في ظل الانقسام وغياب الرقابة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية الممثلة بحكومة التوافق، وتدهور الوضع الخدمي والمعيشي ووصوله إلى حالة مزرية وخاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة, وحرق الأخضر واليابس فيها, دفع بالمواطن إلى التساؤل من المستفيد من كل ذلك والى أين ستصل الأمور؟ وهل ما يجري من لقاءات مكثفة وتصريحات تطمينية يخرج بها ممثلين القوى والفصائل الوطنية والإسلامية والكتل السياسية بين الفينة والأخرى وبعد جلسات طويلة هي واقع يجب تصديقه أم يجري خداع وتهدئة أعصاب فحسب؟ وخاصة وبعد أن استبشر المواطن خيرا بعد تشكيل ما يسمى بحكومة التوافق الوطني, ولم يظن أن ما يجري ضحك على الذقون وصراع لكسب الوقت والامتيازات والذي يعتبران فيه أنهما من أهم المكاسب المتحققة في نظرهم, وتحت ذلك كله فالمواطن يعيش أصعب الظروف المعيشية وخاصة وان آلاف العائلات أصبحت الآن بدون مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء, وهي تعاني من فقدان ابسط الخدمات كالماء والكهرباء والوعود لا تنتهي بالتحسين والسيطرة على الأزمات التي لم تعد تجدي نفعاَ.
إن المواطن الفلسطيني يتساءل دوماً وهذا من حقه، عن تاريخ محدد أو حتى متوقع لانتهاء معاناته ومأساته وهمومه اليومية، والتي يعيشها منذ سبعه أعوام وبضعة شهور؟ وهو يريد أن يعرف متى يتوقف الانقسام بحق وحقيقي، ومتى تنتهي حالات التشرذم والمهاترات والاتهامات بين هذا وذاك؟ ومتى تستعيد وزارة الداخلية في حكومة التوافق سيطرتها على الشارع؟ ومتى يستطيع الأب والأم أن يطمئنا بأن أبناءهما سيعودون من مدارسهم ووظائفهم وأعمالهم إلى بيوتهم سالمين وخاصة بعد أن دخلت البلاد إناس أغراب بأسماء ومسميات، وبدءوا يصدرون بيانات تهديديه ووعيد لهم؟ وأخيراً يتساءل : متى سيبدأ إعادة إعمار ما دمره الاحتلال على مدار السنوات السبع المنصرمة؟
إدراك المواطن بأن مهمة الحكومة الحالية ليست بالهينة، بل إن آلاف من العقبات قد وضعت وستوضع في طريقها، ومن بين واضعي هذه العقبات من المواطنين أنفسهم، وآخرون من بعض المتنفذون بالوطن، وقسم آخر منهم من أصحاب القرار، إضافة لدول ليست صديقة لنا، مرورا بإسرائيل وقواتها الغاشمة، ويدرك أيضا بأن الحكومة في موقف لا تحسد عليه ولكنه، أي المواطن الفلسطيني، يريد منها أن تنجز ما تعهدت به خلال حلف يمينها أمام السيد الرئيس أبو مازن وأمام مسمع ومرأى من الجميع سواء داخل الوطن أو خارجه، لأنه يعتقد بأن جميع الأطراف التي تشارك في هذه الحكومة (حكومة التوافق الوطني) كما أطلقوا عليها، تستطيع إن هي أدت تعهداتها أن تنجز الكثير في المجال الخدماتي والتنموي والتأهيلي وإن نويت على ذلك وكان لديها الرغبة لذلك، ولكن حتى هذا اليوم فإننا نرى بعض الأطراف في الوطن الفلسطيني والتي قامت بتزكية وترشيح وزراء وحصلت على مواقع وزارية في الحكومة الحالية لا تبذل أية جهود فيما وضعت على نفسها من التزامات, وليس في ذكر هذا محاولة لإيجاد المبررات والأعذار للحكومة أو للتغطية على بعض إخفاقها في المجال التعمير والبناء، والمواطن مع إدراكه لجسامة ما تواجهه الحكومة من تحديات فانه في أشد الحاجة إلى رؤية ما يطمئنه إلى أن الاتجاه العام يسير نحو تثبيت الأمن وتحقيق الأمان والازدهار والنماء، ولربما كان صبوراً لو رأى بصيص ضوء في نهاية النفق كما يقولون.
من أوليات الحكومة بعد تشكيلها توفير الأمن والخدمات بشكل عام وفي مقدمتها الكهرباء والعمل بأسرع وقت على إعادة الإعمار, وتشريع القوانين التي تصب في خدمه المواطن وتعمل على رفاهيته بعد عقود من الزمن عاشها تحت رحمه العازه والفقر وشظف العيش والبطالة, وكذالك تقليص المصروفات الكبيرة التي تصرف على السفارات والقناصل والمسئولين والوزراء, ناهيك عن ما يتقاضونه من رواتب خياليه ومخصصات وامتيازات لا حصر لها, ولم يسبق لغيرهم لا في فلسطين ولا في دول العالم من الحصول على مثلها, وهذا كله يرهق ويستنزف ميزانيه الدولة في الوقت الذي يحرم المواطن من ابسط حقوقه في جميع المجالات وتوقف وتعثر كثير من المشاريع الخدمية والاقتصادية والصحية والتنموية, بسبب قله التخصيصات, وكان الأجدر بالحكومات السابقة أن تقوم ببناء مجمع إسكاني لأعضاء المجلس التشريعي والذي تعادل تكلفته إيجار سنه في الفنادق التي ينزلون بها, في كل جلسه نقاش او استفسار او وضع القوانين, والاستفادة منه في كل دوره برلمانيه بدلا من صرف آلاف الدولارات.
نحن كمواطنين نطالب الحكومة بعدم التخبط في اتخاذ قراراتهم وان يضعوا المواطن نصب أعينهم وفي حدقاتها, والعمل على خدمته وتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتعويضه عن ما لحق به من ظلم واستبداد وتشريد وخراب ودمار وحروب, وتشريع القوانين فورا والتي من شأنها أن ترفع عن مستواه المعيشي.
إن المواطن الفلسطيني لم يعد يعبأ لما يجري على الساحة السياسية من تطورات ولا يلحظ النتائج التي وصلت إليها العملية السياسية وبجميع أحداثها الكبيرة والصغيرة بهذا, ولا يهتم بها كسابقه لكونه يشعر بأنه غير معني بها, فهو بحاجة إلى من يناقش أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات والمواد البترولية وأسعار الكهرباء التي لم نشاهدها أصلا, علاوة على الأسعار الغالية للشقق, فكيف ستطفأ الحكومة العاجزة نار الأسعار الملتهبة، لتخفف عنه جزء من معاناته التي أثقلت كاهله ونغصت عيشه، مع وجود العديد من المنغصات الأخرى, لم تستطع الحكومة من تدارك فشلها وعدم قدرتها على وضع الحلول الملائمة لتسوية الخلافات الحادة التي تعصف بالوطن، وبشكل يحفظ لها ما بقى من ماء وجهها، لتصدر تلك الأزمات من دائرة السيطرة إلى فضاء الإعلام المتنوع وصاحب الوجوه المتغيرة، لينقلب الوضع في فلسطين, من السيئ إلى الاسوء, في ظل تزايد وتبادل الاتهامات ما بين هذا وذاك وما بين مسئول كبر ومتنفذ وما بين وزير, وما بين فصيل سياسي ورئيس وزراء, وما بين سفير وغفير, حتى لم يعد بمقدور المواطن البسيط من تميز وتشخيص من هو المحق من غيره، وكبر حجم الفجوة وربما اتسع إلى مستوى لم يعد ينفع معها أي علاج أو تدخل لاحتوائها، ولتنطلق المبادرات المتعددة للم الشمل ورئب الصدع من جديد, ولكن حسب الظاهر أن المبادرات الميمونة لم توتي أكلها ولم تحقق أهدافها المنشودة، بل أقول بصراحة عقدت الأمور وجاءت بنتائج عكسية وشنجت الأحداث، ولم تسجل اللقاءات المرتقبة أية ملاحظات مهمة تعد أساسيه، على صعيد طوي صفحة جديدة من اجل إصلاح المسار وتقويم الخلل الذي أوشك أن يطيح بالعملية السياسية برمتها، ولم ينقل الإعلام موقف لأي فصيل سياسي او حزب وطني يدل على جدية عملها لسبق الانفلات، أم أنهم أيقنوا أن الأمور وصلت إلى مفترق طرق من الصعب إيجاد حلول لها بهذه الشكل وتقتنع جميع الأطراف بها...!
إن الظروف البالغة الخطورة والحساسية والعصيبة جدا التي يمر بها وطننا اليوم يلزم فيها على جميع شعبنا الفلسطيني بقواه وفصائله وشخصياته المخلصة المؤمنة والوطنية العمل يدا بيد للم الشمل الفلسطيني وتوحيد الصف والموقف والكلمة والإرادة قبل أن يعود وتمزقه رياح الفتنة والنفاق والخيانة والانقسام العاصفة به، وقبل أن يتمكن الاحتلال والإرهاب من تقطيع الوطن وتمزيقه ودفع أبناء الوطن الفلسطيني الواحد نحو حرب أهلية لا تحمد عقباها، فقد بلغ الأمر في الشارع الفلسطيني من الخطورة ما يستلزم إجراء عملية قيصرية سريعة من قبل عقلاء القوم وكبار قادته السياسيين والوطنيين والأحرار والمستقلين والشخصيات المجتمعية والاعتبارية، وخاصة رجال الدين المسلمين والمسيحيين بوطننا الفلسطيني للحد من حالات الانقسام الذي قوض كل مقومات الحياة في وطننا.
وعلى القيادات التي لها التأثير الكبير على الشارع الفلسطيني شد عزمها وحزمها والعمل سوية وبسرعة لرأب الصدع ودرء الفتنة ووأد نار الانقسام طالما أنها لا زالت فتية وفي بداية الطريق لإخماد نار الحقد والكراهية والعداء التي شبت بدوافع وهمية ونفاقية وفتنة أختلقها أعداء شعبنا وقبل فوات الأوان وقبل أن يتمكن العدو من تسديد سهام حقده على وطننا وشعبنا وحرق الأخضر واليابس مرة أخرى وحينئذ سوف لن يجدي الندم نفعا لفلسطين وشعبها وجميع قواه الوطنية والإسلامية.
آخر الكلام:
عندما يرفع المرء شعاراً، أو يتلفظ قولاً، ويقطعُ عهداً، فعليهِ تطبيقه أو يموت دونه، وإلا فهو الخزي والعار الأبدي، وكما قال الشاعر:
لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلهُ.......عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
اعلامي ومفوض سياسي