حراك دبلوماسي نشط تشهده العواصم الأوروبية " باريس وروما ولندن" بشأن مشروع القرار الفرنسي المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي بات يحمل صفة المشروع الأوروبي بعد أن انضمت كل من بريطانيا وألمانيا لإعادة صياغة مشروع القرار الذي أعدته وزراة الخارجية الفرنسية، الأوروبيون يرون ضرورة خلق توازن في صيغة القرار تسمح بتمريره في مجلس الأمن دون الإصطدام بالفيتو الأمريكي، السلطة الفلسطينية ابدت عدم قبولها بمسودة القرار وبخاصة ما يتعلق منه بيهودية الدولة، لكنها في الوقت ذاته لا توصد ابوابها أمامه بقدر ما تبحث عن ادخال تعديلات عليه، وهي في ذات الوقت تلوح بمشروع قرارها الذي حظي بموافقة عربية لتقديمه إلى مجلس الأمن في حال عجز المجتمع الدولي عن إيجاد صيغة واضحة مقبوله لها.
الإدارة الأمريكية هي الأخرى لها تحفظاتها على مشروع القرار الأوروبي وبخاصة ما يتعلق منه بالسقف الزمني لإنهاء الإحتلال، وأيضاً لا تروق لها فكرة المؤتمر الدولي لأن في ذلك إنهاء لتفردها بإدارة ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مدار السنوات السابقة، من الواضح أن جولة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في العواصم الأوروبية تهدف للإقتراب بالمشروع الأوروبي إلى وجهة النظر الأمريكية من خلال اسقاط السقف الزمني من جهة، والإكتفاء بمفهوم المؤتمر الدولى في جوانبه الإحتفالية.
السلطة الفلسطينية تدرك أن مشروع قرارها بحاجة لأن تتخطى به حاجزين، الأول يتمثل في تأمين موافقة تسعة دول من أعضاء مجلس الأمن كي تتمكن من وضع مشروع القرار الفلسطيني على طاولة المجلس، وإن نجحت في ذلك فهي بحاجة لأن تتخطى الحاجز الآخر الأكثر صعوبة المتمثل في الفيتو الأمريكي، في ذات الوقت لديها من العناصر ما يدفعها لأن تكون أكثر ثقة في مواجهة الضغوط الدبلوماسية عليها، أولها أن مشروع القرار الذي تحمله يحظى بإجماع عربي وبات عربياً أكثر منه فلسطينيناً، وبالتالي لا بد وأن يكون للإدارة الأمريكية حساباتها، قبل اللجوء إلى استخدام الفيتو، المتعلقة بتأثير ذلك على علاقاتها مع الدول العربية خاصة في ظل تنامي العلاقات العربية الروسية.
وثانياً أن إعتراف البرلمانات الأوروبية المتتابع بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وإن اخذ الطابع المعنوي دون الترجمة العملية له، إلا أن القرارات تشكل أداة ضاغطة على حكوماتها تمنع الأخيرة من الابتعاد عن فحواها.
ثالثاً إن فشل مجلس الأمن في تبني قرار واضح وصريح يتماشى مع مشروع القرار الفلسطيني، بما يضمن وضع سقف زمني لإنهاء الإحتلال والإعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة، يجب ان يفهم منه أن الخطوة الفلسطينية ستكون في اليوم التالي مباشرة بالتوقيع على ميثاق روما والإنضمام إلى محكمة الجنايات الدولية.
ليس من المفيد في شيء أن نستمع لبعض الأصوات التي تحثنا على الانتظار، خوفاً من تأثير التوجه لمجلس الأمن أو الإنضمام للمنظمات الدولية على زيادة قوة اليمين الإسرائيلي المتطرف في الانتخابات القادمة، ولا القبول بمشروع قرار لا يضيف شيئاً إلى القرارات الدولية التي بحوذتنا، المفيد ونحن على أعتاب مجلس الأمن أن يستمع المجتمع الدولي اليوم للغة فلسطينية مغايرة ثابتة غير مترددة، لغة لم يعد بمقدورها استيعاب مفردات التسويف والمماطلة، ولن تقبل بسياسة دولية تمنح حكومة الاحتلال مزيداً من الوقت لإجهاض الدولة الفلسطينية المستقلة.