وعد بلفور جريمة..من لا يملك لمن لا يستحق

بقلم: أكرم عبيد

إن وعد بلفور سيء الذكر جريمة من لا يملك إلى من لا يستحق , لأنه حمل وما زال يحمل أطول وأعمق قضية سياسية في تاريخ البشرية , وأكثرها ظلما وعدوانا ووحشية , ما زالت أثارها السياسية والسلبية قائمة , بعدما حولت المنطقة العربية لساحة صراع مفتوحة منذ حوالي قرن من الزمن حتى يومنا هذا , بسبب ما افرزه هذا الوعد المشؤوم من زرع كيان سياسي غاصب في فلسطين حيث التقت بها المطامع الاستعمارية الامبريالية مع المصالح الصهيونية العالمية , والتي كان من ابرز نتائجها الإجرامية , تشريد معظم أبناء الشعب الفلسطيني من ارض وطنه , بشكل لم يشهده التاريخ المعاصر , بعد ارتكاب العصابات الصهيونية مجازر ومذابح جماعية لفرض الهجرة الجماعية بقوة الإرهاب .

وبعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي قسمت الوطن العربي بحدود مصطنعة تعمدت الحكومة البريطانية السيطرة على جزء مهم من البلاد في المنطقة وسعت في نفس الوقت إلى تلبية رغبة الحركة الصهيونية العالمية بإنشاء ما يسمى وطن قومي لليهود في فلسطين بموجب وعد بلفور الذي جاء بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية واليهود البريطانيين والحركة الصهيونية العالمية قبل أن يخرج بشكل خطاب موجه من آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية بتاريخ الثاني من تشرين الثاني عام 1917 إلى اللورد روتشيلد احد زعماء الحركة الصهيونية .

وشكل هذا الوعد المشئوم حضوراً مميزا في مؤتمر سان ريمو المنعقد عام 1920 , عندما فوض الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين , وكذلك كان حاضرا بقوة في عصبة الأمم المتحدة التي صادقت في تموز عام 1922 على تضمين مقدمة صك الانتداب على نص وعد بلفور , الذي منح سلطات الانتداب البريطاني , شرعية تنفيذ هذا الوعد الإجرامي , وبعد أسبوعين من إقرار الانتداب البريطاني على فلسطين وضعت الدستور الفلسطيني الذي تضمن نص وعد بلفور في مقدمته.

وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى تعمد زعماء الحركة الصهيونية العالمية وفي مقدمتهم " حاييم وايزمن " و  " ناحوم سوكولوف " استثمار الفرصة والعمل على توحيد مصالح الحركة الصهيونية بمصالح بريطانيا , وكثفوا الاتصالات مع كبار المسؤولين البريطانيين وفي مقدمتهم " لويد جورج " و " هربرت صموئيل " لفرض الانتداب البريطاني على فلسطين لحماية مصالحها في قناة السويس والطريق البحري إلى الهند أولاً وتنفيذ المشروع الصهيوني الموعود ثانياً ليبقى في خدمة المصالح الاستعمارية بعد فتح كل البوابات للهجرة الصهيونية إلى فلسطين .

لذلك فان السبب الرئيسي لإطلاق وعد بلفور هو تحقيق الهدف الاستعماري الامبريالي الذي دعا إليه رئيس وزراء بريطانيا عام 1939 , والذي عبر عنه بوقاحة ما بعدها وقاحة بقوله " يجب زرع كيان سياسي يهودي في فلسطين ليكون حاجزاً بين مصر والمشرق العربي , ويمنع قيام أي تواصل جغرافي , كي تبقى المنطقة بكاملها تدور في فلك التبعية الاقتصادية " .

وهذا اعتراف رسمي , وإشارة واضحة , تؤكد الهدف الاستعماري السياسي , لإنشاء الكيان الصهيوني المصطنع في فلسطين , تحت يافطة عنصرية يهودية دينية , وخاصة بعدما سيطرت الحركة الصهيونية العالمية , على الكنيسة المسيحية في الغرب , كما قال البروفسور مايكل براير , في مداخلة له ركز خلالها على " التأويلات الخاطئة للتعاليم المسيحية , التي جعلت التيار الصهيوني ينتشر انتشارا واسعا داخل الكنيسة المسيحية لتبرر أعمالاً عنصرية وجرائم حرب باسم الدين ضد الشعب الفلسطيني .

وأضاف د . براير , إن وعد بلفور , جاء ليكرس التأويل الصهيوني لبعض النصوص العنصرية الدينية , كما يرون , أن " الوعد الإلهي " المزعوم  لليهود , في الاستقرار في ارض فلسطين , يخولهم ذبح السكان الأصليين , والقضاء عليهم , بحجة أنهم غارقون في الجهل , والظلامية , كما يزعمون .

لهذا السبب فقد تنكر وعد بلفور المشؤوم , الذي جاء على شكل تصريح لتعهدات بريطانيا , للعرب بالاستقلال , وحق تقرير المصير , حسب الرسائل المتبادلة بين الشريف حسين ومكماهون عام 1915 , وقد حمل هذا التصريح البريطاني تناقضات أخرى في ثناياه وفي مقدمتها عدم مراعاة الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني , في حين تعمد الحرص على الأقلية اليهودية وحقوقها في فلسطين , بعدما تعمد تزور الحقائق والوقائع بعدما صور اليهود في فلسطين على أنهم الأغلبية والبقية جاليات كما يزعمون مع العلم أن كل الوثائق تثبت أن الشعب الفلسطيني بلغت نسبته 93% من تعداد السكان واليهود لم تتجاوز نسبتهم في فلسطين 8% من سكان البلاد الأصليين .

وفي كل الأحوال فان كل المعطيات والأبحاث التاريخية والرُقم والآثار القديمة والحديثة , أثبتت وتثبت بالدليل القاطع انه لا يوجد في التاريخ ما يسمى شعب يهودي عاش في فلسطين أو منطقة جغرافية محددة يُمكن أن نطلق عليها اسم دولة، لان للدولة شروط ومقومات وكذلك للشعب مقومات ومواصفات .

وبالرغم من كل محاولات التزوير والتزييف لحقائق التاريخ والجغرافية التي قام بها زعماء الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني , لم تثبت في أي لحظة ما , أن هناك شعبا يهوديا مزعوم , بل كان هناك بعض الجماعات اليهودية التي تعيش في هذا البلد أو ذاك عند مختلف الشعوب والأمم , وهي وان اعتنقت الديانة اليهودية , فهي بحكم التاريخ والجغرافيا , وليس خلافا لها جزء  من هذه الشعوب وبلدانها .

وفي هذا السياق , فإننا كفلسطينيين , لا نكتفي بتحميل بريطانيا مسؤولية هذه الجريمة , الأخلاقية أولاً , والإنسانية ثانياً , كما تتحملها بنفس المقياس الأمم المتحدة , التي شرعت اغتصاب فلسطين , من خلال الاحتلال البريطاني , لترجمة الوعد المشؤوم , إلى واقع على حساب شعبنا الفلسطيني الذي قاوم الاحتلال المركب منذ إعلان جريمة وعد بلفور حتى اليوم , عبر الانتفاضات والهبات الشعبية والثورات المتعاقبة , في مقاومة العدو الصهيوني المحتل , وكل مخططاته ومشاريعه الإجرامية الاستيطانية العدوانية التوسعية , في فلسطين بشكل عام , وفي القدس بشكل خاص , التي تتعرض اليوم لهجمة شرسة من قبل قطعان المستوطنين الصهاينة بحماية جيش الاحتلال , لاستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية , وفي مقدمتها المسجد الأقصى  لتقسيمه , كما حصل في الحرم الإبراهيمي , لاختبار ردود الفعل الشعبية , والرسمية الفلسطينية  والعربية , والإسلامية , للانتقال لخطوة أخرى , أكثر خطورة , تتمثل في هدم الأقصى , وبناء ما يسمى الهيكل اليهودي الثالث , المزعوم كمقدمة لإعلان ما يسمى يهودية الدولة , وارتكاب جريمة حرب جديدة بحق ما تبقى من أبناء شعبنا الفلسطيني من القابضين على الأرض ,  كالقابض على الجمر , في المثلث والجليل والنقب والساحل الفلسطيني , وخاصة بعد التهام حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة , لتحقيق هذا الهدف , بعد إعلان الحرب على القدس , والأقصى , بعد هزيمة جيش الاحتلال في الحرب على غزة  تحت ضربات المقاومة , التي أسقطت الأهداف السياسية والعسكرية للعدوان , وفرضت شروط المقاومة بالقوة , كمقدمة لإعادة ترتيب أوراق المقاومة , في الضفة الغربية , لحشد كل الطاقات والإمكانيات , لمواجهة العدوان على شعبنا ومقدساتنا , لإسقاط الأهداف والمخططات الصهيونية القديمة الجديدة , لدحر الاحتلال وتحقيق كامل أهداف شعبنا , الذي يتحرك اليوم , في القدس , ونابلس , والخليل , ورام لله , وبيت لحم , وغيرها من مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية المحتلة , في مواجهاتها الدامية مع قوات الاحتلال والتي قد تتحول إلى انتفاضة شعبية ثالثة , في الضفة وما بعد الضفة , إذا ما أحسنت الفصائل الفلسطينية المقاومة  إدارة الصراع مع العدو الصهيوني , بكل الأشكال والوسائل الكفاحية , وفي مقدمتها الكفاح الشعبي المسلح , بدعم ومساندة كل شرفاء الأمة , بقيادة محور المقاومة والصمود , وأحرار العالم , لتحقيق كامل أهداف شعبنا , وامتنا .