اجل .. لقد قتلوا الطفلة رزان يا سيادة الرئيس

بقلم: نافذ غنيم

كان قد أصابها مرض قاسي بحاجة لعلاج فوري داخل إحدى المستشفيات الإسرائيلية، وبسبب تلكؤ وتباطوء دائرة العلاج بالخارج في منحها تحويلة طبية للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية لما يقارب الأسبوع، وبسبب سوء تعامل الارتباط المدني الفلسطيني مع الأمر، وعدم جديته في الحصول على التنسيق المطلوب في الوقت المناسب لدخولها إلى إسرائيل لمعالجتها كحالة عاجلة، ماتت الطفلة "رزان صلاح" بعد أن أصابها نزيف دماغي لم يمهلها طويلا لتفارق الحياة ،ولتبقى لعنات براءتها تطارد كل من كان سببا في سلبها الحق بالحياة .. هم اطفأوا النور في عينيها، واقتلعوا البسمة من شفتيها، واعدموا برأتها، وسرقوا منها أحلامها وأمالها .. اختلسوا كل تلك المواقف واللحظات التي كانت لها معاني رقيقة في وجدانها ووجدان أسرتها وأترابها .. اجل هم كذلك، لكنها كشفت وقاحتهم وحقارتهم .. أقامت الحجة والبرهان على تقصيرهم وإهمالهم وفسادهم، لكن بكل أسف كان ثمن ذلك حياتها وحقها الطبيعي في الحياة .

جريمة الطفلة رزان المقيمة وأسرتها اللاجئة في محافظة رفح، والبالغة من العمر إحدى عشر ربيعا، هي مأساة من آلاف الماسي التي يواجهها شعبنا في قطاع غزة المنكوب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا وقيميا .. المشوه في كل تفاصيله حد الوجع الذي يغزو قسمات وجوهنا، ليصل إلى مخادع أطفالنا سارقا منهم كل شيء.. هي تفاصيل أراد لها العابرون فوق جثت أطفالنا أن تكون، ليحققوا مأربهم حيث لا إنسان ولا وطن ولا قضية .. لقد طال الهم والإحباط كل أشياؤنا حتى بتنا غرباء عن وطننا، ويتمنى الكثيرون لو انشقت السماء لتأخذهم إلى واقع غير الذي نحن عليه .. واقع لم نكن نتخيله حتى في اسواء كوابيس أحلامنا، كل شيء يرتفع ثمنه حتى أرذل الأشياء، إلا قيمتنا كبشر في هبوط مطرد، لقد تحول واقع الغالبية وبخاصة الغلابة من أبناء شعبنا إلى حال يرثى له، لم نعد نأتمن على حياتنا ولا حياة أبناؤنا، فمن لم تمزق أطفاله صواريخ القتل الإسرائيلية، يمزقهم ويصادر أرواحهم بؤس الحال والفساد المستشري في كافة التفاصيل .. للأسف هناك انهيار في كل شيء، في الانتماء.. في الأخلاق .. في نبل التعامل مع المواطن كانسان .. في الضمير الحي المتفاعل مع قضايا الناس وهمومهم .. في كل شيء ولا شيء سلم من ذلك .

رحلت رزان لسوء التعامل من قبل دائرة العلاج في الخارج، وبحجة "الفاكس" المعطل عند الارتباط المدني .. رحلت لأنها لا تعنيهم بشيء، فهي ليست احد أبناء المتنفذين أو المسئولين، لأنها لو كانت كذلك لوجدوا ألف طريقة وطريقة لانجاز الأمر والحصول على التحويلة الطبية المناسبة في غضون دقائق، ولترتيب التنسيق المطلوب مع الجانب الإسرائيلي ولو عبر الشياطين.

فارق النور عينا رزان ولم يفارق ظلام الفساد وسوء الإدارة حالنا، ليواصل حصد المزيد من أرواح المساكين والغلابة الباحثين عن حياة كريمة وحق طبيعي في العلاج من اجل العيش... رحلت رزان، ولم تعد هناك جدوى من كل المناشدات لأنها ما عادت موجودة تنعم بحضن والديها، لينعموا هم باشراقتها الشمسية كل صباح، وبضحكتها الوردية التي تحاكي وميض القمر .. ومع مأساوية كل ذلك يمكننا أن نمنح روح هذه الطفلة قليلا من السلام والراحة الأبدية من خلال شيء واحد فقط، وهذا ما نتمناه عليك سيادة الرئيس أبو مازن، أن تصدر تعليماتك العاجلة بتشكيل لجنة تحقيق في هذا الأمر وكافة ملابساته، للكشف عن تلك الأيادي السوداء التي تسببت في هذه الجريمة النكراء، ومحاسبة كل من يثبت إدانته اشد حساب، لوضع حد لمثل هذه الجرائم التي تستهدف حياة المرضى الأبرياء، ولكي تكون مثل هذه المحاسبة الجادة عبرة للآخرين الذين يتعاملون مع أبناء شعبنا وفقا لأهوائهم ومصالحهم ونفسياتهم المريضة .. نتمنى عليك سيادة الرئيس ذلك انطلاقا من أن الطفلة رزان وكل أطفال فلسطين ومستقبلهم هي مسئوليتك الوطنية والاجتماعية والإنسانية في المقام الأول .

هي صرخة سيادة الرئيس من أسرة وعائلة شهيدة الإهمال والتقصير" رزان محمد صلاح"، وهي صرخة يشاركهم فيها كل أحرار بلادنا الطامحين لمستقبل مشرق تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة، مستقبل يتخلص فيه شعبنا من الفساد والمفسدين الذين لا يقيمون وزنا لإنسانية الإنسان، لتنحصر حساباتهم في خانات ضيقة رخيصة كما نفسياتهم المريضة .