لسنا ناقصين وجع رأس اكثر من أوجاعنا

بقلم: رمزي النجار

صباح كل يوم جديد وأنت في غزة حتما ستطالع عناوين الصحف المحلية وسماع نشرات الأخبار بشكل سريع، قد تصاب أذناك بالاحمرار الشديد نظراً لقراءتك وسماعك جملة من الأخبار السياسية عناوينها تسمعها كل يوم وترى أنه لا جديد في عالم السياسة، ولكن الذى يلفت نظرك وأنت تتصفح تلك الجرائد كم المناشدات الهائلة والتعازي بالموتى واحصائيات القتلى نتيجة حوادث السير والمرض والقهر، ستصاب بالقولون والقرحة، ستخرج من بيتك الى عملك أو مكان الالتقاء بالأصدقاء وبدلاً من أن يبادلك زميلك بعبارة صباحك جميل يبشرك بخبر وفاه أو حادث سير أو حادث انتحار أو حريق أو صعقة كهربائية .. الخ، هنا دماغك يصاب بالانحراف والإعياء، فإن كنت مصاباً بالضغط سينخفض تصاعدياً، تبدأ يوم نهارك على مضض، كل ما تعرض له عقلك من غسيل وأخبار وفاجعات حتى الآن ليس بالأمر السهل، ثم ستواصل نهارك لعلك تسمع خبرا مفرحا، حتما ستركب السيارة في طريق عودتك إلى بيتك وقت الظهيرة، ستسمع الناس يتحدثون عن أمور السياسة وخبث السياسيين وهكذا، ربما قد تسمع واحداً من هؤلاء يلعن نفسه أولاً ثم يلعن ما تبقى من إجمالي الناس، هذا الأخير اعذره تماماً لا ترد عليه إطلاقاً، قل له انك على حق، وان كل ما تقوله كلاماً مهماً وخطيراً ، حاول أن تقدر حالته، فلربما يكون صبره قد نفد، وخنقه هم أولاده الصغار حينما سبقهم بالخروج من المنزل وقت ذهابهم إلى المدرسة صباح اليوم تفادياً لأن لا يتعرض للإحراج أمام زوجته ، عندما تسمع أبنائها يطالبون والدهم بمصروفهم اليومي التي قطعها عليهم منذ سنين نتيجة المناكفات والمشهد المؤلم في بلادنا، والتي كانت سببا في حاله وعدم قدرته على إعطائهم المصروف، حينها يشعر بنقص رجولته أمام أطفاله وزوجته، وفي الشارع القريب من منزلك ستصادف امرأةً كبيرة على الرصيف ومعها أولادها تبحث لهم عن وجبة غداء، ستقطع الرصيف من أمامهم وسيبتسم الأولاد الصغار في وجهك وستغرق الأم في الحياء والخجل، لا عليك من هذا كله، فثلث الشعب من الأطفال والنساء والمجانين يعيشون في الشوارع، ستعود إلى المنزل وحدثك ابنك الأكبر بأن صديقه لديه "تكتك" ويعول بها أسرته بكاملها لمواصلة العيش والحياة بقليل كرامة وعزة نفس، ويطلب منك بأن تبحث عن عمل ، وبعدها تأتيك زوجتك لتطلب منك هدية لجارتها التي جاءها مولود لتقوم بزيارتها، وفجأة يتصل عليك صديقك يطالبك بديون له، وسرعان ما تنهي المكالمة تأتيك أبنتك الصغرى حاملة فواتير الهاتف والجوال والكهرباء والمياه لتقول لك هذ الورق لك يا بابا، وبعدها تأتيك والدتك لتخبرك بأن زوجه فلان مريضة بالسرطان وبحاجة لتحويله علاج عاجلة وبحاجة لحد يخلص لها أوراق التحويلة ويتوسط لإنهاء معاناتها .

عذراً أنا هنا لا أريد أن أشعركم بالإحباط، لكن هذه هي أوجاع الآلاف من الغزيين التي اسمعها وابصرها واشعر بها كل يوم وتجبرني أوجاعي بالمقابل على الكتابة، فحال الناس يرثى له، بينما يختبئ القادة خلف الشعارات السياسية والإثارة الكاذبة!! لماذا يرفض القادة أن يقتربوا أكثر من قضايا المجتمع ويحترموا خصوصيته كبلد يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولماذا يهرب القادة من وجع الناس؟! كما أن الأغنياء في بلادنا يزدادون ثراءً وأموالاً وسلطة ونفوذاً كل يوم، ووحدهم الفقراء إلى الله يستمرون في المرابطة من اجل البقاء كل يوم، فأوجاع الآلاف من الفلسطينيين الغزيين ولا تحصى وأكبر وجع يعيشه الناس اليوم هو التقصير وعدم الشعور بالمسؤولية اتجاههم، فملامسة أوجاع الناس أضحى ضرورة وطنية واخلاقية !!الوضع لا يحتمل فنحن أمام ثورة جياع تلوح في الأفق هذه المرة ، لن ترحم احداً، ما زال لدينا فرصة أخيرة لكنها ليست طويلة، الجميع مطلوب منهم ملامسة أوجاع الناس المعدمين والاشتغال بتحسين أوضاعهم وإنقاذهم وليس إقحامهم في مناكفاتكم، لسنا ناقصين وجع رأس اكثر من أوجاعنا التي فينا ونعاني منها صباح مساء، لنخرج بحل وسط وعادل ونتفق عليه بنوايا صادقة، لنكن ما نكون المهم أن ننقذ غزة والعباد من أمور كارثية قد تحدث وتذهب بالجميع إلى ما لا يحمد عقباه.