تاهت اليوم معالم الأمل وانصاع الزمن وتغيرت ملامحه واشتعلت شرارة كانت بين الضلوع خامدة وذاكرة توقفت بين ابواب شرايين الحياة وتسمّرت بين العروق تواريخ سوداء .. يبدو ان الفلسطيني كتب على جبينه الترحال بين شفرات الرحى او الشهادة غريبا عن الأوطان حتى وإن كان على ارض الوطن فهناك الكثير غرباء في اوطانهم .. باستشهاد الأخ عماد فياض اشتعلت شمعة الألم من جديد وعادت الى النفوس والأرواح ذاكرة المجازر والإنقلاب القصري والموت داخل الموت تفرعت معالمه وتعددت اشكاله ..
اليوم عادت الى النفوس تلك المتغيرات التي أضاعت معالم الطريق و انتشرت من خلالها فكرة الضياع وتشبثت لغة المصالح .. يبدو انه كتب علينا مكابدة عناء البحث بين متاهات الزمن عن بشر تآلفت قلوبهم وتباعدت اجسادهم وتناثرت ارواحهم في أسقاع الأرض إما غرقا أو حرقا أو قتلا أو سجناَ او اغتيالا أو هجرة قصرية او موتأ إلاهيّاً….
يبدو أن قادتنا استمرأت لقاءات المواراة والتلاقي والمحبة والأحضان للأحضان وموائد الطعام المتنوعة والمنتشرة في بيوت الاخت الشقيقة حماس ولاحت في الأفق بوادر ومعان جديدة للأخوّة من قادتنا الفتحاوية أو السلطوية وتناسى الجميع للحظات بمن فيهم كاتب هذا المقال والكثير مثله ومثلهم ماحدث من إنقلاب دموي أو ربما غض النظر أو اعجبه ما تم من مجازر كانت فاتحة هجرة قصرية من الوطن الى الوطن , من الوطن الى الغربة , من الوطن الى الضياع , من الموت الى الموت …
بين ليلة وضحاها وبقدرة قادر مقتدر تحول الإنقلاب الى متسبب طبيعي ومنطقي للقاء مع اللقاء.. لقاء الأحبة الأعداء بجمالية الدخول في بوابة المتعة الحميميّة والسياحة الداخلية لدى بعض اعضاء لجنتنا المركزية وحكومتنا الموقرة واصبحت بين ليلة وضحاها غزة محجّاً ومقصدا لكل من اراد العودة من الباب العريض على موائد الاعلام بعد ان طالته مراحل النسيان وتناسى المجازر الحمساوية أو ربما اعجبته تلك السجادة الحمراء المعبدة بدماء ابناء الفتح العظام …
اليوم اصبحت كلمات قادة حماس متعة المستمتع ترضي كافة الأطراف المتشدد منها والمتسامح وهنا كان للتشدد الغلبة على التسامح بالضربة القاضية واصبح لتلك الكلمات المستوحاة من مبادئ قوانين الأخوان الشرعية المنمّقة والمرسلة إلينا قصراً من اعلى منابر الدعاة وعبر الأثير المباشر لتجد نفسك تائهاً بلا بوصلة ولا هدف .. اليوم وكأن علامات وبشائر القتل وروائح الموت باتت لا تفارق محيّاهم رغم تغير هياكلهم , البعض منهم اصبح كاشباه الرجال او أصنام فقدت معاني الأحساس وقد تغيرت ملامحهم ربّما كانت بتأثيرات او متغيرات الزمن والعديد منهم إن لم نقل الكل اصبح لا يُعرف له طول من عرض من كثرة الاكتناز …
تاهت عناوين القدر وسارت بين انياب القدر وضاعت من خلال ما تقدم الهوية وكيف لا وكل اسقاع الارض بلا هوية اين يذهب المشرد وكل ابواب الدنيا موصدة إلّا باب الآخرة هو وحده من كان ومازال مفتوحاً .. اليوم رحل المناضل عماد غريبا وشهيدا لغربة قصرية فرضت على المئات من زملاءة بحكم الوصاية على غزة ومن فيها وبالأمس القريب كان بعض أخوانة غرقى فى المياه الإقليمية لدول أوروبا وغيره مازال شريدا ينتظر قدرة.. مات الشهيد ليعود الى الوطن شهيدا برتبة شريد , كثرت منابر الاقلام وتعددت الوانها وازدادت بين المثقفين علامات الحميّة ليصرخ عاليا شامخا شموخ الجبل علّهم يستطيعون ايصال رسالة كتمت انفاسها خلف افواه مغلقة باحكام كتب الدهر عليها باصرار لابد لهذه الافواه من صيام .. صيام عن الطعام يتلوه صيام عن الكلام وربما تخترع عقول اسياد غزة الجدد نوعا جديدا قديما من الصيام ألا وهو صيام عن البكاء ..
صرخة يجب ان تؤدي الى تغيير الواقع الفلسطيني الأليم لذا ننادي وسنبقى ننادي الى أن ينزاح عبئ الانقسام والتشرذم عن كاهلنا وليتفرغ الشارع الفلسطيني قبل قادته وبيد واحدة الى مقارعة ومواجهة العدو المركزى لشعبنا وامتنا العربية والاسلامية وللانسانية جمعاء بكافة الاتجاهات وكافة السبل لان الطريق في صراعنا مع العدو طويل ويحتاج ايضا صبرا طويلا ووحدة حقيقية وفعّالة بين كافة الاطياف الفلسطينية سواء داخل الحركة الواحدة او داخل النسيج المجتمعي الفلسطيني ….
عزائي اليوم بهؤلاء الأشبال بذاك الطفل الوليد الذي تفهّم لغة التعامل مع الأعداء حال خروجه من رحم امه رافع الشارة المتعارف عليها فلسطينيا والاكيد هناك الكثير من ابناء هذا الوطن العربي يخرجون من أرحام أمهاتهم رافعي شارة النصر ربما يتعلم منها الكبار مثلما ترسخت في وجدان الصغار ونبقى نحن وكما اصبحت عوائدنا نتابع وننتظر الى ان ينهكنا الانتظار او ربما يأتي اليوم وتشرق علينا شمس شبل صغير يحمل بين طيّاته ملامح ذاك البطل الشهيد رافعا راية النصر بسواعد من حديد …..
رغم كل ما حدث في واقعنا الفلسطيني من تناحرات وصراعات ملفقة وجرائم حرب مصطنعة واستقطابات خارجية متقنة ورغم الاعتداءات الصهيونية اليومية على شعبنا سواء كان الامر بالشكل العسكري المباشر كما حصل بالهجوم الغادر على شعبنا فى قطاع غزة والقدس الشريف او بشكل ممنهج آخر كما يحدث باهلنا وشعبنا فى الضفة الغربية من الاعتقالات وحواجز الموت والمضايقات اليومية التي يكاد تأثيرها التدميري يفوق بكثير تاثير الحروب المباشرة ورغم الصلابة الفلسطينية والأزمات التي توحد الصفوف والصبر والقوة الفلسطينية والعقلية المتجذرة في مجتمعنا ولغة العناد التي يمتاز بها شعبنا نجد ان متطلبات الواقع تفرض علينا وفي ظل المتغيرات العربية والمتغيرات الشعبية الفلسطينية الوحدة والتماسك والتلاحم في مواجهة القادم ….
الجميع يعي جيدا ان القادم اكثر سوءا وايضا يعرف جيدا مدى صعوبة الواقع الفلسطيني ومدى اتساع ثغرة التناقضات وتعدد اشكال المصالح والاهداف المتغيرة لدي العالم وعلى راسهم امريكا واسرائيل والتحالفات العربية الجديدة منها والقديمة والتي تلعب باوراقها دول عربية تحت غطاء العروبة والزعامة المتجذرة في عقلية اصحاب النفوس الضعيفة فقط لانهم يمتلكون الكثير من المال وايضا يمتلكون علاقات متوازنة وغريبة التوافق بين النقيضين هذا ان جاز التعبير ولكن في الحقيقة هما وجهان لعملة واحدة .. الصهيونية والسياسات العربية المتأصلة في عمق الوجدان الصهيوني ولكن وللاسف تستعمل من خلالها اللغة العربية والعواطف الإسلامية في التأثير على الإحداث والشعوب منها من يجهل ما حدث وما يحدث ومنها من يعلم ما يدور حوله ولكن الحاجة والخسّة والنذالة تخرس الألسن وتعمى من خلالها الابصار….
ان الواقع الفلسطيني الجديد يجب ان تتبلور افكاره تجاه ذاك المتغير القابع هناك فى احدى دول الخليج وتحت عيون الأساطيل الأمريكية ومنابع الشر الاسرائيلية ومن خلال إعلام اقل ما يقال عنه سوى انه إعلام متصهين لافرق بينه وبين متصفحات بني صهيون الإعلامية سوى اللغة العربية وربما تتحول يوما لغتها الى العبرية باسلوب عربي متطور حسب التطور الجذري في العقلية العربية وتحت تاثيرات ما يسمى بالربيع العربي والذي تحول بين ليلة وضحاها الى كابوس خريفي ماطر وزوابع تناحرات يومية وخلافة اسلامية وصراع بين الحق والباطل لتزداد حيرة المواطن البسيط حول تفسير احقية الباطل والحق …
رغم كل تلك المتاهات والضياع الفلسطيني نجد ومن خلال تلك الظْلمة بارقة أمل في النفوس الخيّرة من أبناء هذا الوطن والإستفاقة العظيمة لشعبنا الذي كان له الدور الاكبر لاستفاقة بعض قادته بعد غيبوبة نشوة الانتصار الأخير وتناسى آن ذاك أن الأخر ما هو إلا اخية او أبيه او ابن عمه او احد جيرانه فهل يستفيق القائد حقّاً ويسير على ركب ما تمناه الشعب لتعود الحياة من جديد الى مجراها الطبيعي وينتصر الإنتماء للوطن أولاً وأخيرا ويعود الغريب وتستكين الارواح