الحوارات التي تمت بين فتح وحماس برعاية مصرية وانتهت يوم الخميس الماضي،حسب ما قاله رئيسي الوفدين عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق في مؤتمرهما الصحفي الذي عقداه في القاهرة،أنه أمكن تجاوز العقبات التي تعترض المصالحة وإنطلاق حكومة الوفاق الوطني،وخصوصاً بأن الطرفين باتا معنين بتحقيق المصالحة او على الأقل إنطلاق حكومة الوفاق الوطني وتمكينها من تأدية دورها وصلاحياتها في قطاع غزة،فبدون حكومة وفاق وطني،لن يكون هناك إعمار، والإعمار يتطلب أن تتم المصالحة،حتى تستطيع السلطة وحكومة الوفاق العمل في قطاع غزة،وهذا غير ممكن بدون موافقة حماس،وحماس يشغلها قضيتان أساسيتان تضغطان عليها بشكل جدي لإستمرار سلطتها وسيطرتها على قطاع غزة،قضية رواتب موظفيها ال(40000)،وقضية المشردين عن منازلهم بسبب العدوان على قطاع غزة،وما نتج عنه من تدمير لها،وهؤلاء يزيدون على ربع مليون شخص،ولذلك هي غير قادرة على توقيع أي اتفاق مصالحة او "محاصصة" مع فتح بدون حل لهاتين المسألتين،وعندما حلت قضية رواتب موظفيها،والتي قال رئيس الوزراء رامي الحمدالله،بان طرف دولي ثالث قد تعهد بدفعها دون ان يسميه،واضح بان ذلك جزء من الإتفاق المشاركة فيه اطراف عربية وإقليمية ودولية،وافقت حماس على المصالحة"المحاصصة"، ووافقت على ان تمكن حكومة الوفاق من العمل وتأدية دورها في قطاع غزة،لأن وجودها وعملها في القطاع شرط عربي ودولي من أجل الموافقة على بدء الإعمار في القطاع،حيث سيناط بحكومة الوفاق وحرس الرئاسة الإشراف على المعابر،وأن تجري عملية إعادة الإعمار تحت مسؤوليتها وبإشراف دولي،اما فيما يخص الأمن فإنه في الفترة الإنتقالية ستبقي المسؤولية الأمنية بيد حماس،وهي التي تستبق أي تنفيذ للإتفاق بإنشاء جيش شعبي خاص بها،واعتقد بأنها سترفض ان يكون هناك سلاح واحد وسلطة واحدة،فهذه القضية لا يمكن الموافقة عليها من أي طرف فلسطيني إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال.
حكومة التوافق والمصالحة "المحاصصة" والتهدئة والإعمار حتى اللحظة تبدو في إطار إدارة الإنقسام وليس إنهاؤه،وواضح بان هناك اطراف عربية وإقليمية ودولية تضغط بإتجاه الإتفاق على حكومة وفاق وطني،ويمكن أن تقلع حكومة الوفاق،ولكن ستستمر عملية إدارة الإنقسام لحين التوافق على البرنامج السياسي،حيث أن هناك تناقض واضح في إطار حماس حول هذه القضية تحديداً،حيث ان الجناح الذي يقوده الزهار،يرفض ان يكون برنامج هذه الحكومة،هو برنامج الرئيس عباس،وخصوصاً انه في تصريح ومقابلة مع جريدة الأخبار اللبنانية مؤخراً قال"بأن الرئيس عباس ليس رئيساً توافقياً،بل هو رئيس بحكم الأمر الواقع،ودكانته السياسية مفلسة"،وان برنامج منظمة التحرير ليس برنامج حماس ولا يمثلها،ولكن في الجانب المقابل نرى بان التيار الذي يقوده مشعل يعبر عن موقف مغاير،حيث تصريحات ابو مرزوق عن شرعية وتشريع التفاوض مع الإحتلال،وحديث خالد مشعل عن الدولة الفلسطينية على حدود الخامس من حزيران والتهدئة طويلة الأمد،تجعلنا نرى بأن هناك إقتراب الى حد كبير في البرنامج السياسي للطرفين،واذا ما تمكن انصار مشعل من حسم الصراع داخل حماس لصالحهما فإن إتفاق المصالحة ربما يبصر النور،حيث ان صمود وصلابة الإتفاق اولاً بحاجة الى إرادة سياسية صلبة وقوية،وان يكون برنامج سياسي يجري التوافق عليه،ولكن في ظني ان المخاضات والصراعات لا في إطار فريق السلطة ولا في إطار حماس ناضجة لجهة حسم التوافق على البرنامج السياسي،وهذه مسألة ليست رهن بإرادة حماس او فتح،بل في وضوح وإستقرار المشهد الإقليمي والعربي، لمصلحة من ستجري عملية الحسم،او أين سيجري التوافق بين أقطاب الصراع الرئيسة روسيا وايران وحلفاؤهما من سوريا وحزب الله واليمن،وامريكا والأوروبيين وحلفائهم السعودية ومشيخات النفط واسرائيل وتركيا من جهة أخرى؟،هذه محاور كان لها صراعاتها وتصفية حساباتها على أرض غزة،فكما تصارعت في المواجهة العسكرية هناك،فهي ستستمر في الصراع لحين الحسم او التوافق في القضايا الإقليمية والعربية.
حتى اللحظة الراهنة هناك تشكك كبير في ان يكون هذا الإتفاق مختلفاً عن ما جرى عليه في الإتفاقيات السابقة،والتي ما ان يجف حبرها حتى يجري خرقها أو عدم الإلتزام في تنفيذها،مكه والدوحة والقاهرة والشاطيء،والان القاهرة مجدداً،حيث عبر يحيى موسى احد قيادات حركة حماس في قطاع غزة عن عدم ثقته وقناعته بأن هذا الإتفاق سيصمد،او ستكون حظوظه في التطبيق أفضل من الإتفاقيات السابقة،ويعزو ذلك الى عدم مصداقية ورغبة السلطة الفلسطينية،وتصريحات يحيى موسى وغيرها من تصريحات الفريقين،تعكس حالة عميقة من عدم الثقة والتشكك بين الفريقين،وليس هذا فقط،فنحن نرى بأن هذا الإتفاق لم يركز سوى على قضيتين المحاصصة في إقتسام السلطة ،والرواتب مقابل تمكين حكومة الوفاق واجهزتها المدنية من العمل في قطاع غزة،وباقي القضايا تحال الى لجنة مشتركة لدراستها والعمل على تطبيقها،وعلى ان تشارك بقية فصائل العمل الوطني فيها كشاهد زور على تلك المحاصصة،فهي تستهدف بالأساس مصالح الفريقين،وليس مصالح الشعب الفلسطيني،وهدفها المرحلي الان إدارة الإنقسام.
واضح بأن الرئيس في خطابه في الجمعية العامة امس،لم يتحدث عن أية تطورات أو سيناريوهات سياسية دراماتيكية،خلافاً لتصريحات قادة فتح،والذين كانوا يتحدثون عن قنبلة سياسية سيفجرها الرئيس في خطابه امام الجمعية العامة خارج المسار السياسي القائم،مسار التفاوض،ولذلك هو لا يتحدث عن إستراتيجية جديدة او برنامج سياسي جديد،تُ/يحدث حالة من القطع مع هو قائم،أي التخلي عن نهج وخيار المفاوضات العبثية،بل يقول أنه مع العودة لتلك المفاوضات،ولكن على أسس وقواعد جديدة وبسقوف زمنية،وبنفس الرعاية للمفاوضات،الرعاية الأمريكية المنفردة،تلك الرعاية التي جربها الرئيس،ليس فقط في العشرين عاماً السابقة،بل في عودته لتلك المفاوضات مؤخراً لتسعة شهور التي رعاها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري،والتي لم تفلح في الضغط على اسرائيل او إلزامها في تقديم تنازلات جدية من اجل السلام،حتى لم تثمر في إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل اوسلو ال(104) الذين إلتزمت اسرائيل بإطلاق سراحهم.
نحن نتمنى أن يرى إتفاق حماس- فتح الأخير النجاح وان يقلع قطار المصالحة والوحدة الوطنية،وان تندفع حكومة الوفاق الوطني الى الأمام،ولكن هناك الكثير من العقبات والألغام في الطريق،التي قد تنفجر وتعيد الأمور الى المربع الأول،فبدون برنامج سياسي وإرادة سياسية وتوافق وطني شامل،فالإتفاق سيكون مصيره كالإتفاقيات السابقة.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
28/9/2014
0524533879
[email protected]