يعاني سكان قطاع غزة من عجز كبير في الوحدات السكنية كنتيجة طبيعية لتعداد السكان المرتفع والذي يصل إلى (1.8) مليون نسمة، في ظل معدل خصوبة مرتفع (5.2) مولود، ومعدل نمو سكاني يصل إلى (3.44%). كما أن الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة منذ العام 2006، حال وما زال من دخول مستلزمات البناء بالإضافة للعدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع والذي ألحق الدمار بعشرات الآلاف من الوحدات السكنية وآخرها العدوان المتمثل بعملية "الجرف الصامد" والذي مسح مناطق سكنية بأكملها عن الخارطة الجغرافية ودمر أكثر من (11) ألف منزل كحصيلة أولية بالإضافة إلى (3) أبراج سكنية فيها مئات الوحدات السكنية.
يحتاج قطاع غزة في الوضع الطبيعي من (800-1100) وحدة سكنية سنوياً، ووصلت الاحتياجات من الوحدات السكنية ما قبل العدوان الأخير أكثر من (91) ألف وحدة سكنية، فلنقدر حالة العجز الكبير في الوحدات السكنية بعد العدوان الأخير وكم هي الحاجة لبناء وحدات سكنية جديدة. هذا ولا يقف الدمار والعجز المتراكم عند الوحدات السكنية، بل يمتد ليطال المدارس والمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية والممتلكات الثقافية وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة.
إن أي تأخير في إعادة إعمار ما تم تدميره يراكم من حجم العجز في الوحدات السكنية وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة في قطاع غزة، ولكن الإشكالية الكبرى هنا والتي نريد تسليط الضوء عليها ألا وهي، أنه لو افترضنا متفائلين تم السماح فعلياً بدخول احتياجات الغزيين من مستلزمات البناء والذي قد يتبعه طفرة في عملية البناء، هل ستغطي كمية الرمال المتوفرة احتياجات إعادة الإعمار والتوسع المستقبلي في البناء؟؟، حيث تقدر حاجة القطاع من الرمال في ذروة عملية البناء وإعادة الإعمار بأكثر من (12) مليون كوب في العام الواحد، وحتى لو تم توفير هذه الكمية في الوقت الحالي فهل يمكن الاستمرارية في ذلك مع محدودية كمية الرمال والحاجة المتزايدة للتوسع العمراني؟.
الإجابة قطعاً لا، وهذا وفقاً لتقديرات الخبراء وذوي الاختصاص والعلاقة في موضوع قلع الرمال وتأثيراته، ووفقاً لورقة حقائق أعددتها وأصدرها مركز الميزان لحقوق الإنسان في العام 2011 تحت عنوان: "مقالع الرمال واقع مرير يحتاج إلى بديل"، والتي حذرت في حينه من الاستخدام الجائر للرمال خاصة مع محدودية كميته.
إن محدودية كمية الرمال ترجع بداية لمحدودية مساحة أراضي القطاع، مع ارتفاع كبير في معدلات الزيادة السكانية والحاجة المتزايدة للتوسع العمراني. كما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لها بالغ الأثر السيء في تدهور كمية الرمال، حيث عمدت طوال فترة تواجدها على أراضي قطاع غزة وبشكل منظم على سرقته لصالح مشاريعها، وهي ما زالت تحول دون استغلال مقالع الرمال في المنطقة الشرقية للمحافظة الوسطى وبيت حانون، ما ساهم في الاستخدام الجائر للمقالع الساحلية وأدى إلى تلوث المياه الجوفية باختلاطها مع مياه البحر.
هذا علاوة على ما يتسبب به الاستخدام الجائر وغير المنظم للرمال من التسريع في وتيرة نضوبه، وما يحمله ذلك من آثار كارثية تتجاوز بتداعياتها السلبية عملية البناء، لتمتد إلى تشويه وتدمير البيئة وتآكل سطح التربة وتقليل نسبة خصوبتها وتؤثر على التنوع الحيوي وتحويل أماكن قلع الرمال إلى أماكن لتجميع النفايات الصلبة والمياه العادمة، إذا ما تسربت لها المياه العادمة. هذا بالإضافة لما يتسبب به اقتلاع الرمال بمزيد من التدهور لمخزون المياه الجوفية كماً ونوعاً، فالكثبان الرملية هي عبارة عن مصائد طبيعية لمياه الأمطار، واقتلاعها يؤثر سلباً على تغذية المياه الجوفية. كما أن الرمال تعمل بمثابة فلتر لتصفية المياه واقتلاعها يتسبب في سهولة وصول الملوثات المختلفة للمياه الجوفية، بالإضافة إلى أن اقتلاع الرمال يتسبب في اقتراب المياه الجوفية من سطح الأرض، ما يجعلها عرضة للتبخر والتلوث.
أمام الحاجة الملحة لإعادة بناء ما دمرته قوات الاحتلال، بل والتوسع في عملية الإعمار في حال دخلت مستلزمات البناء، نطالب صناع القرار الأخذ على محمل الجد مشكلة محدودية كمية الرمال وإمكانية نضوبها وتداعياتها الخطيرة على عملية البناء وما تحمله من آثار كارثية على البيئة في قطاع غزة. كما نطالبهم بالعمل الجاد للنظر في البدائل المتاحة لرمال غزة ومنها استيراد الرمال سيما من شبه جزيرة سيناء، واستخدام بدائل أخرى عن الرمال كمادة بناء.