لست بحاجة لأن تعرف تفاصيل اعتقاله في الولايات المتحدة الأمريكية، وأزمة الراي العام الدولي التي صاحبت اعتقاله ونية الإدارة الأمريكية تسليمه إلى سلطات الاحتلال، ولماذا تطوع طاقم من المحامين الدوليين على رأسهم رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي السابق للدفاع عنه، وكيف تراجعت حكومة الاحتلال عن تعهداتها بالافراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 1983، لست بحاجة لمعرفة كل تلك التفاصيل من التاريح النضالي للأخ زياد أبو عين، يكفي أن تستمع إليه قليلاً لتعرف المفردات النضالية التي تسكنه والتي لا يروق له تطويعها في صالونات الثرثرة الفكرية، بقدر ما يجد معانيها الصادقة في العمل الجاد دون كلل أو ملل.
عرفت الأخ زياد ابو عين عن قرب بحكم الزمالة التي تربطنا في المجلس الثوري لحركة فتح، تمتع بقدرة فائقة على العمل والحركة، كأن السكون من الصفات التي غادرته دون رجعة، دوماً يسارع للالتقاء بزملائه في المجلس الثوري القادمين من غزة، يسأل عن الاهل في الشق الآخر من الوطن، لم تحاصره الجغرافيا قط بل دوماً جعل من التاريخ مادته التي تجمع الشتات، امتلك قدراً كبيراً من الجرأة في الإفصاح عن قناعاته دون خوف أو وجل، لم يفتح للتذلف شباكا يمكن أن يلج إلى شخصيته من خلاله، بذلك حافظ على احترام ذاته فأجبر الآخرين على احترامه، عزز من ذلك الابتسامة التي عاشت ظلاً له حتى في أكثر اللحظات شدة.
آمن بالمقاومة الشعبية بالطريقة التي يجب أن تكون عليها، لا بالطريقة التي تبقيها رهن الشعارات الفكرية في صالونات الثرثرة بعيداً عن ممارستها على أرض الواقع، المقاومة الشعبية التي آمن بقدراتها هي تلك التي تلتحم مع الاحتلال على الأرض في مكونات حياتنا المختلفة، يعلم أن المقاومة الشعبية تمتلك من القدرات ما يمكنها من تمهيد الطريق للدولة المستقلة، لكنها تحتاج لأن نخرج مفاهيمها من شرنقة القول إلى آفاق العمل.
اللقاء الآخير الذي جمعني بالأخ زياد أبو عين كان على هامش دورة المجلس الثوري الأخيرة، تحدث يومها برؤية واضحة لمقاومة الاستيطان، هذه الخلية السرطانية التي تلتهم يومياً المزيد من الجسد الفلسطيني، الاستيطان بحاجة إلى مقاومته أكثر من الهرولة وراء سراب تجميده، ومقاومة الاستيطان يجب أن نستحضر لها اللوحات النضالية التي يشارك في رسمها كافة فئات المجتمع الفلسطيني في الحقل وعند جدار الفصل العنصري وحول الحواجز العسكرية، وقبل كل ذلك في شوارع وأزقة القدس وباحات واسوار المسجد الأقصى.
استشهد الزميل د. زياد أبو عين بين مفردات العمل التي آمن بها، ستبقى لوحة استشهادة من اللوحات النضالية المميزة في تاريخ شعبنا، وهي في ذات الوقت تدفعنا لترجمة المقاومة الشعبية بذات المعاني التي آمن بها التي تجعل من الالتحام مع الإحتلال على الأرض مكاناً لها، المقاومة الشعبية تتجسد حقيقتها بالطريقة التي حدد ملامحها الشهيد زياد ابو عين.