الفساد وخطورته على المجتمع ضمن خطه استراتجيه لمحاربة حاضنة الفساد وتطهير المجتمع من ظواهر الفساد

بقلم: علي ابوحبله

الفساد بمختلف انواعه يعتبر افه اجتماعيه وخطرا يتهدد المجتمع الفلسطيني ولا بد من محاربة كل انواع وظواهر الفساد لاجل تطهير المجتمع من ذيول الفساد الذي يشكل خطرا داهم يمس كل مظاهر الحياة ، ومن مراجعة الأدبيات الحديثة التي يتم تداولها عالميا حول تعريف الفساد ، فإن ثمة تعريفات عدة يمكن إيرادها، وهي وإن كانت تأتي بصيغ مختلفة فإنها تتفق في النهاية على اعتبار الفساد ظاهرة خطيرة تكمن في سوء استخدام الموقع العام لتحقيق مصالح شخصية.وعموما يعتبر الفساد ظاهرة كونية تنتشر في جميع بلدان العالم دون استثناء وإن كانت بنسب وتأثيرات متفاوتة وأشكال مختلفة، والتعريفات الأكثر شيوعا عن الفساد تفسره بأنه "الشطط في استعمال سلطة الموقع العام واستغلالها من اجل الحصول على امتيازات تخدم مصالح خاصة "، ويعتبر هذا التعريف مقبولا وتقليديا إلى حد بعيد باعتباره الأقرب إلى واقع الفساد والذي يتضمن قيام المسؤول في استغلال منصبه للمنفعة الخاصة سواء له مباشرة أو لإفراد عائلته أم لمقربيه، وتذهب بعض التعاريف شوطا أطول في إدانة الفساد معرفة اياه بانه "صورة لا أخلاقية وعمل غير قانوني يقوم به الشخص بقصد الحصول على منفعة شخصية " أما نشطاء حقوق الإنسان فيقدمون تعريفات ترتبط بمفاهيم ومبادىء حقوق الإنسان معتبرين الفساد بانه " خرق من نوع خاص لحقوق الإنسان يصل الى مرتبة النفي المطلق لفلسفة ومبدأ حقوق الإنسان الأساسي وهو المساواة " . أما لإغراض القانون، فتكاد تجمع تعاريف الفساد في الأقطار التي لديها قوانين لمنع الفساد على تعريف يتم الاستناد إليه في المحاكمات التي تعقد لهذا الغرض، وينص هذا التعريف على أن الفساد هو "إعطاء أو منح أو الموافقة عل منح فائدة لمسؤول أو وكيله وقبول أو الحصول أو الموافقة على الحصول على فائدة من مسؤول حكومي أو وكيله". ويعاب على هذا التعريف أنه لا يعرف غالبا "الفائدة" مما يترك المجال واسعا للاجتهاد أو حتى للتهرب من الإدانة، أما المجلس التشريعي الفلسطيني ولأغراض جهده الرقابي أثناء متابعته لقضايا الفساد، فقد استنبط تشريعا اعتمد عليه ينص على أن الفساد هو "الخروج عن التشريعات أو السياسات المقرة والقيم العامة بهدف تحقيق مكاسب خاصة لفرد أو لمجموعة خاصة ". ومن الجدير ذكره هنا، أن الموقع العام لا يقتصر فقط على أولئك الذين يشغلون المناصب العامة في السلطة التنفيذية، بل أن الموقع العام يشمل كل موقع أو منصب خارج نطاق الملكية الخاصة، ومعنى ذلك أن المؤسسات الأهلية أيضا تعتبر مراكز عامة طالما أنها تقوم بإدارة أموال غير خاصة. يظهر الفساد من ناحية التصنيف على نوعين
النوع الأول هو الفساد العادي (الصغير): ويتمثل هذا النوع بالرشاوى الصغيرة التي يتقاضاها الموظفون الصغار وبعض المسئولين الحكوميين من ذوي الرواتب المحدودة نتيجة القيام بتسهيلات غير مشروعة. أما النوع الثاني فهو الفساد الشامل (الكبير): والذي يتمثل بقيام بعض القادة السياسيين وكبار المسؤولين بتخصيص الأموال العامة للاستخدام الخاص وكذلك اختلاس الأموال وتلقي الرشاوى، وإبرام العقود والصفقات التي يكون رأسمالها من مقدرات الدولة مقابل تحويل أرصدة منافعها إلى جيوب هؤلاء المسئولين والقادة. إن التفرقة بين الفساد الصغير والفساد الكبير ليست تفرقة في الحجم، فالفساد الصغير يتعلق بإتمام إجراءات روتينية على وجه السرعة أو عدم إجرائها أصلا، مثل ما يقوم به بعض موظفي الهجرة والجمارك وغيرهم، بينما الفساد الشامل أو الكبير يتعلق بالتأثير على اتخاذ القرارات مثل قرارات إنشاء المشروعات الاقتصادية وترسيه العطاءات والمناقصات وعقد الصفقات الكبيرة وفي مختلف المجالات.كماكما يزداد الفساد الشامل عندما تنهار رقابة الحكومة المركزية، وأيضا عندما تنهار الدولة في مواجهة الأزمات وتحل محلها الجريمة ألمنظمة كما هو الحال بعد انهيار الاتحاد ألسوفيتي وأيضا يحدث الفساد الشامل عندما تنتقل الوظائف الفيدرالية إلى المحليات والبلديات.ومهما كان الأمر من ناحية إعطاء أهمية للفساد الصغير أو الكبير، فكلاً منهما وعلى حدة ممكن أن يؤدي إلى انهيار كلي في مرتكزات الدولة وأسسها ألبنيوية فقد يستشري الفساد الصغير إلى الدرجة التي لا يمكن السيطرة علية وقد يبقى كداء خفي وربما غير معروف لعدم وضوحه بشكل مباشر، إلا أن أثره فتاك من خلال التلاعب بالقواعد الشرعية والتي يجب انتهاجها والسير وفقها، أما الفساد الكبير فهو يقضي على المجتمع بأكمله لان جميع مقدرات المجتمع بيد من يتحكمون فيه من الذين امتهنوا الفساد لمصالح شخصية تؤدي إلى إفقار المجتمع وتعطيل قدراته وتعود به إلى التأخر والانحطاط. للبحث في مسببات الفساد
هناك العديد من الأسباب التي تدفع إلى ممارسة هذا السلوك، وهذه الأسباب قد تكون خفية وأخرى ظاهرة، فالخفية قد تعود إلى الشخص نفسه وتتعلق بطبيعته وتكوينه وصفاته الخلقية، والظاهرة قد تعود إلى الظروف المجتمعية التي تدفع بالبعض إلى ممارسة الفساد.فالفساد بات آفة سلوكية ترمي بظلالها على جميع المجتمعات دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة على اختلاف نظمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يظهر في كلا نصفي العالم الشمال والجنوب، وتتفاوت تلك المجتمعات في تحليل مفهوم الفساد وما هي أسباب ظهوره واستشرائه.فقد تكون من الأسباب الدافعة للفساد هي وجود خلل في شخصية الممارس لسلوك الفساد وقصور في صفاته الأخلاقية، كأن تكون صفة الطمع لديه متأصلة على الرغم من تمتعه بمستوى مادي قد لا يدفعه إلى ممارسة هذا السلوك، إلا أنه يقدم عليه، أي انه مصاب بحب الاستغلال وجمع الأموال والابتزاز بأية طريقة.
وقد يكون السبب هو انخفاض أجور الموظفين الحكوميين، إذ أن ذلك قد يغري بالفساد من أجل زيادة رواتبهم ، وتحسين أحوالهم المعاشية فيحاولون تعويض ذلك بتقبل الرشاوى وتسهيل بعض التعاملات غير المشروعة، وعلى الرغم من الحاجة إلى تلك الأموال إلا أن البعض رغم حاجته لا يتسم بسلوك المفسد، وذلك يعود لدوافع أخلاقية في ذات الشخص.وأيضا من أسباب الفساد العدد المتزايد من القرارات التي تتخذ في القطاع العام، واللامركزية الإدارية التي تزيد من مصادر اتخاذ القرار ، حيث أن عدم وضوح المركزية يؤدي إلى خلخلة التعامل مع ما يصدر من قرارات بشكلٍ صحيح، كما أن عدم تحديد الجهة الرئيسية في اتخاذ القرارات يؤدي إلى حالات فساد متعمدة لوجود تعدد في الجهات التي تصدر القرارات، إضافة إلى ذلك عدم وضوح النظام الضريبي وعدم كفاية شفافية القوانين والإجراءات الضريبية، وإعطاء صلاحيات كبيرة لمحصلي الضرائب مع غياب الرقابة، وكبر حجم بعض مشاريع القطاع العام وصرف مبالغ طائلة عليها والتي تغري بعض الموظفين الطامعين إلى جني أرباح طائلة، وأيضا عدم استقرار البيئة القانونية والتشريعية التي تحكم المؤسسات الحكومية، وعدم شفافية القوانين والتشريعات المرتبطة بالفساد، حيث تغيب هذه السمة لدى العديد من الدول وعلى الأخص في بلدان العالم الثالث؛ الأمر الذي يجعل من القوانين غير واضحة وقابلة للتفسير بصورة خاطئة، إضافة إلى عدم الإعلان المناسب عن أية تغييرات على هذه القوانين مما يفقدها فاعليتها وتصبح أداة فعالة لانتشار الفساد واستشرائه .
فتعثر نظام الدولة في ضبط الإجراءات القانونية التي تتعلق ببنية واقتصاد البلد، إضافة إلى ترك ثغرات كبيرة تشجع المستعدين لممارسة الفساد إلى الدخول فيها، من قبيل مثلاً قلة أجور الموظفين وعدم المركزية في القرار وغيرها من الثغرات الأخرى، جميعها تساعد على انتشار الفساد وغرس جذوره في المجتمع وممارسة دوره بإنهاك مؤسسات المجتمع المختلفة وتعطيل إمكانياتها.اضافة إلى هذه الأسباب يمكن إدراج سبب آخر وجوهري في تركز الفساد وحتى في انتشاره، وهو ما لعبته الثورة الثقافية من خلال وسائلها الإتصالاتية السريعة والمتعددة، حيث أن هذه الثورة قد فتحت عقول الكثير من الأفراد من مواطني الدول الفقيرة على مستويات ووضعيات معيشة عالية، ومن هنا تبدأ المقارنة بين أوضاعهم وأوضاع الآخرين ومحاولة الوصول إليها برغم ضعف الإمكانيات، والتي قد تؤدي بالتالي إلى حالات فساد متعددة لغرض الوصول إلى مستويات الرفاهية عند الآخرين. وهذه مسألة خطيرة إذ أن جل سلبيات الثورة المعرفية المعلوماتية تتمثل بأنها خلقت حالة من الانبهار بأوضاع الآخرين ومحاولة الوصول إلى مستويات معيشتهم، وحتى وان كان ذلك بالطرق غير ألمشروعة وعليه فممارسة البعض للفساد ربما يكون بدافع ما جاءت به هذه الثورة ألمعرفية وذلك كفيل بالاستخدام غير المناسب لآليات هذه الثورة وكيفية التعامل معها، فإن ما سبق لا يعني أن جميع من تأثر بثورة المعلومات ربما قد انحرف إلى جادة الفساد لردم الهوة بين واقعهم والواقع الآخر عبر هذه ألآليات فذلك رهن بمستوى التعامل المنطقي معها، إضافة إلى ضرورة امتلاك الفرد المتعامل مع ثورة المعلومات لخاصية التحكم بها دون أن تتحكم هي به وتدفعه إلى الانحراف في الفساد.لعل مؤثرات الفساد التي تنخر في جسم المجتمع عديدة وسنحددها حسب تأثيرها في جوانب المجتمع المختلفة.فمساوئ الفساد لا تقتصر على جانب معين وإنما تكاد تطال جميع جوانب المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية . فعلى الجانب الاجتماعي يكاد الفساد أن يشوه البنى الاجتماطبقية والنسيج ألاجتماعي لغرض أن تصعد النخب الأقلية ويجري دفع الأكثرية إلى القاع ألاجتماعي كما أن مواصلة إنتاج الفساد فهو انعكاس لسوء توزيع الثروة توزيعاً عادلاً وبقاء تطبيق القرارات أسير البيروقراطية وبقاؤها في إدراج المكاتب.إن اقتصاد الفساد يؤدي إلى توزيع الدخول بشكل غير متكافئ ومشروع، ويحدث تحولات سريعة ومفاجئة في التركيبة ألاجتماعية الأمر الذي يكرس التفاوت الاجتماعي واحتمالات زيادة التوتر وعدم الاستقرار السياسي. فتركز الموارد بأيدي ممارسي الفساد يؤدي إلى اختلال التوازن في المجتمع وصعود هذه الفئة مع انخفاض فئة الأكثرية الفقيرة إلى مستوى التدهور.إن الفساد يزيد من الإفقار وتراجع العدالة الاجتماعية نتيجة تركز الثروات والسلطات وسوء توزيع الدخول والقروض والخدمات في المجتمع وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع ، وما قد ينجم عن ذلك الإفقار من ملابسات كثيرة قد تؤدي بهذه الفئات المسحوقة إلى ارتكاب الرذائل وبالتالي تعطيل قوة فاعلة في المجتمع ممكن الاستفادة منها لو احسن التعامل معها.ولعل اخطر ما ينتج عن داء الفساد هو ذلك الخلل الذي يصيب أخلاقيات العمل والقيم الاجتماعية؛ الأمر الذي يؤدي إلى شيوع حالة ذهنية تسبغ على الفرد ما يبرر الفساد والقيام به ، حيث يغير الفساد من سلوك الفرد الذي يمارسه، ويجره للتعامل مع الآخرين بدافع المادية والمصلحة الذاتية، دون مراعاةٍ لقيم المجتمع والتي تتطلب منه النظر للمصلحة العامة، إضافة إلى الإخلال بكل قواعد العمل وقيمه.
وإضافة إلى تأثير الفساد بقيم العمل، فقد يؤدي إلى إلغاء أو أضعاف مفعول الحوافز الموضوعية العادلة، حيث انه بطبيعته الديناميكية القاتلة يثبط عزيمة المنتجين والعاملين الجادين، ويجعل اغلب الإدارات متثاقلة واقل فعالية في منح الحوافز، نتيجة تغلغل الفساد فيها والذي يلغي معه الجدية في العمل.ان إضرار الفساد بتوزيع الدخول وتهشيم النسيج الاجتماعي وخلق طبقة فقيرة جداً وطبقة غنية بالانتفاع من موارد ألفقراء بالتأكيد سيكون له دوره في زعزعة أسس بناءات المجتمع وتفكيكه.اما مؤثرات الفساد في الجانب ألاقتصادي فيمكن القول أن اكثر ما يغرسه الفساد من سموم هو في الجانب ألاقتصادي لان المحصلة النهائية للفساد هي الحصول على الأرباح ألمادية وما يمكن أن يلعبه الاقتصاد وبشكلٍ أساس من دورٍ فعال في حياة المجتمع واستقراره.
فالفساد يؤثر على أداء الاقتصاد الوطني ويضعف النمو ألاقتصادي حيث يؤثر في استقرار البيئة الاستثمارية ويؤدي إلى زيادة تكلفة المشاريع ويهدد نقل التكنولوجيا ويضعف الأثر الإيجابي لحوافز الاستثمار بالنسبة للمشاريع المحلية والأجنبية، وخاصةً عندما تطلب الرشاوى من أصحاب المشاريع لتسهيل قبول مشاريعهم، أو يطلب الموظفون المرتشون حصة من العائد الاستثماري
إن المبلغ الذي يدفعه رجل الأعمال كرشوة للموظف لغرض الحصول على تسهيل معين، مثلاً الحصول على أذن باستيراد سلع معينة من الخارج أو الحصول على مناقصة أو عطاء أو المتاجرة بأشياء ذات ضريبة عالية، لن يتحمل ذلك المبلغ رجل ألأعمال وإنما يتم نقل عبئه إلى طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد القومي ككل أو كليهما معا حيث يقوم رجل الأعمال برفع سعر السلعة التي استوردها من ألخارج أو رفع تكلفة المناقصة أو ألعطاء لغرض تعويض ما دفعه من رشوه والمستهلك الذي يشتري هذه السلع هو الذي يتحمل سعرها المرتفع دون غيره، أو قد تتحملها ميزانية الدولة إذا كانت الحكومة هي التي تشتري ألسلعة إضافة إلى ذلك قد يؤدي استيراد هذه السلعة إلى زيادة الطلب على العملة ألأجنبية الأمر الذي يضعف من قوة العملة المحلية وينقص قيمتها، وذلك له مؤثراته على الاقتصاد القومي. فكثيراً ما نلاحظ أن ارتفاع أثمان السلع في السوق، قد لا يعود إلى ارتفاع تكلفتها ألإنشائية وإنما يعود إلى ملابسات من هذا النوع والمتمثلة بدفع رشاوى لنقل واستيراد هذه السلع والتعويض عن ما دفع عنها برفع أثمانها على ألمستهلك الأمر الذي يؤدي إلى أحداث ضغط كبير على ميزانية ذوي الدخول ألمحدودة مما يزيد من العوز وعدم المقدرة على مواجهة أمور الحياة.كما أن الفساد يغير المعايير التي تحكم إبرام العقود، حيث أن التكلفة والجودة وموعد التسليم وغيرها من المعايير المشروعة هي التي تحكم إبرام العقود في الظروف ألاعتيادية ولكن في ظل الفساد يصبح المكسب الشخصي لكبار المسئولين عاملاً هاماً في إبرام ألعقود ويقلل من أهمية المعايير الأخرى كالتكلفة والجودة وموعد ألتسليم وهذا يؤدي إلى اختيار موردين أو مقاولين اقل كفاءة وشراء سلع أقل جودة. ويؤدي الفساد إلى إضعاف جودة البنى التحتية والخدمات ألعامة ويدفع بذوي النفوس الضعيفة إلى السعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى دون المشاركة في الأنشطة ألإنتاجية والحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات والإفضاء إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي ألضرائب وذلك بدوره يقلل من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع وفي الوقت ذاته قد يؤدي الفساد إلى تبديد الموارد القومية ويجعل مساهمتها في التنمية الاقتصادية للدولة هامشية، وتصبح القضية صعبة عندما توضع مقدرات الدولة الاقتصادية بيد مجموعة من المرتشين ، من الذين لا يعباؤن بالدولة والمجتمع ومصالحهما، فالمهم في القضية هو الإثراء الشخصي على حساب الآخرين حتى وان كان ذلك يهدد بنسف اقتصاد البلد بأكمله. ومن مؤثرات الفساد أيضا في الجانب الاقتصادي، إنه يؤدي إلى رصد أموال طائلة وتحديد الميزانيات لمشاريع أو شراء سلع غير ضرورية أو غير ذات فائدة أو أنها قليلة ألأهمية وذلك ما يلاحظ من خلال إعطاء تسهيلات وقروض لمشاريع بناء مدن ترفيهية وسياحية وملاهي وملاعب الجولف في دول نامية تعاني الفقر وأزمة إسكان أو شراء معدات عسكرية وإبرام الاتفاقيات العسكرية التي تفوق قدرة وحاجة البلد إليها ، وأيضا إنفاق الأموال على قضايا غير ذات أولوية في مجتمعات تعاني ألفقر مثلاً رصد المبالغ الكبيرة لإقامة المعسكرات الرياضية في الدول ألأوربية والتي تتطلب إيرادات كبيره في حين أن هناك مشاريع كثيرة في تلك الدول بحاجة إلى هذه الأموال والتي لو صرفت عليها لسدت الحاجة إليها بشكلٍ كبير وزاد عدد المنتفعين منها دون تبذيرها وهدرها في قضايا لا مبرر لها، إلا لاستفادةٍ خاصة من ورائها التي تذهب إلى جيوب القلة دون ألأكثرية إضافة إلى هدر الأموال الضخمة دون توظيفها لقطاعات مجتمع ما كالتعليم والصحة وغيرها، الذي قد يبقى فقيراً في دولٍ بحاجة إلى تطوير.وفي الجانب القانوني فللفساد مؤثرات بالغة ألأثر تبدأ من أن الفساد في أحد أوجهه هو مخالفة للقانون ومخالفة للقواعد الشرعية القانونية التي تسير عليها أنظمة المجتمع.فالفساد يؤدي إلى إفقاد القانون هببته لان المفسدين يملكون خاصية تعطيل ألقانون وقتل القرارات التنظيمية في ألمهد والمواطن عندما يتأكد له من أن القانون مهزوز في قراراته وفي سبات عميق، وان الجزاءات واللوائح لا تطبق ضد المخالفة والمخالفين لأنظمة وقواعد الدولة ؛ فالأمر يؤدي بذلك المواطن إلى فقدان ثقته بهيبة القانون في المجتمع وسلطانة وتصبح مخالفته للقانون هي الأصل والتعدي عليه مباح واحترام القانون هو الاستثناء وغير ذات أهمية. ومن ذلك نرى التجاوز الصريح على القانون وعدم احترامه، وكأن القوانين لا تمثل سطوة على الأفراد وغير فعاله فيلجأ الأفراد إلى الانحرافات والجريمة، ومنها ممارسة الفساد وعدم الاكتراث لسلطة القانون.ولما كان الفساد يضعف ثقة الأفراد في الحكومة ومؤسساتها وخاصةً عندما تكون للفساد مساحة واسعة في ألدولة فإن ذلك يمهد وبشكلٍ كبير لكل حالات الفوضى والانفلات ، والتعدي الواضح على حرمة القوانين.إن من الأمور الخطرة التي يمكن أن تحطم ألمجتمع هي تهشم الصلة بين الفرد والدولة، حيث من المعروف ان هناك علاقة تعاونية بين الفرد والدولة تتمثل بصيغة الحقوق والواجبات، فعندما يلاحظ الفرد استشراء الفساد في مؤسسات الدولة وحتى في أركانها، فقد لا يعير أهمية لما يصدر عنها من قرارات ولا ينظر لها نظرة احترام بل ويخالفها لعدم جدواها في محاربة ألفساد وربما تكون هي منغمسة فيه وممهدةً له، وتلك الوضعية ربما تشجع البعض على الانغماس في ممارسة الفساد ليقينٍ منهم بعدم جدوى القانون في معاقبة ألمخالفين واطمئنانهم بعدم وقوعهم تحت طائلة القانون لضعفه وتهاونه في هذه المسألة.
وتبرز مؤثرات الفساد في البيئة بشكلٍ واضح من خلال قيام المسئولين المفسدين في العديد من الدول النامية بتقاضي الرشاوى والعمولات مقابل تسهيلات يقدمونها للدول ألصناعية والقاضية بدفن النفايات الصناعية بكل ما تحمله من مواد سامة في أراضيهم، حيث توجد ضوابط أقل صرامة من ناحية شروط المعالجة والتعبئة والدفن وأقل تكلفة بالمقارنة مع الدول الصناعية نفسها، فتلجأ الدول الصناعية إلى اختيار المفسدين في الدول النامية لاستخدام أراضيهم لهذا الغرض . ان
من الملاحظ أن أكثر الدول النامية تعاني أمراضا كثيرة وفتاكة، منها ما هو ناجم عن إشعاعات ومواد سامة ساهمت بها إضافة إلى الحرب دفن هذه النفايات الصناعية بمؤثراتها المختلفة على بيئة البلد الذي تدفن فيه من ناحية الغازات السامة المنبعثة منها إلى الهواء وتسربها إلى ماء الشرب وغيرها من المؤثرات التي من الممكن إن تؤدي إلى كارثة بيئية في هذه البلدان.
إضافة إلى ذلك فإن أعمال الفساد في ثورة المعلومات تساهم أيضا في كوارث إنسانية وبيئية من خلال ما تقوم به من عدة اختراقات في نظم محطات نوويه والتي قد تؤدي إلى كوارث بيئية مدمرة. فالتقنية المعلوماتية الآن تتحكم بكل شيء وبمجرد كبسة أزرار معينة على هذه الآليات تتغير الكثير من الأمور ومنها القضايا التي تتعلق بالبيئة، كاستخدام المتفجرات بالتقنية الحديثة والسيطرة عن بعد، ونقل المواد السامة في رؤوس الصواريخ الحاملة لها وتفجيرها عن بعد، وجميع هذه بالتالي سيكون مردودها آثاراً سلبية للبيئة تلحق ضرراً في الاختلافات الولادية للإنسان واستفحال وتمركز الأمراض المعدية والفتاكة في البلدان المتضررة بيئياً وخاصةً تلك المبتلية بوجود مفسدين فيها يقومون بتسهيلات مقابل عمولات لاستغلال أراضيهم كمناطق طمر غير شرعية.وعلى الرغم من كل هذه المؤثرات إلا انه يمكن القول أن مؤثراً واحداً إذا انفرد بالمجتمع وبتاءاته ممكن أن يحطمه، فالمسألة باتت تتعلق بكل ما له صلة بالإنسان من ناحية ازدياد الإفقار المجتمعي وتركز الثروة بأيدي المفسدين واختلال في نظم المجتمع وفقدان الهيبة الحقيقية للدولة وبالحكومة إضافة إلى مؤثرات كثيرة يساهم الفساد وبشكلٍ فعال في استفحالها في المجتمعات المريضة به.إن قضية الفساد تحتاج إلى اكثر من جهدٍ واستراتيجيات عمل لتوضيح الخطوط الرئيسية التي من الممكن من خلالها السير في مكافحة الفساد، ورغم خطورة الفساد واستشرائه، مع صعوبة وضع خطوات محددة لمكافحته والتيقن بأنها ستقضي عليه، إلا أن المسألة لا تبدو مستحيلة، ولا يجب علينا إزاءه إلا وضع ما نجده فعالاً حقيقياً في مكافحته لو اتبع وبطريقة منطقية وعقلانية.
تبدأ جهود الدول في العادة لمكافحة الفساد، برفع الوعي بضرورة محاربة الفساد والقضاء عليه، ومن ثم إجراء تغييرات بجعل الحكومة اقل قابلية للفساد، ثم التصدي لمشكلة الأنظمة الفاسدة
وتقوم مكافحة الفساد على طريقتين، الأولى على أساس العقاب والثانية على أساس الوقاية، وهناك تكامل بين الطرفين، ودرجت الدول النامية على تطبيق العقاب دون التطرق لأصول وجذور
ولمكافحة الفساد يجب إتباع ما يلي:
1- معاقبة بعض كبار ألمخالفين إذ أن من الاستراتيجيات الناجحة هو (قلي قليل من السمك الكبير)، فعندما تكون هناك مشاركة كبيرة في أعمال الفساد مع الإفلات من العقاب يكون الحل الوحيد هو إدانة ومعاقبة عدد من كبار الشخصيات الفاسدة، ويبقى للحكومة أن تكشف وبسرعة عن بعض المتهربين من الضرائب ومانحي الرشاوى الكبيرة ومتعاطي الرشوة على المستوى الداخلي والخارجي في الحكومة، وعليه فربما تكون أول سمكة يتم قليها تكون من الحزب الحاكم في السلطة
2- اختيار الموظفين من ذوي الكفاءات المهنية والاختصاص
3- وضع نظام عصري وعادل لتقييم أداء الموظفين
4- إصلاح الحوافز: حيث تكون معدلات الأجور في القطاع العام منخفضة في العديد من الدول، إلى الحد الذي لا يستطيع معه الموظف من إعالة أسرته دون العوز، اضافة إلى أن القطاع العام يفتقر إلى مقياس النجاح، فما يتقاضاه الموظف لا علاقة له بما ينتجه
5- ضرورة تطبيق أسس العقلانية الإدارية والتي من شأنها أن تلغي المحسوبية والرشوة وما إلى ذلك.
6- تعزيز أجهزة مكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بالكفاءات العالية والأجهزة، وهذا يتطلب وجود إدارة ضريبية على درجة عالية من الكفاءة
7- التعريف بعقوبات التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بشكل واضح، باعتبار ذلك أحد وسائل الردع.
8- التركيز على الفساد الموجود في القطاع الخاص، حيث درجت العادة بالاعتقاد بأن الفساد خلق في رحم القطاع العام وخرج إلى النور من مشاكله، إلا أن الفساد في القطاع الخاص ليس اقل حجماً وأثراً، لذلك يجب مكافحته
9- إقامة لجان نزاهة من كفاءات معروفة لمراقبة سير العمل الوظيفي في مؤسسات الدولة، ويشمل ذلك حتى المسؤولين الكبار في الدولة.
10- إشراك المواطنين في تشخيص الأنظمة الفاسدة، حيث يتمثل ذلك بإقامة الحملات الناجحة ضد الفساد ومشاركة المواطنين فيها، حيث انهم خير دليل للكشف عن مواقع الفساد وحدوثه
11- يجب أن تتخذ الحكومات دوراً فعالاً في الحد من الفساد، وذلك من خلال إرساء دعائم الديمقراطية وزيادة مشاركة المواطنين في المساءلة العامة والرقابة لإجراءات وأعمال الحكومة، وذلك بدوره يؤدي إلى تلافي الفساد والوقاية منه
12- اعتماد الشفافية في تعامل الشعب مع الحكومة والمنظمات والأحزاب، ليكونوا على علم تام بما تقوم به هذه الجماعات، وذلك لغرض إتاحة الفرصة للجماهير لمساءلة كل من يسيء لها وتعويدهم على الأسلوب الحضاري في المحاسبة ؛ مما يؤدي إلى اجتثاث الفساد
13- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في المساهمة بالحد من الفساد وبأشكاله المختلفة.
14- تفعيل الجهاز الإعلامي لما له من اثر كبير في الكشف عن عمليات الفساد الصغيرة والكبيرة، ودوره في توجيه الجماهير نحو محاربة الفساد والتعريف بمؤثراته وما ينجم عنه من أضرار.
15- تعزيز الاتفاقيات الدولية التي من شأنها أن تكافح الفساد العالمي والجريمة المنظمة وتوفيق التشريع الوطني بما ينسجم معها
16- ضرورة قيام تحالفات دولية بين بعض الدول والدول المجاورة لها لمراقبة الفساد عبر الحدود الدولية وضبطه.
17- إقامة المؤتمرات وإعداد البحوث والدراسات بشكل مكثف لتسليط الضوء وبشكل واسع على الفساد وآثاره المختلفة، لغرض تطويقه ووضع الآليات المناسبة للحد منه.
إن الفساد بأوجهه المختلفة المحلية والعالمية هو آفة ما تلبث أن تفتك بالمجتمعات التي تنتشر فيها، وما ازدياد الأزمات والتقلبات في اقتصاديات الدول وازدياد الفقر والعوز، إلا وكان الفساد أحد أسبابها المباشرة، فالقضاء على الفساد الصغير غير مجدي مع بقاء الفساد الكبير، فالعملية تستوجب القضاء على كليهما، كما إن المسألة هي ليست المناداة بالقضاء على الفساد دون وضع الأسس العقلانية والممهدة فعلياً للقضاء عليه، فلا ننادي بضرورة القضاء على الفساد في الدولة دون وضع السبل الكفيلة في بادئ الأمر للوقاية منه، فبقاء الفساد وتوسعه معناه وقوع المجتمع في الفقر والتعرض للاضطرابات التي لا تنفك عنه إلا وتحيله حطاماً.المطلوب وضع خطه استراتجيه تقود الى محاربة كافة انواه واوجه الفساد ومحاربة كل حاضنات الفساد وبكافة اشكاله وانواعه ، ان محاربة الفساد والثورة عليه هي احد اهم الاسس للنجاح ولبناء مجتمع خالي من الفساد يقود لتنميه اجتماعيه مستدامه وبناء اقتصاد وطني يحقق العداله الاجتماعيه بين الجميع ويجب ان لا تاخذ الجهات المسؤوله رحمة في ملاحقة الفاسدين والمفسدين ضمن خطه وطنيه تقودنا لتطهير المجتمع من كل انواع الفساد