الملاحظة والفكرة في ثقافتنا ..

بقلم: مازن صافي

لقد أثبت العلم منذ القدم أن عمليات التفكير التي لا يعيها الإنسان – أي النشاط اللاواعي للدماغ -  تشغل في حياتنا مكانة غير بسيطة إطلاقا.

وتصل إلى دماغ الإنسان إشارات متنوعة من أعضائه الداخلية وكذلك من العالم الخارجي وجميع هذه الإشارات تترك فيه آثارا بشكل أو بآخر إلا انه لا يتم تسجيل جميع الإشارات من قِبل وعينا، وقد ترى العينان مثلا شيئا على العشب ولكن هذه الصورة البصرية قد لا تصل إلى الوعي إذا كان الشخص في تلك اللحظة يفكر في شيء مختلف تماما، لكن عينيه – كما ذكرنا – شاهدتا الشيء وأعطتا إشارة منه إلى الدماغ وفي مكان ما منه بقي اثر الإشارة ، ويمكن لهذا الأثر فيما بعد أن يطفو على السطح بشكل غير متوقع أبدأ، أي يظهر في الوعي ويحدث هذا غالبا أثناء النوم فيرى الإنسان بوضوح تام كيف صارت الطريق وكيف لاحظ تحت أقدامه شيئا فقده شخصا آخر مثل هذه الإشارات التي لا تصل إلى وعينا بصورة واضحة قد تولد لدينا شعور غامضا بالقلق وتوقعا للخطر ويمكن تصور مدى دهشة الإنسان عندما يحدث الخطر فعلا بينما لا يخطر بباله انه هو الذي أنذر نفسه .

ومن زاوية أخرى فإن الإنسان أحيانا لا يكون قادرا على ترتيب أفكاره، أو حتى رؤيتها أو التقاطها، وعندما يتم التقاطها يتوجب توظيفها في سياق مفهوم ومفيد، بحيث لا تشكل عبئا على كاتبها أو ناقلها، وكثيرا ما أكون في حضرة كتاب أو حتى قصة، أو مستمعا إلى حديث، أو شاهدا على حدث مر أمامي، او حتى في السيارة، وما أن التقط فكرة ما أو حتى فقرة، حتى تتولد لدَّي مباشرة في توظيف ذلك في مقال جديد، وأشكل حواراً داخليا مع هذه الأفكار لتخرج بعنوان ومحتوى، ربما يجد طريقه الى قارئ يستفيد منه أو يوظفه في أفكار أخرى، وهكذا تتوالد الفكرة وتتحول إلى رأي عام وتأثير وثقافة.
وباختصار حياة الإنسان إشارة ما أن يلتقطها ويوظفها في مكانها وزمانها المناسب حتى تتحول إلى مادة للقراءة والحديث والنقاش ولا نعرف إلى أي مدى ممكن أن تصل أو إلى أي عدد من القراء ممكن أن تصل وبالتالي تؤثر فيها .