توالت ردات الفعل من الشباب الفلسطيني المقدسي خلال هذا الشهر ضد ممارسات الكيان، وقطعانه بحق المقدسات، وأبناء، وأطفال القدس، هذه الردات لا يمكن تصويبها، أو إخضاعها للتحليل الفلسفي الحزبي؛ لأنها في معظمها أفعال وإرادة شباب تسلح بالحتمية الفلسطينية، التي لا تخضع لأي معايير أو ضوابط حزبية، إنما معيارها، وضابطها، ومحركها فقط" المقاومة"، والتحرير الذي لا يمكن تغييبه مهما حاول البعض أن يخضع العقل الجمعي للمهادنة، والمسالمة مع هذا الكيان الذي لا يؤمن سوى بالعقلية التلمودية التي تزرع الحقد، والكره الأعمى لكل ما هو جنس بشري، خارج العرق اليهودي، ويتخذ من "شعب الله المختار" منهجًا عقائديًا؛ بأنهم الأطهر على هذه الأرض، مع دعم ومساندة العالم الاستعماري للفكرة الصهيونية العقائدية التي ترى بفلسطين " وطن قومي لليهود"، ولا تؤمن بغير ذلك سبيلا.
بناًء عليه؛ فإن العقلية الصهيونية لا تؤمن بأي تعايش، أو أي سلام، ولا يمكن لها ولكيانها الاستقرار في أي أجواء سوى القتل، والحروب، والدماء؛ لأنها فكرة تقوم على يقين بأن التعايش السلمي بداية النهاية لها، ولكيانها، ولفكرتها، وهو ما سطره حكماء بني صهيون في بروتوكولاتهم، وتوصياتهم، ويتم ممارسته في حروبهم المتتالية، وخاصة في لبنان، وغزة الترجمة الواقعية لهذه الحالة العقدية العقائدية الصهيونية.
شن الكيان قبل أشهر مذبحة هي الأشرس، والأعنف ضد قطاع غزة، حيث أغال واستغول بقتل النساء، والأطفال، في ظلّ صمت العالم على هذه الجرائم التي استمرت ما يقارب الشهرين، بحق شعب أعزل، مع التمادي والغطرسة لساسته، والتحول صوب القدس والمقدسات، وهي تمثل خاصية خاصة لدى الكل الفلسطيني، ولدى سكان القدس الذين قاوموا وناضلوا ضد تغريبهم عن هويتهم الفلسطينية، وتثبتوا أمام عواصف اقتلاعهم، ومنح الكيان قطعان مستوطنيه الحرية في إرتكاب الجرائم، والإعتداء على المسجد الأقصى والمقدسات، دون أن يحرك العالم لسانه ضد هذه العنجهية والعربدة، فكان الخيار الأوحد، أمام شباب فلسطيني مسلح بحتميته الوطنية، أن ينهض ليدافع عن أطفال شعبه الذين يحرقوا وهم أحياء، مثلما حدث للطفل" أبو خضير"، وتدنيس مقدساته، وشنق الشاب " الرموني"، والسياسات الصهيونية من الإعتداء، وهدم المنازل، والتهجير المستمر لسكان القدس الأصليين، نهض الشباب الفلسطيني ليبتكر ويبدع وسائل، وأدوات تُلجم هذا العدو واعتداءاته، فلم يجد مفرًا سوى الدهس، وهو أضعف الإيمان أمام شباب لم يعد آمن على أهله، وأبنائه، وحياته، فكانت ردة الفعل في الدفاع عن الذات التي قام بها الشهيد" العكاري" دفاعًا عن حقوق أهله، وكذلك ردة فعل الشهيد " حجازي" ضد هذا المتطرف " غليك" الذي كان يتحدى ويجاهر بتطرفه كل ما هو فلسطيني، مستبيحًا المقدسات عنوة، وعربدة، وجاءت العملية الإجرامية التي مارسها المستوطنين بشنق الشاب" يوسف الرموني" لتوقد نيران الغضب في صدور هذا الشباب الذي تخلص من كل قيوده الحزبية، والتنظيمية، متمردًا على عجز الرد الرسمي الفلسطيني، ويؤكد أن أهل مكة أدرى بشعابها، فحمل أدوات مطبخه البسيطة، وتصدى لهم، بأماكنهم التي يدعون أنها دور عبادة، ولكنها دور تحريض ضد حرق، وقتل الأطفال، والتنكيل، والتعذيب للشباب الآمن المسالم، والله جل جلاله أباح هدم دور العبادة التي تستخدم للضرار بالمسلم وبالإنسان، فكان الرد حتميًا، حيث هاجم الشابين غسان وعدي أبو جمل، غلاة التطرف والتحريض في أوكارهم الموشحة باسم الدين، ودافعوا عن شبابهم المنكل به، وعن أهلهم، وعن حقوقهم بالحياة، وحق أبناؤهم بالأمن، وحق مقدساتهم، في ظل الخرس الممارس من أصحاب شعارات الإنسانية، وحقوق الإنسان، والتمدن، وهو حق كفله لهم الأديان السماوية، والأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.
إن الهجمات أو ردات فعل الشباب الفلسطيني المقدسي هي رسائل شتى لكل الأطراف بما فيها الطرف الفلسطيني الرسمي، والحزبي، بأن للبيت رب يحميه، وأن شباب القدس لن يستسلموا للواقعية السياسية التي يذبحوا، ويحرقوا، وينكل بهم تحت اسمها، ولن يفتحوا أذرعهم وصدورهم لغلاة التطرف الصهيوني، ليستغولوا قتلًا بهم، وتدنيس لمقدساتهم، كانت رسالتهم بأنهم لن يتركوا أهلهم، وأطفالهم سبايا لهمجية العدوان وقطعان مستوطنيه، كما إنها رسالة حية، نابضة لهذا الكيان بأن القدس لا ولن تُهود، مهما مارس من سياسات وأفعال، ومهما سابق الزمن في تهويد المدينة، وأن الحتمية الفلسطينية حية لا تموت، ولا يمكن وأدها مهما تكالبت عليها قوى العدوان... أما رسالتهم الثالثة فكانت للأسرة الدولية التي ابتلعت لسانها، وأصابها الخرس أمام استباحة الدم الفلسطيني، ومقدساته، مفادها أن الحتمية الفلسطينية، والشباب الفلسطيني لا زال قابض على حقه وحقوقه في الدفاع عن وجوده، وتواثبته، ومقدساته.
في النهاية إن الرسالة وصلت ولم يفهمها بعد الكثير بأن هذه الأعمال الفردية البطولية هي تأكيد على أن الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم، وأن هذا الحق متوارث جيلًا يسلمه لجيلٍ، والعهدة حتى تحرير فلسطين، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس... وأن العمل الفلسطيني سواء مؤطر أو غير مؤطر فهو أمين على أرضه، وشعبه، وحقه، وإن غابت الإرادة الفصائيلية، لا تغيب إرادة الفلسطيني... فهل تعقلون؟ّ
د. سامي محمد الأخرس
[email protected]
الثامن عشر من نوفمبر" تشرين ثانٍ" 2014