يشكل الإعلام في واقعنا المعاصر رافعة هامة ومرتكز أساسي لإبراز فكرة أو وإثارة قضية أو تسويق سلعة ، وقد شهد عالم الإعلام خلال العقود الثلاثة الأخيرة قفزة نوعية بفعل تطور الكنولوجيا بشكل متسارع ، كما أن شبكة الانترنت قد فرضت منطقا جديدا بفضل بروز أدوات جديدة أحدثت ثورة في عالم الاتصالات وسرعة هائلة في نشر المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وما اصطلح عليه بالإعلام البديل والذي أصبحت أدواته في متناول الجميع بحيث تحول كل مستخدم لهذه الأدوات إلي صحفي يستطيع أن ينقل أفكاره وما يحدث من حوله دون قيود أو محاذير .
وبالتأكيد فإنه بعد تسارع حركة الانفجار المعرفي في كافة الأبعاد الفنية والتقنية أصبح الإعلام البديل أحد المكونات الأساسية المُتحكِّمة في حركة الإنسان والمجتمع وبالتالي فإنه يؤثر على نتاجه الفكري والإبداعي بما يتميز به من قدرة فائقة في مخاطبة الحدث وتحليل مجريات الأحداث لذلك فإن أهمية الإعلام بوسائله المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية تكمن في مخاطبة المجتمعات الإنسانية والتأثير على سلوكياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية.
وفي ضوء الحالة التي عاشها الفلسطينيون في المراحل المختلفة من نضالهم الطويل ضد الإحتلال تحدّد مفهوم الإعلام الفلسطيني بأنه استثمار كافة وسائل الإعلام والاتصال تجاه خدمة القضية الفلسطينية ودعمها على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية بما يحقق توظيف الرأي العام العالمي نحو الضغط المتواصل والمنظم على القيادات الفاعلة وصناع القرار في مختلف أرجاء المعمورة لاتخاذ المواقف والقرارات التي من شأنها أن تجعل من القضية الفلسطينية محوراً دائماً لاهتمام المجتمع الدولي، وتوفير الدعم للشعب الفلسطيني، لتحقيق أهدافه الوطنية ونيل حقوقه المشروعة ، وهذا يقودنا إلى ضرورة التنبُّه من المخاطر التي تُحدق بقضايانا الوطنية ومنها قضية الأسرى الفلسطينيين وخطورة الهجمات الإعلامية الساعية لتكريس منطق الكيان الإسرائيلي في فرض رؤيته التي تصفهم بالإرهابيين وتعمل بكل ما أوتيت من قوة علي تشويه نضالهم المشروع ضد الإحتلال الغاصب .
وبعد استكشاف بسيط لأولويات الإعلام الفلسطيني بوسائله التقليدية يتضح وجود قصور في تناول وعرض قضايا الأسرى والمحررين ، إضافة إلى وجود تباين في معالجة وسائل الاعلام لهذه القضايا سواء كان في المساحة أو التوقيت الذي يتم فيه العرض، ونجد ان الاهتمام موسمي في حالات كثيرة حيث يرتبط بتطورات الحياة اليومية للأسرى داخل السجون أو مناسبة متعلقة بقضية الأسرى ، وبلا شك فإن شهر نيسان من كل عام يحظى بنصيب وافر في عملية التناول لقضية الاسري حيث يصادف السابع عشر من هذا الشهر يوم الأسير الفلسطيني والذي يتخلله العديد من الفعاليات التي تنتهي بانتهاء هذا اليوم ، إضافة الى يومي الاثنين والثلاثاء اللذان باتا يعرفا بيومي اعتصام ذوى الأسرى في غزة والضفة ، مع التأكيد هنا بأن هذه الفعاليات أصبحت في وسائلنا الاعلامية لا تتعدى خبر روتيني أو صورة مكررة وربما لا يشار إليها مطلقا في بعض هذه الوسائل .
وفي إطار الجهد الإعلامي المترافق مع تطورات قضية الأسرى يجب أن يكون هدفنا الأساسي هو الوصول إلى مستويات متابعة محلية وعالمية لأخبار الأسرى في كافة الظروف والابتعاد عن الموسمية في التعاطي مع قضيتهم العادلة ذلك من أجل تكثيف ومضاعفة حالة التضامن معهم والمشاركة بالضغط على المؤسسات الدولية للتدخل من أجل الإفراج عنهم .
وفي ظل تراجع الاعلام المكتوب وربما المرئي والمسموع أمام الإعلام الالكتروني بعد أن أصبح نافذة تطل علي العالم وتفرض الرواية بكافة مضامينها ، أصبحت الحاجة ملحة لتوسيع قاعدة الاهتمام في صفوف المهتمين والمتصفحين من خلال استخدام عناصر الإبراز الخاصة بالمواقع الالكترونية، واستخدام الروابط والإحالات، والوسائط المتعددة والتي أعتقد بأنها سيكون لها الأثر الكبير في تدويل قضية الأسرى ونقل صدى معاناتهم إلي أبعد الحدود .
الحملات الالكترونية تعتبر شكل جديد من أشكال التضامن والنصرة مع قضية الأسرى وبالتأكيد فإن إطلاقها لإيصال صوت الأسرى للعالم يساعد في تأسيس حراك دولي على الأرض من أجل دعم حقوقهم ومطالبهم المشروعة في الحرية والانعتاق من ظلمة السجون كما أنها تسهم في التصدي لمحاولات هيمنة الرواية الإسرائيلية في وسائل الإعلام حول العالم، وأعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي قد سمحت للفلسطينيين بإظهار الوجه الحقيقي للاحتلال وفضح جرائمه ، الأمر الذي حقق ولو جزئيا الحضور الاعلامي المطلوب دوليا لشرح الأبعاد السياسية والإنسانية لقضية الأسرى العادلة .
وهنا لابد من إبراز ما حققته مؤخرا حملة ماء وملح من انتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي محليا ودوليا ، ففي فلسطين نشرت ما يقرب من 16 ألف تغريدة على هاشتاغ الحملة في أول ساعتين على تداوله ، فيما وصل عدد التغريدات إلى 23 ألفا حتى ساعات الليل ، واحتل التغريد عن الأسرى الفلسطينيين المرتبة الثانية في قائمة المواضيع المتداولة في كثير من الدول العربية وتحديدا الأردن، ووصل إلى المرتبة الثالثة على مستوى مصر أيضا ، كما استطاع متابعو تويتر ملاحظة وصول الوسم إلى المرتبة الرابعة في قائمة المواضيع المتداولة عالميا عبر الأجهزة الخلوية ، كما قدر عدد المشاهدات للمواضيع المنشورة حول الأسرى الفلسطينيين بأكثر من 5 ملايين مشاهدة، فيما تفاعل مع الهاشتاع أكثر من 8 ملايين شخص حول العالم .
حملة ماء وملح وغيرها من الحملات المناصرة لقضية الأسرى هي جزء من منظومة النضال الوطني لانتزاع حقوق الأسرى الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة والتي يجب أن تتواصل وتتطور بواسطة الشباب الفلسطيني الذين هم عماد هذه الحملات نظرا لتماسهم المستمر وعلاقتهم الحميمة مع أدوات الإعلام البديل ، وهنا مطلوب من النشطاء والعاملين في مجال الأسرى أن يحثوا الشباب علي تخصيص جزء من اهتماماتهم وأوقاتهم التي يمضونها خلف شاشات أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية لتناول قضية الأسرى وتفاصيلها اليومية من أجل تعريف العالم بمعاناتهم المستمرة والعمل علي إمطار المؤسسات الحقوقية الدولية وصناع القرار في العالم بالرسائل الإلكترونية لمطالبتها بالتحرك وإشعارها بالحرج والتقصير تجاه قضيتهم وتحفيز عملهم نحو إنهاء معاناة الأسرى وانقاذ حياتهم .
كما أن هناك حاجة لتطوير أداء وكالات الإعلام صاحبة المواقع الإلكترونية وخاصة تلك المتميزة والتي نالت سمعة جيدة علي المستوى الإقليمى والدولي من خلال تخصيص زوايا واضحة في أعلي صفحاتها تتناسب مع حجم وأولوية قضية الأسرى بحيث تتناول بإسهاب أخبار الأسرى بالنبأ والتحليل وتغذية هذه الزوايا بقصص ووقائع القصة الخبرية والتقارير التي تركز على الجوانب الإنسانية لحياة الأسرى وشؤونهم المختلفة والارتكاز إلى التخطيط والتخصص وعدم إغفال اللغة الانجليزية في مخاطبة العالم ، لعل ذلك يسهم في خرق جدار الصمت الدولي المتجاهل كليا لعذابات الأسرى والخاضع لسطوة الدعاية الصهيونية الهادفة لتشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني وتبرير جرائم الاحتلال وانتهاكاته المرتكبة علي مدار اللحظة بحق أسرانا البواسل في سجون الإحتلال .