تكمن مصلحة المجتمع في المحافظة على كرامة الفرد وانسانيته وضد أي تعسف قد يتعرض له باعتباره الخلية الاساسية لبنائه والمحافظة على حريته، فالإنسان الحر هو القادر على العطاء الخلاق لبناء مجتمع سليم، ونظراً للأهمية القصوى للحقوق والحريات العامة في حياة الفرد وفي بناء المجتمع، فقد اولت الشرائع السماوية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية أهمية بالغة للحقوق والحريات وحمايتها وعدم السماح بالتعرض او الانتقاص منها مهما كانت الأسباب والدوافع، وهذا يفرض على الدولة واجباً من خلال أجهزتها الأمنية بالحفاظ والموازنة بين الحقوق والحريات وبين المجتمع واستقراره وامنه، وهذا امر يحتاج الى عناية وحرص من قبل الأجهزة الأمنية بأن لا تطغى سلطتها على حساب حقوق حريات الأفراد بحجة الأمن، والمشرع الدستوري الفلسطيني حرص على تعداد الحقوق والحريات العامة مع ترك وسائل أو ضمانات تحقيقها للتشريع العادي، غير أن القانون الأساسي الفلسطيني قد نهج في سبيل كفالة الحقوق نهجاً مغايراً للدساتير الأخرى، وأورد نصاً هاماً له طابع الجدية في حياتنا الدستورية ويشكل ضمانةً هامة ومميزة لحماية الحقوق والحريات العامة جميعا، ويتمثل هذا النص في المادة (32) منه التي نصت بأن "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر" .
يعد هذا النص جديداً في النظم الدستورية العربية، وهو يمثل ردة فعل ضد تحكم وظلم السلطات العامة في الدولة التي تعبث بالحقوق والحريات العامة للفرد، وقيمة هذا النص هو أن من اعتدى على حق من الحقوق أو الحريات لفرد من الأفراد يرتكب جريمة متميزة تختلف عن أية جريمة أخرى، فيجوز مقاضاة المعتدي جنائياً مهما طال العهد بعد عدوانه على الحقوق والحريات، فإقامة الدعوى ضده لا تتقادم بأية حال، وعلى ذلك يكون المشرع قد أحاط بالحريات الشخصية والإنسانية التي يتمتع بها الشخص إحاطة تجعله بمنأى عن التعدي عليه أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً أو تقييد حريته أو النيل من كرامته، وكل شخص وقع عليه اعتداء أن يستعمل الحق المقرر له في القانون في أي وقت أو أي فرصه تتاح له وبغض النظر عن المدة، مما رسخ مبدأ أن مثل هذه الجرائم التي تمس حرية الإنسان لا تسقط بالتقادم، لذلك على سبيل المثال، إذا تعرض الأفراد للتعذيب من قبل رجال السلطة فلا تسقط الدعوى الناشئة عن ذلك بالتقادم، وبالتالي تكون المسؤولية على الدولة ولا تقتصر على مرتكب التعذيب أو الجهة التي قامت بذلك، وهذا يدل على أن المشرع قدر أن التعذيب الذي ترتكبه السلطة ضد الأفراد هو عمل إجرامي؛ ذو طبيعة خطيرة أياً كانت الظروف التي يقع فيها أو السلطة الآمرة بارتكابه، وأن الدعاوى الناشئة عنه قد يتعذر الوصول إلى الحق فيها ما بقيت الظروف السياسية التي وقع في ظلها قائمة، ولما استثنى المشرع هذه الدعاوى من القواعد العامة فمنع سقوطها بالتقادم ولم يقصر المسئولية فيها على مرتكبي التعذيب والجهات التي يتبعونها بل جعل هذه المسئولية على عاتق الدولة بأسرها.
والجدير بالذكر أن هذا القول يتفق مع ما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب، حيث طالبت كل دولة بأن تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أيه إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أيه إقليم يخضع لاختصاصها القضائي، ولا يجوز التذرع بأيه ظروف استثنائية أياً كانت سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي، أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة كمبرر للتعذيب ولا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب، يذكر أن دولة فلسطين استلمت إخطارات من الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون وبصفته الجهة الوديعة للاتفاقيات ومواثيق الامم المتحدة، بقبول ايداع مجموعة من الاتفاقية التي وقعها الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين في الأول من ابريل 2014م، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب التي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من مايو 2014م.
لذلك فإن هذا النص جدير بالتقدير، فهو قد أتى بحكم على قدر كبير من الأهمية في شأن تأمين حقوق وحريات الأفراد وحمايتها من اعتداء السلطات الحاكمة، وضمانة رئيسية للتصدي لكل من يعتدي على حرية الغير، وبالتالي على صاحب كل سلطة مهما كانت مكانته أن لا تؤدى به نشوة السلطة إلى الاعتداء على حرية أي مواطن، لأنه عند زوال السلطة سيقف متجرداً منها؛ ليسأل في أي وقت عن أي جريمة يكون قد ارتكبها بالاعتداء على حرية الغير من الناحية الجنائية أو من الناحية المدنية.