البالون رسالة سلام

بقلم: هاني زهير مصبح

أسرة تعيش في مكان جميل في قرية ريفية تنعم بالأمن والسلام والهواء الجميل وعبق الزهور في كل صباح يتنشق به كل أفراد الأسرة وسكان القرية ،أسرة مكونة من الأب والأم وطفل صغير يبلغ من العمر خمس سنوات وكلب دائما بصحبتهم فهو جزء مهم في حياتهم بل هو فرد من أفراد تلك الأسرة والأب يعمل مزارع وهو جندي احتياط ويبلغ من العمر خمسة وأربعون عاما والأم مدرسة وتساعد زوجها في أعمال الزراعة الخاصة بمزرعتهم .
كان لتلك الأسرة طابع حياة جميل واسلوب رائع فتلك هي نموذج نابض بالقيم والمعاني الجميلة للحياة بكل معانيها تتخلل حياتهم لحظات كثيرة من الفرح والمرح والسرور ، تعود الأب في كل صباح بصحبة كلبهم أن يخرجوا إلي الحديقة أو المتنزه العام القريب من منزلهم ولقد كان الطفل مدلل من والديه كثيرا وكان دوما يحرص الأب في نهاية الاسبوع علي قضاء إجازة رائعة وممتعة بصحبة عائلته تارة يذهبون إلي البحر في الصيف وتارة إلي السينما أو الملاهي ويلعبون ويمرحون والأب في كل رحلة ينفخ البالونات لابنة الصغير ليلعب بها ويطلقونها في الهواء تطير وضحكات الصغير تتعالي وهو يركض خلف تلك البالونات وهي تطير وترتفع في الهواء وتسير مع الرياح حتي أصبحت تلك البالونات من هوايات الطفل الصغير .
في أحد الأيام ثم استدعاء الأب وهو جندي احتياط للذهاب إلي الحرب ضد الظلم والعدوان وللقضاء علي الإرهاب ،حيث كانت الشعوب تعيش في حقبة مليئة بالظلم في تلك الأيام من ديكتاتورية وتطرف .
سافر الأب بعيدا إلي ساحة المعركة لمحاربة الارهاب والقضاء عليه وتخليص العالم من الديكتاتورية وبقيت الأم وطفلها في تلك القرية وبصحبتهم كلبهم الوفي وهم مشتاقون للأب الذي رحل بعيدا عنهم فالأم تشتاق كثيرا وهي قلقة للغاية ولكنها لا تظهر ذلك القلق والخوف أمام ابنها الصغير المشتاق لوالدة كثيرا ،فقررت الأم أن تخرج مع إبنها الصغير في أول إجازة اسبوعية بدون الأب حتي لا يشعر الصغير بأن شيئا ما تغير وكالعادة ينفخ البالونات ويطلقها في الهواء لترتفع وتطير عاليا وتذهب بعيدا ،والأب في ساحة المعركة يحارب بشجاعة من أجل أن ينعم ابنة وأطفال العالم بالأمن والسلام .
الابن يفتقد أبية الذي تعود الخروج معه في كل صباح برفقة كلبهم وكذلك في اجازة نهاية الاسبوع ،هذا ليس حالة وحدة فهناك الكثير من الاطفال برفقة الصغير في روضته وهم جميعا مشتاقون لآبائهم اللذين سافروا إلي ساحة المعركة ،كل طفل صغير يفكر كيف يخبر والدة عن افتقاده له وعن حبهم لآبائهم .
ولكن القدر لم يترك الطفل الصغير وحيدا او حائرا وبينما هو يلعب ويلهو في ساحة الحضانة برفقة الأطفال الصغار وبينما هم يلعبون بالبالونات تذكر الطفل الصغير تلك البالونات التي كان يحضرها له والدة في كل رحلة اسبوعية .
فقرر الطفل الصغير باليوم التالي عندما يخرج بصحبة أمة وكلبهم إلي تلك التلة الصغيرة التي كان دوما يطير من فوقها البالونات بصحبة والدة قرر أن يحضر بطاقة وحزمة بالونات كثيرة وقرر أن يربط البطاقة بتلك البالونات وتلك البطاقة هي بطاقة معايدة بمناسبة عيد ميلاد الصغير تلقاها من والدة كان قد كتب عليها الأب " من والدك الذي يحبك " وعليها رسومات يحبونها الصغار .
الطفل الصغير يطلق البالونات في الهواء لتحملها الرياح ويستجيب له القدر وكأن الشوق والمحبة المتبادلة بين الأب في ساحة المعركة والابن في قريته الجميلة ليصبح الشوق ساحر يوجه البالونات في رحلتها الطويلة التي تستغرق يومان .
طارت البالونات في الهواء كثيرا وقطعت مسافات وعندما وصلت أحد الجبال وعلقت بغصن شجرة علي ذلك الجبل شاهدها أحد الأشخاص القريبين من المكان وعندما وصل الشجرة ونظر إلي البطاقة التي تحملها البالونات وقرأ ما هو مكتوب عليها فوجد عبارة الأب تم كلمات طفل صغير " أبي أحبك" فعرف أنها رسالة شوق من طفل صغير إلي أبية فحررها وتركها لتكمل رحلتها في الهواء .
طارت البالونات من جديد وكادت أن تصل وعندما دخلت البلاد التي فيها ساحة المعركة تعرضت بعضا منها للقتل فانفجرت في الهواء بعد أن تعرضت للقتل والأذى وأصابتها بعض الرصاصات مما أبطئ من حركتها فقد أصبح عددها قليل وارتفاعها منخفض ولكن القدر بصحبة صغيرنا وبالوناته فالحب والشوق شيء جميل .
أخيرا وبينما الأب يقاتل من أجل القضاء علي الارهاب شاهد بالونات تشبه بالونات طفلة الصغير ومعلق بها بطاقة ذهبية مثل التي أهداها لطفلة الصغير وبينما هو ينظر لتلك البالونات كان يتذكر ابنة عندما كان يلعب ويلهو بها بصحبته فعرف الأب أن تلك هي رسالة من طفلة الصغير المشتاق فأمسك بالبالونات بعد أن أوقعها وتأكد من البالونات والبطاقة فتبسم الأب وشعر بالسعادة كثيرا من رسالة طفلة الصغير وجمع بالونات كثيرة وكتب علي نفس البطاقة كلمات جديدة وهي " عزيزي الصغير أحبك كثيرا زوجتي العزيزة أحبك وأنا هنا من أجلكم وسأعود قريبا" ثم أطلق البالونات في الهواء لتعود من جديد .
عادت البالونات سريعا ووصلت قريتهم الصغيرة بسلام وكان أطفال القرية والناس جميعا يشاهدون البالونات في الهواء والجميع ينظر إلي السماء حتي نزلت البالونات ومن البطاقة عرفت الأم أنها رسالة من زوجها لها ولطفلها الصغير .
أخبر الطفل الصغير معلمته في الروضة وأصدقاؤه عن البالونات والرسالة التي أرسلها لوالدة في ساحة المعركة ،فقرر الأطفال جميعا بصحبة معلمتهم أن يرسلوا رسائل إلي آبائهم وإلي العالم جميعا عن طريق البالونات كتبوا عليها " نحن الأطفال نريد السلام ،أحبك يا أبي " ،وفي وقت واحد طارت البالونات إلي العديد من بلاد العالم وفهم الجميع الرسالة وعاد السلام من جديد وانتهت المعركة ،وعاد الأب إلي ابنة الصغير وعادت الفرحة للأسرة من جديد .
بقلم الكاتب الفلسطيني/ هاني زهير مصبح
موبايل/ 00970599356764