لم يقبلوا بنصيحة المشير عبد الفتاح السيسي ولا حتي استجابوا لصوت الجماهير المصرية .
أمريكا كان تخطيطها علي أساس تمكين أحزاب الاسلام السياسي من تولي سدة الحكم بالعديد من الدول العربية في اطار الرؤية الامريكية التي تري أنه سيشكل مخرجا دينيا لمواجهه التطرف والارهاب المتمثل بتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من المسميات ذات نفس التوجهات والأهداف .
الا أن فشل الاخوان في ادارة حكم مصر وردة فعلهم غير المحسوبة والمتناقضة مع الديمقراطية وسيادة الشعب وقراره الملزم وما جري من أجواء توتيريه وفرت المزيد من فرص تشكيل المجموعات الارهابية التي كان من نتيجتها اضعاف الاخوان ليس في مصر وحدها بل بالعديد من الدول داخل المنطقة ...كما كان لهذا الواقع المترتب اصطفافا أكبر للجماهير المصرية مع الرئيس السيسي عندما شعر المصريون أن بلادهم تتعرض للتخريب تحت مسميات وذرائع لا علاقه لها بديننا الحنيف القائم علي التسامح والمحبة والعدل .
أمريكا والغضب منها وعليها نتيجة سياسات خاطئه لا تحترم ارادة الشعوب وحقها في تأسيس أنظمه ديمقراطية قائمه علي دساتير حديثه وتعدديه حزبية ليست قائمه علي الاديان ولكن ذات منطلقات وطنية لترسيخ نظام الحكم الديمقراطي الذي يستوعب كافة الثقافات والاجتهادات والاديان والطوائف داخل كل دولة .
كما وأن الحرص علي عدم القبول بإسقاط نظام الدولة ومؤسساتها وخلق البدائل لدويلات وامارات ليست مضمونه العواقب وتحفها المخاطر والاضرار بمصالح الشعوب وسيادتها واستقرارها والمحافظة علي أمنها القومي .
من هنا تولد الغضب المصري والعربي علي أمريكا التي سعت الى الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد وتقسيم المقسم وتجزئه المجزأ واثارة الفتن الطائفية ومسميات الدولة الاسلامية في العراق والشام بضاعه فاسدة تخرج من مصانع لا علاقة لها بتاريخ وثقافه المنطقة فكيف يعقل أن تكون مثل هذه التنظيمات الارهابية ضد ايران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية ؟.
وكيف يمكن القبول بالمقارنة والمقاربة بين حركات وطنية مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وبين تنظيم داعش الارهابي ؟
محاولة اسقاط نظام الدولة ومؤسساتها وجيشها القومي يؤكد علي عدم شرعية ومشروعية ووطنية مثل هذه التشكيلات والتي تجعلنا نتساءل من أين جاءت ؟ ومن يمولها بالمال والسلاح ؟ ومن يساعدها علي التحرك والتنقل ما بين الدول ؟ أسئلة كثيرة اجاباتها عند ذوي الاختصاص والاجهزة المعنية .
وعودة لما يجري في العراق وسوريا وليبيا باعتبارها مؤامرة بكل ما تعني الكلمة من معني ودلالات واهداف خبيثة تستهدف استقرار وأمن المنطقة لتمرير مشاريع استعمارية من خلال التقسيم ونزاعات طائفية وعرقية وصناعه أمراء مناطق وارجاع السادة والعبيد والقضاء علي الجيوش القومية والانظمة السياسية فلا دستور يحكم ..ولا رئيس ينتخب ..ولا مجلس نواب ينتخبه الشعب كل ما يستهدفون سلطه أمراء قتله يقتلون ويقطعون الرؤوس والايادي ويعتدون علي المحرمات تحت ما يسمي بنكاح الجهاد ونهب الاموال والاستيلاء علي الممتلكات ...فوضي مدمرة من خلال مليشيات مسلحة لا هوية تعبر عنها... ولا جنسية تحدد معالمها ...ولا حتي دين يمكن أن يحدد توجهاتها.... ارهاب من اجل الارهاب ...وحيث يكون يمارسون القتل والتخريب كما في ليبيا وسوريا والعراق حتي أنهم يختلفون مع بعضهم البعض في اليمن الحوثيون ضد القاعدة... وجبهه النصرة ضد القاعدة... وداعش ضدهم. تشكيلات ارهابيه ضد بعضها البعض تتفق علي الارهاب وتتعارض في مساحة النفوذ والكسب غير المشروع .
من هنا فالرئيس السيسي عندما أعرب عن غضب الشعب المصري انما كان يعبر عن غضب كافه الشعوب العربية كما وأنه عندما يتحدث حول ما يجري في العراق وليبيا وسوريا مؤامرة فهو أيضا يعبر عن رؤية عربية ..وفي ذات السياق والتجربة خير دليل عندما كان الاتحاد السوفيتي في افغانستان قامت أمريكا بتشجيع التشكيلات والتي سميت بالقاعدة من خلال أسامه بن لادن لمواجهه النفوذ الشيوعي في أفغانستان من خلال الدين السياسي والتي تحول بعد ذلك الى محاربة أمريكا وهذا ما يجب ادراكه من أن هذه التنظيمات الارهابية تنقلب علي نفسها وعلي غيرها وعلي من يمؤلها ويساعدها في الوقت التي تراه مناسب ...فكيف يمكن أن يفسر وجود مواطنين من اوروبا والكثير من دول العالم ضمن صفوف داعش ؟. فلا الدين هو الدين ..ولا الثقافة هي الثقافة.. ولا الجنسية هي الجنسية.. والسؤال الاخر لماذا كافة الاعمال الارهابية علي الارض العربية وليس خارجها ؟
نحن لا نتمنى أن نشاهد اي عمل ارهابي ضد أي دولة أو شعب لان الارهاب تعبير عن حالة متطرفة غير متوازنة في فكرها وشخوصها وهي لا تخدم الانسانية ولا الاديان ولا حتي حرية الشعوب بل تساعد على المزيد من الفوضى والتقسيم ومزيدا من سفك دماء الابرياء وهذا ما يجعل من محاربة الارهاب مهمه عالمية ..ولكن السؤال سيبقي من هم هؤلاء ؟ ومن يمولهم ويسلحهم ؟ ومن يساعدهم في التحرك والتنقل ؟
ان مهمه محاربة الارهاب تخرج عن اطار المعالجة الامنية والقوة العسكرية ..لتصل الى معالجات دينية ثقافيه اجتماعية اقتصادية وسياسية ..ولكل دولة ظروفها وامكانياتها وقدرتها علي المواجهة والمعالجة .
الكاتب :وفيق زنداح