عندما كنت في جلسة هادئة بأحد مقاهي خانيونس سمعت بعض الشباب يتناولون حديثا مع بعضهم البعض بصوت عالٍ حول واقع الحياة في غزة، وهنا استوقفتني مقولة أحد الشباب وهو يصرخ في وجه أصحابه قائلا " نحن شعب كل شيء في حياتنا مؤقت"، والتفت أحدهم نحوي وشعرت أنه يريدني أن أعلق، بادرت بالحديث معهم وقلت لهم صحيح أن هذه الدنيا كلها وما فيها مؤقت والدنيا متاع غرور، ابتسم أحدهم مازحا لا نريد محاضرة دينية، ورد أحدهم هو احنا تمتعنا بالدنيا من الأصل حتى نشبع، مضت سنوات عمرنا ولم نتمتع بالدنيا، رد أحدهم لقد اصبحت الأشياء لا قيمة لها، لا نتنفس هواء نقي ولا طعام صحي وغابت لذه النوم والرجولة والشهامة، والله يا أخي كل شيء في حياتنا مؤقت، السكن مؤقت وفرحة الناس مؤقتة والحزن مؤقت والحب مؤقت والصداقة مؤقتة وشهامتنا مؤقتة وضميرنا ميت، ونحن لم نتحرر بعد، وسرعان ما انتقل الحديث عن واقع معاناة الناس بعد الحرب الأخيرة على غزة، وفجأة همس أحد الشباب بصوت منخفض هافت قائلا: هل تعلم يا أخي أن بيتي هدم بشكل كامل وأعيش مع عائلتي في الكرفانات بخزاعة وهي لا تفي احتياجاتنا، وبتعرف أنهم قالو لنا أنها ملاذ سريع ومؤقت للإيواء، أتوا لنا ببعض الأغطية والفرشات وغيرها وقالوا لنا هذا كله مؤقت الى حين ان نبني لكم بيتا جديدا لتسكنوا به، وعلق آخر لماذا نبتعد كثيرا، أليس الفلسطينيين اللاجئين في الشتات يقيمون في المخيمات بشكل مؤقت الى حين العودة الى ديارهم التي هجروا منها، ورد أحدهم قائلا: الناس التي هدمت بيوتها جزئيا سترت أنفسها بشكل مؤقت ولم تعمر وترمم ما دمر في منزلها لماذا؟ الناس وصلت لقناعة بأن كل شيء في حياتها مؤقت، حتى الهدوء الذي نعيشه اليوم هو مؤقت لأننا لا نعرف كيف تسير الأمور في حال اختراق هذا الهدوء والاحتلال يتربص بنا، وأيضا من الصعب على الإنسان أن ينسى أشياء عزيزة عليه قد فقدها وقلوباً أحبها فرقت الظروف بينهم، وكل الـوجـوه الـمـبـتـسـمـة التي نراها اليوم لا تـعـنـي اخـتـفـاء الأحـزان، بـل تـعـنـي أن أصـحـابـهـا قـادريـن عـلـى الـتـعـامـل مـعـهـا، والتالي فرحة الناس وأحزانهم مؤقته، والـكـثـيـر من الشباب وعامة الناس لا يـعـيـشـون أحـلامـهـم، لأنـهـم يـعـيـشـون مـخـاوفـهـم بـدلا منهــا، والحديث يطول ويطول في واقع ومعاناة الناس اليومية، فالناس تعيش حياتها بشكل مؤقت كلا حسب تفكيره واحتكامه لعقله، هنا كسرت القاعدة، وانا الذي وعدت نفسي بأن التزم الصمت عن كل ما يتعلق بمناقشات جانبية وأن لا أخوض في سجالات هنا وهناك، ولكن لساني قاوم نفسى لكي أناقش هذا الموضوع، لذا أتساءل لماذا وصل حال الناس بأن كل شيء في حياتهم مؤقتا؟! هل من مجيب يا عقلاء الشعب، ولأننا بشر خلقنا الله لنعيش في هذه الدنيا، نتمتع بحلالها، ونتجنب الحرام فيها، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، واذا كان هذا قدرنــا ولن نستطيع أن نغير شيء، ولا ننكر أن القدر له دور كبير في ما يحصل لنـا فلماذا لا نستطيع أن نغير ما نحن نستطيع القيام به ونحافظ على حياه الناس وأرواحهم ونشعرهم بالأمل ونترك حقيقة الأشياء لمن يمر بها، ويترك الخيار للناس فيما يعملون في مراحلهم الحياتية، والحمد والشكر لله الذي وهب للناس جميع هذه النعم والخيرات للتمتع بها وتميزهم للامور، فالناس بحاجة الى من يزرع بهم الأمل الذي فقدوه على مر السنوات، فليساهم الجميع في جعل حياه الناس وعيشتهم في وطنهم أبدية بدلا من التأقيت.