واضح باننا الان وبالتحديد من بعد أنتهاء الحرب العدوانية على قطاع غزة بالشكل العسكري،قد دخلنا مرحلة "التهجيص" و"التخبيص" السياسي،حيث نرى بأن حالة التحريض والمناكفات الداخلية بين مكونات ومركبات العمل الوطني والسياسي وأطرافه الرئيسية(فتح وحماس)،طغت على أي اهتمامات أخرى،وأصبح الشغل الشاغل لقيادتهما وحتى قيادات السلطة في رام الله وغزة،عقد اللقاءات والمؤتمرات الصحفية،ونشر البيانات والرسائل والوثائق،التي كلها تصب في خانة شيطنة كل طرف للطرف الآخر،وكيل الإتهامات له،لتصل حد التخوين والتفريط والطعن بوطنيته ومصداقيته،وتنفيذ اجندات وخدمة مشاريع مشبوهة،وحتى الفضاء العربي والإقليمي زج به وجند خدمة لذلك.
التهجيص" و"التخبيص" السياسي بدات حدته بالإرتفاع ونبرته بالإعتلاء بعد توقف الحرب والعدوان على غزة،فقبل الحرب كنا نشهد حالة غير مسبوقة من "التهجيص" و"التخبيص" السياسي،كادت تعصف بحكومة ما يسمى بالوفاق الوطني،على خلفية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل،ومن ثم قضية رواتب موظفي سلطة"حماس"وما جرى من تعديات على البنوك وإلاغلاق لها من قبل انصار حركة حماس،خلافات برزت بشكل حاد بين حركتي فتح وحماس،حول قضايا الحصار والإعمار والمصالحة وحكومة الوفاق الوطني،ولكن جاءت الحرب العدوانية على قطاع غزة،لكي توقف هذه الحالة،ولتعطي زخماً لتوحد كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على إختلاف مركباته ومكوناته ومنابته وتوجهاته خلف مطالب المقاومة،توحد كنا نامل ان يشكل حاضنة وقاعدة لإنطلاقة جديدة،من شأنها ان تنهي الإنقسام وتحقق المصالحة،وتشكل إنطلاقة جدية لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني،لكي يستعيد الوطن ومؤسساته وحدتهما،ولكن كل ذلك تبخر على مذبح المصالح الفئوية وحب السلطة والأجندات الخاصة،حيث تصاعدت بشكل كبير حدة المناكفات وعمليات التحريض الداخلي،ولتنشر صحيفة الأخبار اللبنانية محاضر لقاءات الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس مع امير قطر تميم،والتي اتهم فيها الرئيس حماس بالكذب عليه،وانه تقود مؤامرة من اجل إسقاط سلطته،وهي تريد التحكم بقرار الحرب والسلم،وتقيم حكومة ظل فيب غزة،ولترد حماس على الرئيس بأنه ليس رئيس توافقي بل هو رئيس بحكم الأمر الواقع و"دكانته السياسية"مفلسة ،وبرنامجه السياسي ليس برنامجنا ولا نعترف به..وليصل الأمر حد القول بأن هذا الرئيس يهذي..ويمتد مسلسل الردح ليصل الى ابعد من ذلك لجهة التخوين والتفريط...فهل هذه مصالحات تاريخية وحوارات لصالح الشعب الفلسطيني...؟؟.
وعملية الردح والردح المضاد لم تتوقف عند هذا الحد،بل ارتفاع وتيرتها وحدتها،أصبحت تشكل عائقاً امام عمليات الإعمار،في خلاف مستعر على من هو المسؤول وصاحب السلطة في هذا الجانب،فالرئيس يقول بأن حكومة الوفاق هي المسؤول الأول والأخير عن الإعمار،وأية اموال يجب ان تمر من خلالها،وحماس تتهم حكومة الوفاق بالمماطلة وإهمال قطاع غزة وعدم قيامها بمسؤولياتها ودورها تجاه القطاع،واسرائيل تستغل ذلك لفرض شروطها وتدخلاتها في عمليات الإعمار،والمجتمع الدولي يتباطأ في تنفيذ إلتزاماته وتقديم الأموال لإعادة الإعمار،والناس اوضاعها تزداد سوءاً،وبقي اكثر من مئة ألف مواطن شردتهم الحرب العدوانية جراء تدمير منازلهم،يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ظل طقس شتوي شديد البرودة.
ومرحلة "التهجيص" و"التخبيص" السياسي دخلت منحى جديد وخطير،بحيث أصبحنا نقترب من عودة إراقة الدم الفلسطيني والدخول في صراعات وحروب داخلية،وتجاوز كل الخطوط الحمر،كما حصل في تموز/2007 وإستيلاء حماس على السلطة في غزة،حيث انه في ذروة الإستعدادات من اجل إحياء الذكرى العاشرة لإستشهاد القائد الرئيس أبا عمار،جرت عمليات تفجير طالت منصة إحياء الذكرى ومنازل وسيارات (17) من قيادات حركة فتح في القطاع،وهذا التطور الخطير صعد من حدة التراشق الإعلامي والمناكفات ،التحريض والتحريض المضاد،وخرج الرئيس لكي يوجه إتهام مباشر لحماس بالمسؤولية عن ما حصل،ورغم نفي حماس لمسؤوليتها عن ذلك،إلا ان عدم الوصول للفاعلين الذين واضح انه لم يقوموا بعمل معزول او فردي،بل القدرات والإمكانيات والأهداف المختارة،تؤشر الى انهم لديهم اجندة وهدف سياسي واضح،جوهرة عدم إنهاء الإنقسام ورفع الحصار وإنطلاق حكومة الوفاق الوطني،فهذا يجعل حماس في دائرة الإتهام كونها المسؤول الأول والمباشر عن القطاع من الناحية الأمنية.
زادت حدة ووتيرة مرحلة "التهجيص" و"التخبيص" ففي ذروة العدوان والحرب الشاملة التي يشنها الإحتلال على مدينة القدس،والتي تفترض من الجميع الترفع عن كل خلافاتهم واجنداتهم،وتوحيد كل جهودهم وطاقاتهم لدعم اهل القدس وصمودهم في مواجهة ما يتعرضون له من قمع وتنكيل،وحرب تطالهم في كل تفاصيل ومناحي حياتهم،وبما يهدد وجودهم وبقائهم في المدينة،وجدنا فضائية فلسطين تخرج علينا،لكي تستضيف احد الصحفيين المصريين الرداحين والشاتمين لفلسطين والفلسطينيين،والإستضافة لم يكن الهدف منها خدمة المشروع الوطني او القضية الفلسطينية،سوى الردح والشتم والتجريح بحق حركة حماس وتشويهها وشيطنتها،وبما يدفع الأمور نحو المزيد من التعقد والتدهور،ولكي تزيد من حالة فقدان الثقة والإحباط واليأس بين الجماهير الفلسطينية من الفصائل والأحزاب والسلطات القائمة(رام اللع وغزة)،وبان الأولوية لأجنداتها ومصالحها ومشاريعها وتحالفاتها وعلاقاتها،وليس للوطن والمشروع الوطني.
وجاءت عملية الردح والردح المضاد والإتهامات بين رئيس الوزراء رامي الحمد الله ورئيس كتلة فتح في التشريعي وعضو لجنتها المركزية عزام الأحمد،حول من المسؤول عن طرح اسم السيدة خولة الشخشير لكي تكون وزيرة التربية والتعليم في حكومة الحمدالله على فضائيتي فلسطين والفلسطينية،وكذلك الحديث عن مؤامرة على الرئيس يشترك فيها امين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبدربة وعضو مركزية فتح المفصول محمد دجلان ورئيس الوزراء السابق سلام فياض ودولة الإمارات العربية،لكي تكشف بوضوح بأننا امام حالة"تهجيص" و"تخبيص" سياسي غير مسبوقة،تنعدم فيها المسؤولية،وتستخدم فيها كل الوسائل غير المشروعة،لخدمة اجندات واهداف ومشاريع سياسية ليس لها علاقة بالوطن ولا بالقضية الوطنية لا من قريب او بعيد.
إن جماهير شعبنا الفلسطيني وكل الغيورين على المصلحة الوطنية من كل القوى والحزاب والمؤسسات المجتمعية،بات عليه التحرك نوبشكل سريع،لكي تقول لمن يمارسون "التخبيص" و"التهجيص" السياسي بحق قضيتنا ومشروعنا الوطني،يكفي ففلسطين وقضيتنا ومشروعنا الوطني ليست مزرعة لكم،ونحن لسنا قطعان أغنام.