حديث المقهي وتنوع الثقافات

بقلم: مازن صافي

في لقاء ضمني مع صديقين عزيزين ومدربين في التنمية البشرية وحاصل كل منهما على لقب مدرب محترف، تداولنا الحديث والنقاش في كثير من الموضوعات، وأول ما تناقشنا فيه أننا نجلس في مقهى، وكان ذلك لسنوات خلت عبارة عن "عيب"، وها هو المقهى يعج بالكثير ممن نعرفهم من فئات المجتمع المختلفة، وبالتالي أين ذهبت ثقافة العيب، وهل عوامل التغيير والبيئة والأفكار المختلفة والتطور التقني غيَّرت كثير من هذه المفاهيم، وأعجبني الحديث أنه في مدينة لاهاي هناك مقاهي عريقة تكرم أفضل سفير للسنة بناء على مساهماته الاجتماعية وتحفيزه لتوثيق علاقات البلد في مقاهي ثقافيه كما أنه يجتمع فيها السياسيين، فنحن الان نجلس لنتناقش في عدة أمور، هجرة الشباب إلى أوروبا ودول العالم، والأسباب والمخاطر وكثير من الفتاوي التي ظهرت بعد موت العشرات في عرض البحر، واختلفنا وقال لي أحد أصدقائي انه في السنوات السابقة عرضت عليه فكرة الهجرة عدة مرات، وكان كل مرة يعتبر مجرد التفكير فيها "كفر بالانتماء للوطن"، ويضيف ان تفكيره الان إختلف وفق اختلاف الظروف، فهو موظف ومستقر ماديا ولكن لديه ابناء في الجامعة وآخر في الثانوية العامة وآخرين، ولا مستقبل لهم، ويقول في حديثه : " الدنيا من حولنا تتغير ومنطقتنا العربية والاقليمية تقع فوق بركان متفجر من المشاكل، ونحن هنا بالكاد ننهي تدريس اولادنا في المدارس والجامعات، فكيف سنبني لهم بيوتا مستقلة، وحتى البيوت يتم قصفها او تخريبها أو الخروج قسرا منها، وكيف سوف نأخذ بأيدي أولادنا  الى استقرارهم الاسري، وبل هل هناك أي بوادر أمل في أن يجدوا وظائف، فكل شيء يتغير بشكل دراماتيكي ومقلق، لهذا بدأت أفكر "كما يقول" في أن السفر للعمل بالخارج لعدة سنوات لربما يمكنني ان أساعد الأولاد إن أظلمت عليهم أمورهم، ومع الاتفاق والاختلاف في النقاش انتهينا بالقول " موضوع الهجرة اصبح ثقافة تحتاج لوعي كبير صعب أن نوصلها بأسلوب جيد لكل بيت في ظل الفقر والحاجة والمتغيرات النفسية والاقتصادية".

وفتح صديقي الآخر موضوعا مغايرا بقوله، أنه قبل سنوات كان يعطي ساعة التدريب بـ سبعين دولارا وأما اليوم فأصبحت الساعة لا تزيد عن عشرة دولارات، وفي خارج قطاع غزة وحتى خارج الضفة الغربية، وفي قلب الدول العربية تجد للمدرب المحترف قيمته ويمكنه ان يفتح مؤسسة وبل يعمل على استيعاب عدد من الشباب للعمل معه وتوسيع حدود المؤسسة، بما يتناسب وحاجة السوق المحلي، وفي الحقيقة طال الحديث لأكثر من ثلاثة ساعات، حتى وصلنا الى مواد الاعمار وكيفية التفتيش عليها ومراقبتها وتوزيعها، إلى واقعنا النفسي في ظل عدوان مستمر لم يرحم أحد، وأيضا تداولنا وضع حركة فتح وواقعنا التنظيمي واللجنة القيادية وحكومة التوافق الوطني، والأقاليم والمؤتمر السابع وشعور الناس بأنهم لوحدهم وأيضا تحدثنا في مهزلة تدخل الأقاليم في توزيع الـ300 شيكل والصمت الذي ترافق مع الكشوفات التي خرجت للعلن وفيها الكثير من الأسماء التي لا تستحق ومنها سقطت أسماء تستحق و لم يصلها أحد ولم يبحث عنهم أحد وكأنها تحولت إلى " الأقربون أولى بالمساعدة"، وهذه أيضا كشفت لنا أن كل محافظ يتوجب ان يكون لديه فريق عمل محترف ومُدَرَّب ويعمل على إنجاح برنامج المحافظين ممثلين فخامة الرئيس، كلٌ في محافظته، لكي لا تجلب المنفعة مضرة، ولا مجال للنية هنا، فالناس المكلومة تتحول إلى حساسة ومتبصرة وأيضا ناقمة في حال تجاهلها أو لمست تقصير أو تمايز في توزيع المساعدات سواء بقصد أو بغير قصد .

وكما تحدثنا في موسم الشتاء وفي وضع الناس وخاصة في المناطق الحدودية والمدمرة وحاجة الناس الى إغاثة حقيقية وتحسين ظروف حياتهم ولو بصورة مؤقتة لكي لا نفجع في هذا الموسم بأمور تؤلمنا، وكان الحديث في نهايته عبارة عن وجع عميق، واكتشفنا أن كل هذه الأمور حاضرة لدى الناس، ولكننا في واقع الأمر نرفض مجرد التفكير فيها ونرفض ان نناقشها لأننا نخشى العواقب النفسية وواقعنا المؤلم وفي بعض الأحيان نهرب من الحقائق ونلوذ بالصمت الداخلي ونتماشى مع الأيام كيفما تأخذنا وكأننا مركب عائم في وسط عاصفة وتتقاذفنا أمواج أصيب بالمس فأصبحت هوجاء عاتية، قد تقلبنا وتحولنا الى طعام دسم للكائنات الحية في عمق البحر او تقذفنا جثثا متحللة في سواحل متباعدة.

إن مثل هذه النقاشات تفيد في تنمية الذات وتكوين الشخصية من أوسع الأبواب وتبادل الخبرات ووجهات النظر في أجواء تغلب عليها روح الأخوة والمحبة والسماحة وسعة الصدر، نختلف ونتفق للبناء وليس للهدم، والابتعاد عن التأطير السلبي أو الشخصنة المقيتة والمدمرة.