والله إني متألم وحزين جداً علي وضع هذه البلد ويشهد الله إني حريص علي مصلحتها وسمعتها وعلي مستقبل شبابها ،لأني تذوقت مرارة الشتات ولوعة الاغتراب فلذلك المس حالة هيجان في الشارع لم أشهدها من قبل وخاصة بعد الحرب الأخيرة علي غزة ، ولا اخفي على من يريد أن يسمعني ان السيل قد يكون بلغ الزبى، وان كلام الناس معظمه أصبح لدرجة يتسبب بسجنهم لو تمت الملاحقة القضائية، وارتفع خطاب العامة فوق خطاب المسؤولين بدرجات، ومعظم الناس الآن بعُرف القانون مدانون بالجرائم السياسية، فلا يكفون عن شتم المسؤولين بأشد الألفاظ، واتهامهم بأنهم ضيعوا البلد بسبب انقسامهم ومناكفاتهم الغير مبررة وإنهم سبب البلاء ، ويجب التخلص منهم، وقد فقدت الناس ثقتها بهم، ولا يصدقون أحداً منهم، والناس مصابة بحالة إحباط لم أشعرها "طوال حياتي"، ويتطاولون على المسؤولين بلا خوف ولا تردد، وإذا حذرهم احد يردون بالقول خليهم "يقطعوا هالراس"، ولو سمع المسؤولين كلام الناس الصريح لما كفاهم كل القضاء في المحاكم للتعامل مع هذه الأوضاع، ولامتلأت السجون بالناس،ولم يبقي إلا المسؤولين في الشارع فقط وعندما تسير في الشارع تجد هياكل متحركة كأنها دمي تتحرك فأنت ترى( الناس سكارى وما هم بسكارى) وهم يروك لأنك تسكن وإياهم في بقعة صغيرة حيث الكل يعرف الكل كما قال القذافي عارفين بعضنا بيت بيت شارع شارع زنقة زنقة فلا يمر يوماً واحداً دون أن تلتقي بجيرانك او بائع المحل او حتي مطعم الفول والفلافل وتقف لتجد الكل وهنا تبدأ الحكاية فتجد في وجوهم العابسة معاناة، لا حجم لها أو وصف، بينما تلتمس في تقاسيم وجوههم تكدراً وخيبة أمل منقطعة النظير، ولا يخفى عليك بالطبع تلك النظرات المكسورة في أعينهم وآثار الحدبة العالقة في ظهورهم والتي خلفتها لهم ظروف حياتهم المعيشية،التي قليل عليها أن أصفها بالصعبة والعسرة.هم في الحقيقة طوال الوقت شاردي الذهن، ومتعمقين في التفكير حتى أنهم أحيانا يهاجسون فيما بينهم فلا ترى إلا شفاه تتحرك بهمس دون أن تستطيع أن تترجمها وتعرف بماذا يفكرون وبما ينطقون، ينطبق عليهم جملة "يفكرون بصوت عالي"، البعض منهم ينطبق عليه عبارة "مسهي وملهي"، إذ بينما يصارع معاناته لوحده، تنم عنه حركات لا إرادية من عينيه ويديه، وربما من شدة التأثير وعيش الحالة، ويصطدم إما بعامود كهرباء أو بأحد المارة، وربما في بعض الأحيان تزل قدمه من على الرصيف ويقع لانشغاله وعدم انتباهه ، هؤلاء هم الشعب يا ساده .اذ لم يغدو سوى هموماً متنقلة ولها أرجل، بعدما فاض هم القلب وغمه ،وقد يصادف احدهم فيسأله : شو مالك مسهي والشقا باين عليك؟.الإجابة ستكون: ابتسامة أولاً ثم يتبعها سؤال استهلالي على شاكلة: مش عارف ليش؟؟ ثم تتبعها الإجابة وهي: من زود العز والهنا لاحنا فيه. حيث من يتأمل واقع الناس بصفة عامة وبؤسهم ومرارتهم ودمار بيوتهم وخرابها وهجرة أبنائهم وغرق من غرق هرباً من عيشة هذه الحياة لبنينا جبال أطلقنا عليها جبال اليأس ، في زمنٍ بلغت فيه آلياتُه أوْجَ تقدّمِها، ونالت الحضارة المادية فيه أقصى درجاتها، زمنٍ هو غايةٌ في السرعة المهولة، سرعةٍ اقتصادية، وأخرى طبيّةٍ، ومعرفية الا نحن فالعالم يتقدم في شتي المجالات ونحن نتأخر. فألان نحتاج عشرون عاماً حتي يعود البيت بيت والقرية قرية والمدينة مدينة وحتي الزنقة التي كانت في أقصي الحي لم تعد موجودة أصبح مكانها ركام من دمار كان يمر من هناك ،وبالتالي ما هو السرِّ في انتشار الجهل وتضلُّعِه في عصر تقدم المعلومات؟ وما هو سر شيوع الفقر والمسكنة في عصر الكنوز والغنى؟ وما سر سيطرة البطالة في عصر الإنتاج والصناعة؟ ويقول الناس مثل ذلك متسائلين: ما هو السر في وصف هذا العصر الذي نعيش فيه الآن على المستوى العالمي، بأنه عصر الهمّ والقلق والاكتئاب؟.
وبالتالي أصبح حال معظم الناس يقول لم يعد أحد في هذا الزمن يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة الغاز.
--------------------------------------------
بقلم / د.هشام صدقي ابويونس
كاتب ومحلل سياسي
عضو الأمانة العامة لشبكة كتاب الرأي العرب