الحصانة التي يتمتع فيها بعض السياسيين ضد فيروس الرجولة هي حصانة وراثية، وليست حصانة مكتسبة سياسياً، لأن من كانت أصوله فلسطينية حقاً، فهو غير محصن ضد فيروس الرجولة، وستصيبه العدوى، وسيتصرف مثل الرجال، سينتفض عاجلاً أم آجلاً.
الرجولة في فلسطين ليست حكراً على منطقة دون أخرى، وقد جربت غزة نفسها، واختبرت رجولتها، وتأكد للجميع أن النسوة في غزة قد أظهرن رجولة أذهلت العدو، الذي ظن أن ارتفاع وتيرة القتل والتدمير قد ترعب الناس، فيطغى هرمون الأنوثة على ما سواه.
وفي القدس رجولة سكاكين تفوق ما أظهرته غزة من رجولة صواريخ، ففي القدس رجولة بالوراثة، وفي القدس رجولة مكتسبة بفعل التطرف اليهودي الفاحش، لذلك فمن الغبن أن تقارب بين موقفين، ومن الجبن أن تفصل بين ما يجري على أرض القدس وبين ما جرى على أرض غزة، فالرجولة في فلسطين تنتقل بالسمع والبصر وعبر الفضائيات ومن خلال المواقف الثابتة، وتنتقل الرجولة بالحس الوطني والإنساني، وهذا ما أكد عليه خيط الدم الذي سال في غزة، فإذا به يتقاطر كرامة على باب حطة، وفوق جبل المكبر، وفي حي الثوري، والعيسوية، وسلوان والشيخ جراح، والمسكوبية وغيرها من أماكن الثورة والمقاومة.
في القدس انتفاضة تمد أذرعها حتى رام الله وجنين والخليل رغم أنف الجبناء، في القدس غضب ينفث روحه السامية في جبال نابلس وفي حواري أريحا، وفوق روابي قلقيلية، ولا تصدقوا ما يقال عن السيطرة الأمنية، وحفظ النظام، فمخزون الغضب والانتماء لفلسطين سيتفجر قريباً، وستجري أنهار الثورة في كل شارع وحارة على أرض الضفة الغربية.
أما غزة، فقد أخذت من شباب القدس جرعة من الرجولة الزائدة، غزة رفعت رأسها بمقاومة المقدسيين إلى السماء، ولأول مرة في تاريخ المنطقة لم تخل غزة مقراتها الأمنية، ولم تحسب حساباً لردة فعل الصهاينة، ولم تدخل قيادتها تحت الأرض، لأول مرة تتحدي غزة الصهاينة علانية، وظلت تزغرد وترقص فرحاً لمقاومة المقدسيين، ولهذه الجرأة بالفرح دلالات يجب أن يتنبه إليها الشعب الفلسطيني، وأولها: لقد بدأت إسرائيل تعمل ألف حساب للمقاومة، فلم تهدد بالرد في غزة، ولم تجرؤ على مهاجمة غزة، ولم ترسل أي وعيد بالموت والدمار كما جرت العادة في السنوات السابقة.
لقد أدركت إسرائيل أن المعادل الموضوعي لقصف غزة هو قصف تل أبيب، لذلك أحجمت، وبلع قادتها لسانهم باستثناء يورام كوهين، رئيس جهاز الشباك الذي قال لقيادته السياسية ناصحاً:
أولاً: عليكم الكف عن توجيه الاتهامات للرئيس محمود عباس بأنه يشجع الإرهاب، فالرئيس محمود عباس غير معني بالإرهاب، ولا يدعم الإرهاب لا بشكل علني ولا بشكل خفي.
ثانياً: على أعضاء الكنيست الإسرائيلي الامتناع عن زيارة الحرم القدسي الشريف.
ثالثاً: عليكم الامتناع عن تقديم مشاريع قوانين من شأنها تغيير الوضع القائم في القدس؛ تجنبا لتحويل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي الى صراع ديني، ذلك خطير جداً على وجود إسرائيل.
رابعاً: عليكم القيام بكل شيء لتهدئة الخواطر.
انتهت توصيات رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، الذي أظهر رعباً من اتساع رقعة الانتفاضة، فهل يتعظ من ذلك أولئك الغرباء الذين تحصنوا صد فيروس الرجولة؟.