ياسر عرفات ( أبو عمار ) الخالد في الزمان والمكان ...

بقلم: طلعت الصفدي

ياسر عرفات ( أبو عمار ) الخالد في الزمان والمكان ... استعيد الذكرى السنوية الثالثة ،لرحيل القائد الشهيد ابو عمار في غزة ،فيلم واقعي حي نابض بالحياة والخلود بلا رتوش او تزوير ،فجموع الجماهير تتسابق لتأخذ مكانها في ساحة المهرجان ( ميدان التحرير ) ،اسراب البشر تسرع الخطى وتقفز عن عار العهر العربي والظلم الاجتماعي . يسابقون غدر الزمن .. يتسلقون رياح العاصفة والغضب .. تحددت البوصلة والمشوار للجماهير الشعبية ،فبوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة ... ولا تشير الى الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس مشبوهة ... وكل محاولات الالتفاف على شرعية الشعب وقائدة نضاله منظمة التحرير الفلسطينية مشبوهة ...والمساومة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم هي ايضا مشبوهة ،وراية التحدي والإصرار هي شعار القادة الشجعان الذين لا تهتز ولا ترتجف شعرة من أجسادهم ،فتصريح ابو عمار تحول الى انجيل للثوار يريدونني " اسيرا أو طريدا أو قتيلا ،وأنا اقول بل شهيدا .. شهيدا .. شهيدا .. " امنيتك يا ابو عمار قد تحققت غصبا عن كل المحتلين وكل المتواطئين عربا وإسلاميين ،وفي مقدمتهم الغرب الاستعماري وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية زعيمة عصابات الارهاب العالمي .. .. طائر الفنيق يعود من السفر على عجل .. يحلق في سماء الوطن في غزة

عشر سنوات مضت يا ابا عمار ،كانت حبلى بالمتغيرات في المنطقة ،عربيا وإقليميا ودوليا ،مليئة بالألغام ،والصراعات الداخلية ،ومحاولات تقسيم الوطن ،واستمرار عقلية العدوان الاسرائيلي الارهابي على ارضنا وشعبنا الفلسطيني في كل مواقع تواجده لإنهاء وجوده على ارضه ،وتحول المجتمع الاسرائيلي ،وحكوماته المتعاقبة الى حكومات التطرف اليميني ،حكومة المستوطنين ،والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ،وفي العديد من الاقطار العربية ارتفعت حدة الصراع والتنافس على السلطة والحكم بما فيها الطائفية والمذهبية ،بعد ثورات الربيع العربي التي هزت العروش ،وأسقطت بعض حكومات الفساد والتبعية والفكر الظلامي ،حتى انجر بعضها لإشعال حروب حسب الطلب الامبريالي ،ونيابة عنه . وجراء ذلك شهدت القضية الفلسطينية تراجعا خطيرا في الدعم العربي والإسلامي سياسيا ومعنويا وماديا ،وتركها تنزع شوكها بيدها من الاحتلال الاسرائيلي ،وإجبارها على الخضوع لرحمة المفاوضات . لقد حملت يا ابا عمار هموم القضية الفلسطينية ،ووهبت لها روحك وجسدك وكل أحاسيسك التي لم تغفو للحظة عن هموم الارض والإنسان الفلسطيني ،وأنت لا زلت في رحلة السفر .. يبحثون عنك .. وتبحث عنهم .. رغم ضريحك المسجى فى مقاطعة الوطن ،مرفوع الهامة منتصبا ..طيور الرعد في غزة تزحف ،تمشي ،تركب ،تتأهب لاستقبال العائد من الوطن إلى الوطن .. فعرس الشهادة وفاء للقائد ،ولكل شهداء الوطن . عشر سنوات مضت ولا زالت الذكرى السنوية الثالثة لرحيلك محفورة في الذاكرة ،وصبايا الوطن يوقظن الصباح ،ويسرعن الخطى نحو شمس الحرية والاستقلال والعودة ،وشبيبة الوطن تتحرك كعناقيد الغضب والحب والوفاء ،متراصة ،متشابكة الأيادي ،مرفوعة الرأس ،شامخة كالشمس ،كالنجوم ،المئات والآلاف من الشيب والعجائز مع صلاة الصبح زاحفين خوفا من تعطيل السفر ،على الأقدام ،الدراجات ،الشاحنات ،وعربات الكارو تنقل البشر ،والعيون الاسرائيلية ،والغربان تقدح سما وغيظا . من أين امتلكت هذا الرصيد يا ابا عمار ،من الأغوار والجبال والسهول والوديان والأزقة ومن فوق التل وتحت التل ،حمتك وحميتها ،القدس التي حملتها على كتفيك يا جمل المحامل ،والبسطاء من شعب الجبارين عمالا

،فلاحين وكادحين ،مثقفين وفقراء هم رصيد الثورة ،تجسدت انسانيتك بقبلة على جبين عجوز طاعنة في السن توشوشها عن حلم الدولة ،وحلم راية الوطن ( بيض صنائعنا..سود وقائعنا..خضر مرابعنا .. حمر مواضينا وهي ترفرف على مساجد القدس وكنائسها ،كم شهيد سقط من أجلك يا علم فلسطين .. افتقدناك في شوارعنا بسبب رايات الجهوية والخاصة ،ونسي البعض أن حسابات الوطن أكبر من الحسابات الخاصة !!! وفي الذكرى الثالثة لرحيلك عشرات الآلاف ،مع شعاع الشمس الأول مع زخات المطر...مع رياح غزة ،إلى أين انتم تتوجهون ؟؟ أين قبلتكم .. ؟ عشرات عشرات الآلاف من الصبايا تسحب أطفالهن بنين وبنات لا فرق في هذا اليوم يمسكون بجلابيب امهاتهن بقوة .. تحملن الأعلام الفلسطينية ،فراية الوطن هي العالية دائما ،والرايات واليافطات ،وصور الشهادة بالكوفية التي تحولت الى تراث نعتز بها وتميزنا عن بني البشر ،الإصرار... وزغاريد العودة ... مئات الآلاف ... ما هذا هل قامت القيامة .؟؟ لا يتسع المكان للبشر .. وسعوا المكان .. متواليات عددية ،ومتواليات هندسية .. شيوخ ،شباب ،عجائز ،معاقون على عجلات الشرف المبتورة سيقانهم ،والمقطوعة أياديهم من غدر الزمن وإرهاب المحتل .. وأطفال ،يزحفون إلى الوطن ،قبل أن يعرفهم الوطن ،من رياض الأطفال ،وأشبال المدارس ،ينهمر الطوفان ،بعمر الزهور يمسكن بالراية ،وبالعلم ،وبالصورة ... انه الأمل ،الحب ،الوفاء ،الانتماء للوطن ،لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائدها . بركان ثائر . انتفاضة شعبية .. حسم شعبي .. ومن عاش في أرض الزلازل لا يهاب الزلازل .. إنهم يحجبون الشمس .. طوفان ،براكين تنتفض من تحت ركام الانقلاب ،والظلم والقهر ..,صبية لا ينصاعون لتخوف أولياء أمورهم ،يصرون على تأدية واجب الوفاء ،وانتزاع الحياة من براثن الاحتلال والإرهاب والقهر ،رغم إدراكهم أن العرس الوطني ربما يجري تعطيله وإعاقة اصحابه عن التعبير عن الحب للقائد والوفاء له متسلحين بالتحدي والإصرار على المشاركة ...!!! الجامعات لها رصيد من الحب للقائد ،الفتيات والشبان ،ترفرف الأعلام مع قبضاتهم .. وكل منهم يحمل في يديه صورة القائد الرمز ابو عمار الخالد في الذاكرة ،وعلم فلسطين ،وترفرف الأعلام الحمراء ،والأعلام الصفراء ،ولكنها بالأكيد ليست كأوراق الخريف .. الزاحفون إلى الوطن . إلى ساحة التجمع في الكتيبة ( ميدان التحرير ) .. هذا الموقع الذي كان يتدرب فيه جيش التحرير الفلسطيني منذ عام 1964 .. انه لا زال يحمل هذا الاسم .. يحاول البعض أن يمحوه من ذاكرة الوطن،برغم الزاحفين اليه لتأكيد الشرعية الفلسطينية ..كما حطموا النصب التذكاري للجندي المجهول في ساحته ،وهو يشير بسلاحه نحو فلسطين .

وفي الذكرى العاشرة لرحيلك يا ابا عمار ،تغير المشهد ،وتراكمت المأساة في كل الاراضي الفلسطينية المحتلة من شمالها الى جنوبها ،وفي غياب الاستراتيجية السياسية والكفاحية ،والوحدة الوطنية والشراكة السياسية ،تغلق كل ابواب النجاح ،ويسود الضباب والقلق الكل الفلسطيني ،خصوصا قطاع غزة الذي تعرض للعدوان ،والانقسام العار الذي لا يهدد القضية الوطنية فقط ،بل الوجود الفلسطيني على أرضه . ان قطاع غزة منبع الثورة والانتفاضات الشعبية ،وأبو الحركة الوطنية من الشيوعيين الى الاسلاميين الى القوميين والبعثيين والفتحاويين والمستقلين ،يتعرض اليوم لهجمة شرسة وعدوان اسرائيلي متواصل ،وحروب لا يصدقها عقل ،ففي اقل من 5 سنوات تعرض لثلاثة حروب ارهابية ،ومجازر وحشية ،استحقت الادانة من المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية القانونية والإنسانية ،وبضرورة محاكمة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين كمجرمي حرب ضد الانسانية ،عندما شرعوا بدك قطاع غزة بالقذائف الصاروخية جوا وبحرا وبرا ،ونشروا الموت والرعب

والدمار ،لأكثر من خمسين يوما ،لقد اجبر ارهابهم المواطنين الابرياء على النزوح الداخلي ،والرحيل من هول المجازر والقذائف العشوائية ،ونزوعهم لتدمير البنية التحتية بالكامل التي تحتاج لعشرات السنين لإعادة اعمار القطاع ،كل هذا بهدف سلخ قطاع غزة عن مشروعه الوطني ،وتفتيت وحدته ،وإجباره على النزوح والهجرة ،والتعاطي مع التوطين في سيناء كأمر واقع لا محالة ،إلا أن يقظة ثورة 30 يونيه 2013 و 3 يوليو المصرية قد افشلت مخططات المساومين على الوطن . في الذكرى الثالثة لرحيلك ..كانت الزغاريد تصدح. تعلو .. تلعلع .. فلسطين في القلب .. ابو عمار في القلب ،عواصف بشرية.لا تستطيع من زحمة البشر أن تطول حتى منديلا لتجفف قطرة عرق ،أو تمسح دمعة تتساقط جراء تأثرك بأحاسيس الجماهير. لا تستطيع أن تخفى انفعالاتك .. ويصرخ رفيق أو صديقك عليك ،ولكنك لا تسمعه فالأصوات والحناجر تعلو وتعلو في عناق مع السماء. ترى ولا تسمع سوى الهتافات والزغاريد..أصدقاء كثيرون كنت تبحث عنهم في الماضي ولم ترهم منذ سنوات. وفجأة يكونون أمامك كأنك على جبل عرفات هذا يوم الحسم الشعبي ،كم فرق مابين الحسم الشعبي ،والحسم العسكري ومن رفح الجنوب ،من مخيماتها وقراها ،حواريها وأزقتها ،زحفت الجماهير منذ الصباح .. ومن خان يونس الصمود ،قراها ،ومخيماتها ،حي الأمل ،ومن قرى شرقها ،بني سهيلا، وعبسان، وخزاعة ، والقرارة ، إصرار على الوصول قبل بداية العرس مهما كان.. ومن محافظة الوسطى ومخيمات العودة ،من دير البلح ،والمغازى، والزوايدة ،والنصيرات ،والبريج كان ميعادهم مع القائد العائد إلى ارض الوطن .. ومن محافظة الشمال التي فضل بعضهم أن يصلى الصبح في ساحة الكتيبة من بيت حانون ،وبيت لاهيا، وجباليا البلد ،والنزلة ،ومخيم جباليا ،وعزبة بيت حانون .. ومن غزة من كل أحيائها وحواريها من أقصى الشرق حتى أمواج البحر تحركت كالموج الهائج لا يعرفون سوى بشائر النصر ،والعودة ،والهتاف لمنظمة التحرير وللشهداء والجرحى بعضهم آثر أن يبيت في العراء قبل يوم من العرس ،تحسبا لمنعهم أو منع الحافلات لنقلهم لموقع الاحتفال ،وتخوفا من الجريمة والعقاب ،فهذا اليوم هو يوم الوفاء لأبى عمار ،ولو مشيا على الأقدام. في الذكرى العاشرة لرحيلك ،كل شيء تغير وتبدل ،ولم يعد للإنسان كرامة دون وطن مستقل كامل السيادة على أرضه ،وعلى الرغم من انتهاك مواطنته من بني جلده ،وتعرضه لسياسة التجربة والخطأ ،والتلاعب بمصيره ،ومنعه من الاستقرار والهدوء ،وتوفير المناخ الصحي لإعادة اعمار قطاع غزة ،وحتى نمنع سطوة الاحتلال الاسرائيلي على غزة ،يجب الامتناع عن توفير المبررات له ،وهذا يحتاج لحكمة العقلاء من السياسيين والمفكرين ومكونات المجتمع المدني في غزة ،والتعامل مع التهدئة التي تم التوافق عليها في القاهرة ،كقضية وطنية ومطلب شعبي وجماهيري ،بعيدا عن ردات الفعل العشوائية ،وتتحمل المسئولية كاملة كل القوى الوطنية ،بعيدا عن الشعارات والمزايدات والمناقصات ،فلا بد من حماية دم الانسان الفلسطيني ،وحماية المشروع الوطني الفلسطيني ،والجماهير التي مهرت رسائلها بالدم ،ومشفوعة بالقسم للقائد ابو عمار تحتاج لوحدة وطنية ،وقيادة مشتركة تتمسك بالثوابت الوطنية ،وتؤكد وفائها لكل الشهداء ،وللقائد الشهيد ابو عمار .

 

طلعت الصفدي

عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني