دون الدخول في التصورات العامة، او سرد الأحداث الحالية، ودون إعادة و تفصيل واقع الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي "أوسلو"، فإن السياسة الإسرائيلية الحالية وما يرافقها من تصعيد وتفجير عسكري وإعلامي، ويطال المقدسات والأقصى خاصة، يعني أن هناك افتراق وشيك وجذري، وتراجع لكل معطيات وأسس عملية السلام، وتدمير المنطلقات التي قامت عليها العملية السلمية منذ مدريد، وعدم القدرة على إعادة مؤشر المفاوضات، وهذا كله يحدث في الوقت الذي تمر على القضية الفلسطينية الذكرى السابعة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم، ونتذكر عمليات الاستيطان والاستعمار للأرض الفلسطينية، وتهجير السكان الفلسطينيين الأصليين، حيث تكالب عليها الصهاينة على الأرض الفلسطينية، من كل حدب وصوب، سواء من ناحية .
لقد تدخل المجتمع الدولي لمعالجة ذلك، وإنهاء هذا الصراع المديد والدامي، وانطلقت الرؤية الفلسطينية منذ تسعينيات القرن الماضي، من مبدأ الالتزام بإمكانية إحلال السلام، وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وكانت المطالبة الدائمة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة والتي أقرها المجتمع الدولي وهي 242،338، 194، وبما يشمل انسحاب (إسرائيل) من كافة الأراضي التي إحتلتها عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس، ولقد حظيت الأماكن الدينية والمقدسة باهتمام بالغ، ولذا وافق الفلسطينيون على الحل السلمي على أساس انسحاب (إسرائيل) من القدس الشرقية بالكامل، ومن أجل ذلك كانت "المساومة التاريخية" والتي مرت بمنعطفات وخلافات فلسطينية خطرة جدا، كنتيجة منطقية لتعقيدات الصراع وتجذر ثقافته والبعد الديني في هذا الشأن .
اليوم، يوجد غليان حد الانفجار في القدس، مما يؤجج البعد الديني وينسف كل المنطلقات السياسية، فلا يمكن أن يقبل أي عربي ومسلم إغلاق المسجد الأقصى المبارك أمام المصلين المسلمين، وبل وتحويله إلى ثكنة عسكرية، وكتبت في مقال سابق أن إغلاق الأقصى أمام المصلين مؤامرة جديدة لتقسيمه زمنياً ومكانياً، ولهذا تبعات وتداعيات سياسية ودينية وتاريخية وقانونية، ولأن الشعب الفلسطيني وقيادته تعرف هذه التبعات والتداعيات، فقد وصفت ما يحدث بإنه "إعلان حرب"، وكما ورد على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن القدس والمقدسات خط أحمر لن نقبل المساس بها، والتصعيد الإسرائيلي إعلان حرب.
إن الوصول إلى لحظة الانفجار وتحويل الصراع إلى ديني، ليس ببعيد في ظل اضطهاد الاحتلال للمقدسيين ومنع الصلاة وتدنيس الأقصى والاقتحامات المستمرة، والغطاء العسكري للمستوطنين، وكل ذلك كفيل بأن يوصلنا إلى حالة غير مسبوقة، ولا تشبه أي من الانتفاضات الأخرى، وسوف يصل تأثيرها الى الدول المجاورة، وهنا علينا أن نعيد بوصلة الذاكرة إلى ما قام به "شارون" من اقتحام وتدنيس لباحة المسجد الأقصى وما تسبب جرَّاء ذلك من اندلاع لانتفاضة الأقصى التي واجه بها الأطفال الفلسطينيون الرصاص وتكسير العظام على مرأى من الملأ ، وتحولت الى عسكرية وغيرت مفهوم العمل السياسي والعسكري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وها هو وزير الاستيطان الصهيوني يهدد المملكة الأردنية الهاشمية مذكراً إياها بحرب الأيام الستة ، وهذا التهديد السافر هو نتاج سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي دمرت قطاع غزة واليوم تدمر الحياة والمقدسات في مدينة القدس، وتجلب الدمار لكل المنطقة، واستدعى ذلك أن تم استدعاء السفير الأردني في تل أبيب للتشاور، احتجاجا على التصعيد الإسرائيلي المتزايد وغير المسبوق للحرم القدسي الشريف، والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقدس، وبصدد تقديم الأردن شكوى فورية الى مجلس الأمن الدولي، إزاء ذلك الأمر والتطور الخطير، ويتزامن هذا بوضع القيادة الفلسطينية خطة سياسية من ثلاثة محاور،أولها التوجه الى مجلس الأمن للحصول على قرار لإنهاء الاحتلال وفي حال عدم نجاحه،فان القيادة الفلسطينية ستتوجه إلى الانضمام الى المنظمات الدولية ومن بينها محكمة الجنايات الدولية، وبينما يتمثل المحور الثالث بالتوجه الى قطع العلاقات مع إسرائيل ومنها التنسيق الأمني.
إن تعرض المسجد الأقصى المبارك لخطر التهويد الكامل والتدنيس اليومي من قبل قطعان المستوطنين وبحماية جنود الاحتلال، و تسريع وتكثيف عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة، يؤكد أن نتنياهو يعتمد على المتغيرات في المنطقة وما حديث في داخل بعض الدول العربية، وما هو حاصل بالفعل من تفكك وقتل وحتى حروب داخلية، ولكنها القدس ولكنها فلسطين، وثمة حاجة ماسة أيضا للتدخل الدولي والاعتراف بدولة فلسطين الدولة الـ194 في العالم وعاصمتها القدس، وإعادة الاعتبار للاتفاقيات الدولية، وإلزام ( إسرائيل) بإنهاء احتلالها بالكامل للأراضي الفلسطينية، فالتهويد الصهيوني للقدس، والاستيطان المتسارع والسياسات الإسرائيلية العنجهية، لن يحقق سلاماً أو يهدي صراعاً، بل سوف يشعل فتيل الانفجار القادم .
ملاحظة: علينا قراءة واستثمار الموقف الأوروبي المتقدم والمختلف عما كان عليه قبل عشرة سنوات، فالسويد اليوم تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة.