مستقبل العرب والتحديات القائمة

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

يواجه العرب اليوم خمسة تحديات متفجرة، ويصطدموا بها دولاً وشعوباً وأفراداً على السواء، لتشكل صورتهم وصورة دولهم، القاتمة والقائمة، وتحدد مستقبلهم ومستقبل دولهم وأجيالهم، وهذه التحديات الرئيسية الخمس نجملها فيما يلي:

أولاً: التحدي الفكري والعقلي:

رغم تحديث مظاهر الحياة لدى كثير من العرب إلا أن عقلية التخلف لا زالت تحكم حياتهم من الناحية الإنسانية والإجتماعية والسياسية، وبقي الفكر العربي يتصف باللامنهجية في التفكير واللاموضوعية في البحث العلمي الإجتماعي والإنساني وخصوصاً منه السياسي، وهذا ما أدى إلى عجز العقل السياسي الإجتماعي عن تحديد الأولويات والمشكلات الإنسانية العامة التي تواجه المجتمع والدولة، والإخفاق في حل إشكالياتها على مستوى الفرد والجماعة، وتلك الطامة الكبرى.

ثانياً: التحدي الصهيوني:

إن قيام كيان الإغتصاب الصهيوني في فلسطين مثل تحدٍ سافر للعرب عجز العرب عن مواجهته وإقتلاعه، وإزداد تحديه لهم علمياً وأمنياً وعسكرياً، وقد حقق تقدماً في مختلف مجالات الحياة، لم تستطع الدول العربية مجاراته، وبات تحدياً ثانوياً أمام تنامي التحديات الأخرى.

ثالثاً: تحدي الحفاظ على وحدة المجتمع والدولة:

لقد عجز العرب عن تحقيق حلمهم التاريخي بإقامة دولة العرب الواحدة، وإستعادة أمجادهم التاريخية بعد سقوط الدولة العثمانية وخضوعهم للحقبة الإستعمارية الأوروبية، والتي نتج عنها الدولة القطرية الوطنية التي بدأت تتداعى اليوم لتنقسم مثل الأميبا، فتنشطر إلى عدة أقسام، كنموذج الصومال والسودان وما يجري في اليمن وسوريا وليبيا والعراق ... بسبب إخفاق هذه الدول في صناعة الدولة الوطنية التي هي دولة مواطنيها، وتمزق هوية أفرادها ما بين الهوية الوطنية والقومية والجهوية والقبلية والدينية الطائفية، مما أدى أن تصبح الهوية الجهوية أو الدينية الطائفية أو القبلية هي السائدة والأكثر إستقراراً في ذهن الفرد من الهوية الوطنية الجامعة والموحدة للدولة والمجتمع.

رابعاً: تحدي إنبعاث الطائفية الدينية السياسية:

إن إنبعاث الطائفية الدينية السياسية والإنتماء إليها، بدلاً من الإنتماء إلى الوطن، مثل تحد كبير للمجتمع والدولة العربية، وحول الدين من موحد للشعب وللمجتمع إلى ممزق للهوية الوطنية، ومضعف للولاء الوطني، وممهد السبيل لإنفجار الدين وإنفجار المجتمع وتفكك الدولة، والدخول في متاهة الصراعات والحروب الأهلية الطائفية، والتي يجري الإحتراب على أساسها، كمقدمة لتقسيم المجتمع والدولة.

خامساً: تحدي التدخلات الخارجية:

إن التحديات المشار إليها سابقاً، أوجدت البنية الهشة للدولة والمجتمع العربي، ووضعت الدولة العربية لقمة سائغة أمام التدخلات الخارجية، وأفقدتها الحصانة اللازمة للحفاظ على وحدتها ووحدة مجتمعها، فتواجه الدول العربية اليوم تدخلات القوى الإقليمية المحيطة بها، والطامعة إلى مد نفوذها في هذا المحيط الرخو، فهنا يظهر جلياً تأثير الكيان الصهيوني الذي بات واضحاً في كثير من الدول العربية، بشكل ظاهر أو مستتر، يضاف إلى ذلك التدخل الخارجي الإيراني الذي بات صريحاً ومعلناً من جانب إيران في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والصومال .. وغيرها، وكذلك التدخل الخارجي التركي المستتر والناعم أحياناً والمعلن أحياناً أخرى، وأما التدخل الخارجي الأقوى هو للقوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو وكذلك روسيا وهذا لا يحتاج إلى برهان أو دليل فهو واضح وضوح الشمس.

لقد تحولت البلاد العربية في ظل هذه التحديات مجتمعة إلى مسرح تتصارع عليه الفيلة من القوى والدول ذات المصالح والنفوذ، وإن أخطر هذه التحديات يكمن في التحدي الفكري العقلي الكامن في غياب التفكير المنهجي والبحث الموضوعي الذي مهد الطريق وعبدها لكل التحديات الأخرى، من تفكك الدولة والدين والمجتمع، إلى إطمئنان الكيان الصهيوني لمستقبله، واستمرار تأدية وظيفته، إلى التدخلات الخارجية السافرة للدول الإقليمية وللقوى الدولية في الشأن العربي، التي أصبحت هي المتحكم في رسم صورته المستقبلية.