​يهوديّة الدولة: حرب من الداخل !

بقلم: عادل محمد عايش الأسطل

منذ أن خرجت حكومة "بنيامين نتانياهو" الأولى إلى الوجود أوائل عام 2009، نبتت معها فكرة يهودية الدولة، بما تعني بأن إسرائيل هي "الوطن القومي لليهود" وأن هذا الحق ينفرد به اليهود فقط، في مقابل أن لا حقوق متساوية لفلسطينيي الداخل، باعتبارها مطلب أساسي في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ولا تستقيم الحلول دون الاعتراف الفلسطيني الكلي والشامل بها.

للوهلة الأولى، لم تُشكل هذه الفكرة لدى المفاوضين الفلسطينيين أيّة مشكلة، كونها تحصيل حاصل، لولا تدخلات خبيرة فلسطينيّة وعربيّة نبّهت إلى خطورتها، باعتبارها الماحقة، والتي ستلحق بالفلسطينيين والقضية الفلسطينية الضرر الأكبر، على مدار مستقبلهم، بمستوياته السياسية والاقتصادية والدينية على نحوٍ خاص.

وعلى أي حال فإننا هنا ومع تطورها وتعاظم صيغها التي تبدو عليها في كل يوم ومناسبة، حتى أصبحت مطلباً رئيساً للحكومة، فإننا هنا ومع عدم التغافل عن الرفض الفلسطيني الشديد، وما يُماثله من الرفض العربي والإسلامي، فإننا لا ننظر أيضاً إلى مجموعة الانتقادات الدولية متعللةً بأنها تقف حائلاً أمام العملية السلمية وإيجاد الحلول بشكلٍ عام، وإننا أيضاً لسنا بصدد تبيان قيمة المعارضة – مع أهميتها- التي يشكلها عرب الداخل والذين يشكلون أكثر من 20% من سكان الدولة، لكننا نعتني بشكل أكبر، بما تشكله المعارضة الداخلية الإسرائيلية واليهودية ذاتيهما معاً، بسبب أنها معارضة أكبر تأثيراً، ولها من الفرص الأفضل في إحباط الفكرة من أساسها، ذلك لأن اليمين في إسرائيل، ليست لديه عوامل تُمكّنه من كبحها تماماً، كونها لا تقتصر على اليسار، وإنما يتواجد في إطارها من هم من ذاته أيضاً.

كون الفكرة تنزع عن إسرائيل رداء الديمقراطية خاصتها، وتُدخِلها في صراعات جديدة، سياسية ودينية وأخلاقية، وهي بتطبيقها حتى بأقل من حذافيرها، سوف لن تجد راحةً بالمطلق وعلى مدار مستقبلها، فإن حركة رافضة بدأت بالتوالد وعلى نطاقٍ واسع كلما مر الوقت، وقد شاهدنا خلال الفترة الماضية وحتى في الأثناء، مساعٍ داخلية متعاظمة لأجل وأد تلك الفكرة قبل تواجدها كحقيقة من خلال (قانون)، فعلاوةً على الهبّة الشعبيّة في إسرائيل، فإن قيادات إسرائيلية تقف بشدة ضد يهودية الدولة وتحذر من عواقبها، وكان رئيس الدولة السابق "شمعون بيرس" قد رفض الفكرة كمطلب، واتّهم "نتانياهو" بأنه يسعى لجني مكاسب سياسية، قد تجرّ إلى صراع ديني. واتهمه رؤساء أجهزة أمنية وعسكرية بأنه يأخذ إسرائيل إلى الجحيم، - مثالاً- وصفه "كارمي غيلون" رئيس الشاباك السابق وأعوانه، بأنهم مرضى (إيجو- EGO، الأنا) وسيتسببون بحرب يأجوج ومأجوج، ونهاية إسرائيل بالتالي، ومن جانبها "تسيبي ليفني" زعيمة الحركة، و"إسحق هيرتسوغ" زعيم العمل أيضاً، أكّدا وقوفهما في مواجهة أحلامه، في ظل تأكيد وزراء وقيادات أخرى، بخطأ الفكرة، معتبرين أن إسرائيل لجميع مواطنيها، اليهود والعرب سواءُ بسواء.

منذ قرار التقسيم (181) الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1947، والذي تضمن إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، على فلسطين التاريخية، كان الأمريكيون تحديداً، يخشون من إقامة الدولة اليهودية، عندما أوصت الخارجية الأمريكية، بعدم الموافقة على قرار التقسيم، قبل انتصار اللوبي الصهيوني وإرغامها بالتوقيع على القرار، وباتت الولايات المتحدة تئنّ بسببه إلى هذه السّاعة.

لم يمرّ الكثير من الوقت، حتى تحقق قيام الدولة الإسرائيلية، وكان ذلك سببه تعاون الصهيونيين مع القرار، حيث كانوا مرتّبين ومنظّمين بشكل جيّد، ولم يكن بواردهم الفكرة ذاتها- يهودية الدولة- كما هي اليوم، برغم معتقدات متناثرة لدى بعضهم بحلم (إسرائيل الكبرى)، بدلالة أنهم قبِلوا بقيام الدولة على المساحة 55% من الأراضي الفلسطينية بما فيها ما يربو على 500,000 فلسطيني مقابل 600,000 يهودي، أي أقل قليلاً من عدد اليهود آنذاك، وكانوا راضين تماماً، بأن يعيش ما ينوف عن 10,000 من اليهود وسط 750,000 من الفلسطينيين داخل الدولة الفلسطينية، لكننا الآن نرى أن الأوضاع قد تغيّرت وإلى الأسوأ، بلغت ذروتها بيهودية الدولة، والتي من شأنها أن تعمل علاوةً على ما تقدّم، على شطب حق العودة، وبشكلٍ خاص على تنقية الدولة من الفلسطينيين، وربما غيرهم من الأقليات الأخرى، وهذا هو ما يُعبّر عنه بصراحةٍ أكبر، الوزير المتطرّف "أفيغدور ليبرمان" بنقل فلسطينيي الداخل من إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة، في ضوء تمنياتٍ جيّدة، بأن يقبل العرب الخطوة للوصول إلى حل، وهي التي من شأنها إضعاف آمالِنا باتجاه أن باستطاعتهم إثناء حكومة "نتانياهو" عن مواصلة مساعيها النرجسيّة، لكن وبالمقابل، فإن بإمكاننا - ولو قليلاً- الرهان على الداخل الإسرائيلي، كون الحكومات الإسرائيلية تخشى التفكك من الداخل، أكثر من أيّة عوامل خارجية أخرى.

خانيونس/فلسطين

30/11/2014