منذ عام 2007 كان الشعب الفلسطيني يتقلب في أحوال متناقضة مبهمة، جراء الانقسام والصراع بين حركتي فتح وحماس، إلى أن اختمرت فكرة الدعوة الوطنية لإنشاء تجمع للشخصيات الفلسطينية المستقلة، أو ما اصطلح على تسميته (المستقلون). كأحد التعبيرات السياسية عن الأغلبية الصامتة في فلسطين، وتطلعهم للتغيير في ظل الحالة الفلسطينية المأزومة، وقتامة الجو السياسي، وكان من الممكن أن تسفر تلك الدعوة عن عمل إيجابي وقوة ضاغطة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أو على الأقل إخراج المسيرة الوطنية من عثرتها؛ لكن يبدو أن هذا التجمع أو تلك التجمعات التي شكلت لم تستكمل كل مقومات النماء التي تتيح لها التقدم والبروز، لتشكل البديل عن القوتين الكبيرتين فتح وحماس، وإحداث التوازن بينهما، بالرغم من كل التعقيدات والتشابكات التي تحيط بالوضع الفلسطيني عامة.
وعلى مدار السنوات الماضية، بدأت الفكرة التي نادى بها هؤلاء المستقلون، وتمثلتها دعوتهم غامضة لا تستوي على قرار في التعبير عن إرادة الناس بأسلوب يوافق عقليتهم، ويثير مشاعرهم، ويخفف من معاناتهم في ظل الظروف الصعبة وفظاعة المعيشة التي يعيشها المواطن الفلسطيني، وهكذا لم يجد هؤلاء المستقلون فن إطراب الناس لهم، فكانت تلك التجمعات تتلمس مواطن الإقدام في الشباب النابه، فتعمل على إعداد مَن تصطفيه منهم للدور الذي تتوسمه في خدمة طموحها إلى السلطة.. دائماً بإسم المستقلين؛ لأنها أصبحت موضة هذا العصر الأكثر سهولة، حيث وجدوا فيها سوقاً رائجا للوصول إلى السلطة، يعرضون أنفسهم وكأنهم رجال قادمون من المريخ أو من عطارد أو من فلسطين. وكان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين كان هؤلاء المستقلون ممن ألفوا تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة من قبل؟ إننا لا نرى لهم يداً في الحركة الوطنية، والقدرة على حيوية التغيير، ولا نحس لهم دبيباً، ولم يصدروا عن بادرة توحي بأن لهم اتجاهاً وطنياً معيناً، وكان موقفهم بين الفصائل الفلسطينية أو من السلطة الوطنية موقف مَن ينشد الكفة الراجحة ليدوروا في فلكها. فلم يكن العمل الوطني في نظر الأكثرين منهم واجباً ومسؤولية، بل كانت بحثاً عن دور أو منصب أو مظهراً للجاه والنفوذ بين الأهل والعشيرة، وظلت تلك الروح سائدة إلى هذا اليوم. وزاد في خطورة هذا الدور تعرض هذه التجمعات لخطر الانقسام، وما آلت إليه حالهم من تفتت وترهل وضعف، وبدأ عهد على عكس ما توقع الناس من ممارسات لا نجد لها مثيلاً في تأليه الفرد والتفرد في اتخاذ القرار، وهو نهج بعيد جداً عن قواعد الكفاءة والمساءلة والشفافية واحترام المؤسسات، فلم يعرفوا الديمقراطية، وكانت لفظاً غريباً عليهم لا دلالة له في أفهامهم، ولم تستطع هذه التجمعات في الأخذ بيد الناس نحو مدارج الرقي والتغيير المنشود، وفي تسييس الشعب الفلسطيني تسييساً حديثاً، فقد كانت هذه التجمعات امتدادات للانقسامات الفلسطينية، لذلك فشلوا من حيث الجوهر، وإن نجحوا من حيث الشكل، فلم يكونوا عند حسن ظن الناس بهم، وأضاعوا الحلم الجميل الذي راود الفلسطينيين في التغيير والإصلاح، وكانت المحصلة النهائية ضغثاً على ابالة، ونفوراً واحباطاً من هذه التجمعات، وثمة حذراً من منظريها ومعتنقيها في تقدير الناس والمجتمع.
وأحمد الله أنني لم أسجل في دفتر فصيل أو حزب، فلم أكن رجل حماس، ولا رجل فتح، ولا رجل أحد، فالجميع عندي سواء في ميزان الحسنات والسيئات، ما قال الوطن (فلسطين) إنه صحيح فهو الصحيح، وما قال إنه ضار بالوطن أو بجزء من الوطن فهو الخطأ. إنَّ النقص الوحيد في المجتمع الفلسطيني هو فقدان القيادات المعجونة بالإيمان بالوطن، أو الإيمان بخدمة الأمة (لوجه الله)، وأقول إننا لا ندعو الناس أن يكونوا مؤمنين مسلمين فقط، وإنما أن تكون عندهم (عقيدة).