التنسيق الأمني والاستثمار الرباعي

بقلم: نبيل عمرو

أربعة أطراف تستثمر في موضوع التنسيق الأمني، السلطة الوطنية وحماس والولايات المتحدة وإسرائيل، ولكل من هذه الأطراف الأربعة طريقته ومنهجه في استثمار هذا المصطلح.

السلطة الوطنية ترى فيه ورقة الضغط الأساسية، إن لم تكن الوحيدة على الأمريكيين والإسرائيليين. وحركة حماس ترى فيه تبريراً منطقياً لضعف أدائها الكفاحي في الضفة الغربية، وإدانة جاهزة ودائمة لسلطة رام الله "المتعاونة مع إسرائيل". والولايات المتحدة الأمريكية، التي ترعى هذا التنسيق بالجملة والتفصيل، ترى فيه العمود الفقري لمجمل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، والمانع الوحيد ربما من انهيار شامل ونهائي لمشروع السلام، وباباً مفتوحاً على رياح الفوضى والتخريب. أما إسرائيل التي لم تعد ترى من أوسلو إلا هذا المصطلح، فلها طريقتها في استخدامه كورقة صالحة في اتجاهات متعددة، أي انه عقدة المواصلات الحتمية لكل مكونات العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، بل إنه المشجب الأكثر جاهزية لتعليق اتهاماتها اليومية للسلطة بالتقصير وتحمل المسؤولية عن عمل أي طفل فلسطيني يرشق حجراً على مستوطن أو سيارة عسكرية .

ويعلو الحديث كثيراً في هذا الشأن كلما حدث تطور دراماتيكي، وآخر تطور من هذا القبيل هو قتل الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، في مشهد مؤثر نُقل على شاشات التلفزيون الى جميع أنحاء العالم، فأثار ما أثار من ردود افعال حادة ، خصوصاً على الصعيد الشعبي الفلسطيني، الذي عبر عن استيائه لما حدث من خلال الجنازة الضخمة والعفوية التي شارك فيها كل الفلسطينيين ولسان حالهم في ساعات الهياج الجماهيري المشروع يقول... أوقفوا التنسيق الأمني.

ومع أن السلطة لم تأخذ قراراً بهذا الخصوص، إلا أنها لا تستطيع إخفاء الحرج الشديد من عدم اتخاذ القرار، خصوصاً وأن لا بدائل مقنعة تملكها لإرضاء الشارع الفلسطيني المتفجر بالغضب.

ومما يعمق حرج السلطة، تلك التصريحات التي تصدر عن القادة العسكريين الإسرائيليين، الذين يملؤون الاثير وشاشات التلفزة بالقول ..."إن التنسيق الامني جارٍ على قدم وساق وإن ما تقوله السلطة عن وقفه هو مجرد كلام".

وهنا ينكشف بوضوح شديد، الاستثمار الإسرائيلي لموضوع التنسيق الأمني، فهم من جهة يصبون زيتهم على النار الفلسطينية المشتعلة شعبياً، ويبددون مصداقية السلطة امام جماهيرها، وفوق ذلك يهددون باشاعة الفوضى في الضفة الغربية اذا ما توقف التنسيق الأمني، ما يفتح الأبواب أمام حماس للاستيلاء على السلطة في الضفة.

والذي يعطي هذا الاستثمار الإسرائيلي جدية تبعث على القلق، هو أنها تمتلك ادوات فعالة لاشاعة الفوضى، على نحو يربك السلطة ذات الامكانيات المحدودة أصلاً ويفتح شهية حماس التي تجاهر بحتمية تحويل الضفة إلى نسخة طبق الأصل عن غزة.

وعند هذا الحد يظهر الاستثمار الأمريكي الملح للتنسيق الأمني، من خلال ممارسة ضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، فهم يضغطون على الفلسطينيين بتذكيرهم بالعقوبات التي تنتظرهم لو بادروا إلى وقف التنسيق رسمياً وفعلياً، وبالمقابل يضغطون على إسرائيل لتطرية المواقف والاجراءات، وقول كلمات إيجابية تفتح الأمل باستئناف المفاوضات لا أكثر، لهذا اتصل كيري بعباس طالباً منه ضبط النفس وتجنب محظور وقف التنسيق الأمني، وسيضغط غدا على نتانياهو في لقاء روما بنفس المضمون والعنوان.

وموضوعياً، ومع الأخذ في الاعتبار هذا الاستثمار الرباعي للتنسيق الامني، فإن حقيقة موضوعية لابد من قولها، وهي أن هذا الاستثمار الرباعي يظل سطحياً وغير حاسم في الخلاصات، وذلك لسبب أكثر قوة من اعتبارات المستثمرين، وهو فقدان مبرر التنسيق الأمني في حالة استمرار الإغلاق السياسي، كذلك احتمال فقدان السيطرة على الوضع الشعبي في حال بقاء التنسيق الأمني عارياً عن غلافه السياسي، وهذا ما يظهر جلياً الان في أنحاء كثيرة من الضفة الغربية حيث المبادرات القتالية غير الموجهة من قوى وفصائل، تفاقم الموقف المتفاقم اصلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتجعل من التنسيق الأمني الذي هو حجر الزاوية في اتفاقات وتفاهمات أوسلو وما بعدها، تجعله وراء ظهر الحالة الشعبية وتداعياتها المنذرة بالخطر.