قراءة في الإصدار الإعلامي لــ داعش عزم الأباة

بقلم: إبراهيم المدهون

أصدر بالأمس تنظيم الدولة الإسلامية داعش فيلما توضيحيا جديدا باسم عزم الأباة. وكعادة إصداراتهم خرج احترافيا ودعائيا من الطراز الأول، وفيه استعراض للقدرات المنتاجية والتعامل مع الصوت والصورة والحالة النفسية للمشاهد يبهر العيون ويحرك العاطفة والوجدان، وفي الوقت نفسه غاب عنه السيناريو القوي المقنع المتسلسل والمعلومات الدقيقة عن مسرح الاحداث.

الاصدار ركز على معارك التنظيم في "عين العرب" كوباني، واللافت أنه غير إسمها لـ "عين الإسلام" مما ذكرني بالمحاولات الفاشلة في غزة  لتغيير اسم حي تل الهوا لتل الاسلام. فأسماء المدن والأحياء والشوارع لا تتغير بمزاج أحد بل فيها رسوخ تاريخي وثقافي لا يمسح بمزاج هذا أو ذاك. وأنصح ألا يقترب أحد من الأسماء القديمة لانها ستفرض سطوتها وعبقها، كما أنني لا اجد عيبا باسم عين العرب إلا المشاكسة غير المنطقية.

يبدأ الفيلم بالتركيز على تغطية معارك عين العرب كوباني بلسان عشرات الفضائيات العربية والأجنبية، وآلية تغطيتهم واهتمامهم للحدث في هذه المنطقة وعرضهم بطريقة ذكية ليدلل على أهمية ومركزية المعركة عالمياً، وأشار ذلك لامتلاك الدولة لجهاز متابعة متمكن ودقيق ومتبحر ودارس، وأوضحت طريقة  العرض وحرفيتها عمق الفقه الإعلامي للدولة واليات التأثير على المشاهدين.

استعرض الفيلم أيضا قدرات التنظيم في كوباني من الاقتحامات المباشرة والقذف عن بعد بال RPG واستخدام الدبابات وطريقة قذفها ونيرانها الشديدة،  وأظهر مهارة في استخدام الدبابة وقيادتها، كما أوضح الفيلم عملية لإسقاط طائرة عراقية سماها صفوية عبر مضاد يحمل بالكتف، كما ركز على وسيلته الأهم في الهجوم والاقتحام وهي العمليات الاستشهادية.

 ويتوفر الاستشهاديون بكثرة لدى تنظيم الدولة الإسلامية،  وقال المعلق أنهم يتسابقون على هذه العمليات، وجاء مجموعة منهم وهم يبتسمون قبل الذهاب بشاحناتهم العملاقة المحملة بالديناميت والمفخخة بشكل محكم وقوي، وتحدث انفجاراتها ترويع وخوف وتدمير لمساحات واسعة، ويعتبر هذا السلاح الأقوى لدى الدولة، ومن صور الاستشهاديين يظهر سحناتهم العربية والخليجية بشعرهم الاسود وطريقة نظراتهم، في حين ان المقاتلين الاخرين تجد بينهم اوروبيين شقر، وجميع المقاتلين الذين خرجوا في مشاهد  كانوا رجالا وسيمين ترتاح العين لمرآهم، ومهندمين بأناقة وترتيب.

خلى الفيلم الذي مدته 20 دقيقة تقريبا من أي مشهد للسكان الاكراد ومعاملتهم بالسلب أو الإيجاب،  كما أنه أظهر البنايات مقفرة ومدمرة، وصور بعض القتلى من المقاومين الاكراد دون ان يشهد حالات اعدام ميداني كسابق الاصدارات، وتقصد مخرج الإصدار ألا يظهر أي من قتلى وجرحى التنظيم ليبقي على هيبة الدولة في نفوس المتابعين على ما أعتقد.

لم تنسى الدولة في إصدارها لمز الأحزاب الكردية  والتشكيك  بدينها وعقيدتها، فقدمت معلومات عن انتشار الشيوعية والإلحاد وتبنيهم للأفكار الشركية، وتشويه أخلاقهم بإظهار مزارع البانجو والحشيش ومخازن الدخان وبعض زجاجات الخمر، والذي تم إحراقها وسكبها وإتلافها بطريقة استعراضية محببة للباحثين عن تحكيم الشريعة بالمفهوم التقليدي.

اختتم الفيلم والذي حجبه اليوتيوب بعد ساعات قليلة من بثه بجزء من كلمة للناطق باسم الدولة الإسلامية وفيها إشارة واضحة لعقلية التنظيم المتطرفة، وإقراره بفكرة سبي النساء، حينما هدد العدناني أوروبا بدخول روما وسبي النساء الأجنبيات، مما سيعزز جميع الإشاعات التي تتحدث عن ارتكاب تنظيم الدولة جريمة سبي النساء.

بقلم: إبراهيم المدهون