تصويت البرلمان البريطاني الاعتراف بدولة فلسطين يحمل الكثير من الأهمية، رغم الطابع الرمزي له وليس فيه ما يلزم الحكومة البريطانية بتطبيقه، وأهميته تنبع من أن التصويت يعبر عن إرادة ممثلي الشعب البريطاني، ويتم في البرلمان الذي يمثل الواحة الأولى للديمقراطية في العالم، وبطبيعة الحال لن يكون تأثير التصويت مقتصراً في انعكاساته على الساحة البريطانية فقط، بل سيكون لها امتداداتها في المحيط الأوروبي، خاصة أنه يأتي ايضاً بعد الإعلان الرسمي لمملكة السويد عزمها الاعتراف بدولة فلسطين.
مؤكد أن تصويت البرلمان البريطاني لا يحمل الطابع التصادمي مع الحكومة، حتى وإن جاء مقترح القرار من حزب العمال وحكومة الظل، ولن يستعيد البرلمان البريطاني مشهد خصومته مع الملك "تشارلز الأول" في القرن السابع عشر، حيث البرلمان يقف عند حدود صلاحياته وكذلك تفعل الحكومة، لكن المؤكد أن القرار سيخلق حالة حراك قوية في دول الاتحاد الأوروبي، تلك الدول التي لم تعد تخفي تململها من عنجهية حكومة الاحتلال وضربها للإرادة الدولية بعرض الحائط، هذا التغير الآخذ بالتصاعد سبقه على مدار السنوات السابقة تغييراً ملموساً في الرأي العام الأوروبي حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
العالم اليوم وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبي باتت تتحدث بلغة مغايرة، ومؤكد أن لغتها الجديدة لا تتماشى مع لغة الإدارة الأمريكية، لكنها في الوقت ذاته لم تقترب بعد لترجمتها إلى مواقف عملية ترقى لحجم المعاناة التي تحملها الشعب الفلسطيني على مدار عقود طويلة، ولا شك أن دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام وبريطانيا بشكل خاص تتحمل قسطاً من المسؤولية في معاناة الشعب الفلسطيني، ولعل هذا التبدل في المواقف يشكل الخطوات الأولى في مسار التكفير عن الذات، والتي بدأت بشكل عملي من خلال المقاطعة الواسعة لمنتجات المستوطنات الاسرائيلية.
إن اللغة التي تحدث بها الحضور في مؤتمر إعادة إعمار غزة، تتقاطع عند هاجس ينتاب الجميع، يتعلق بفحوى إعادة الإعمار إن عادت حكومة الاحتلال إلى حرب أخرى يتم من خلالها تدمير ما تم إعماره، وهو الذي دفع الجميع للربط بين إعادة الإعمار من جهة وإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة ثانية، وبدون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في اقامة دولته الفلسطينية المستقلة، سيبقى الحديث عن إعمار غزة مجرد خطوات متعثرة لا تفضي إلى النتائج المطلوبة نحو التنمية المستدامة والاستقرار المنشود.
اللغة الأوروبية الجديدة، التي تبتعد اليوم أكثر من قبل عن اللغة الأمريكية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، تعبر بشكل واضح عن ضيق صدر الدول الأوروبية بما تفعله حكومة الاحتلال، ومن الواضح أنها بدأت تبتعد عن سطوة القرار الأمريكي، ففي الوقت الذي وجد فيه وزير خارجية أمريكا في قرار حكومة الاحتلال، السماح بتصدير خضروات غزة إلى الضفة الغربية، موقفاً يتطلب الاشادة به، ذهب المتحدثون إلى جوهر الأزمة الكامنة في استمرار الاحتلال ذاته، لعل اللغة الأوروبية الجديدة تتطلب منا نحن أن نمهد الطريق لهذا التغيير أن يمضي قدماً دون أن نضع العراقيل أمامه، والتي تحمل في صفاتها خلافاتنا الداخلية.