الحصان الأسود والحرية

بقلم: هاني زهير مصبح

للحرية معاني كثرة، فهي لا تقدر بثمن، فبعد ما مررت به من أحداث في حياتي علمت أنها أغلي ما أملك .
قصتي بقدر ما هي مؤلمة ومؤثرة ولكن في طياتها معاني جميلة ، سهولاً ومروجاً خضراء ممتدة علي مرمي البصر، وروداً في كل مكان والعشب الأخضر مناظر خلابة أعجز عن وصفها، أركض فيها بأقصى سرعة مع أصدقائي ذلك ما كنت أحب، ما ألذ أن أشرب من ماء النهر العذب المنحدر من أعلي صخور الجبال، أما نسائم الهواء العليل التي تهب فتحرك شعري الممتد علي طول ظهري فكانت تزيدني قوة وتحثني علي الركض بأقصى سرعتي، لا شيء يوقفني فأنا حر في كل شيء نعم أنا حر، موطني عائلتي وأصدقائي هم الأجمل .
لكني كنت فضولياً لدي رغبة في اكتشاف كل مكان حولي، أمي وأبي كانا دوماً يحذراني بعدم الذهاب بعيداً لكي لا يراني البشر.
والدتي كانت دوماً تقول لي ابقي حيث نحن هنا في هذه المروج الخضراء بين سهول الوادي تلك المناطق البعيدة عن البشر فهم لا يعرفونها بعد ولم تطأها أقدامهم، إني أخشى عليك فأنت حصان مميز في لونك الأسود الجميل وبنيتك القوية، فأنا خائفة عليك يا صغيري، ولكن غروري كان ما يحركني فأصهل بصوت عالي بمعني لا تخافي يا أمي فهم لا يستطيعون الإمساك بي يا أمي فأنا سريع مثل البرق .
ومرت الأيام، وفي ذلك اليوم ابتعدت كثيراً عن موطني وكان هناك في انتظاري رعاه البقر فأسروني وكبلوني بالحبال، قاومت ولكن بدون فائدة فهم مصرين علي أخذي، فكيف لا وجمالي وبنيتي القوية وسرعتي قد أسرت عقولهم .
ذلك اليوم الذي وقعت فيه أسيراً لرعاه الأبقار، كان يوماً مؤلماً جداً لا أنساه .
كبلوني وسرت خلفهم وكلما حاولت أن أعصي أوامرهم بعدم المشي تعرضت للضرب المبرح حتى وصلت لسجني أي الإسطبل الذي سأعيش فيه، كيف لا يكون سجن وقد كنت أوضع في غرفة صغيرة مغلقة، حتى الطعام في أوقات معينة يضعونه لي، نسيت كيف شكل القمر، أين الفضاء الذي كنت أعيش فيه، كم قاسيه قلوب البشر سلبوني حريتي .
اشتقت لعائلتي ولأصدقائي، الحبال التي تكبلني لا تفارقني إلا عند دخول الحجرة الخاصة في داخل الإسطبل، وذلك السرج الثقيل الذي يضعونه علي ظهري لكي يستطيعوا أن يركبوا علي ظهري ليشعروا بمتعتهم، كم كرهت هذه الأشياء.
ساعات تدريبي الستة خلال النهار هي الأقسى إن امتنعت عنها حرمت من الطعام تلك الأيام حاولت الهرب عدة مرات وبآت جميع محاولاتي بالفشل، كلما خرجت واللجام في فمي والحبل يقيد حريتي والسرج علي ظهري والبشر علي ظهري لم أكن أنظر أمامي، بل إلي جانبي الطريق وأتحسر علي حريتي وعلي المروج والسهول الخضراء حيث كان موطني، وها أنا أسيراً منذ عامين .
وفي أحد الليالي كان البرق شديداً والرعد قوياً ومن شدة ما كنت فيه من تعب وألم من قسوة بعض البشر فتذكرت أمي وأبي كم مرة نصحوني ولم أسمع منهم، كم كنت غبياً يا أمي وكانت الخيول جميعها تصهل بصوت عالي من شدة البرق والرعد وكنت أنا أصهل بأعلى صوتي، ومن شدة الأصوات العالية التي تصدر من الإسطبل جاء الحارس مسرعاً كان يعتقد أن أحداً ما يحاول سرقتنا، وما أن دخل صار يبحث عن أكثر الأماكن فيها ضجيجاً فأتي نحوي، فكنت أصهل وأضرب بجسدي الخشب الذي يحاصرني فأعتقد أن أحد اللصوص دخل حظيرتي ليسرقني وما أن فتح الباب ليتفقد حجرتي فركلته وقفزت عالياً وركضت هارباً خارج الإسطبل وقفزت من فوق الأسوار .
يا لها من ليلة، فهم لم يستطيعوا اللحاق بي فالسماء تمطر والطقس بارد شديد البرودة، كنت أركض كالريح لم أركض يوماً بهذه السرعة، بقيت هكذا طوال الليل والبرق يضيء لي الطريق ليبدد ظلماتي حتى بزغ الفجر وطلع النهار وكلما اقتربت من موطني كنت أصهل بصوت عالي وها قد وصلت إلي موطني وعندما رأيت أمي وأبي وقفت علي قدماي وصهلت بصوت عالي جدا بمعني أمي أبي ها أنا عدت وعادت لي حريتي ولا شيء يكبلني إني اشتقت إليكما فكم أنا أحبكما وما أن اقتربت منهما كثيراً حتى عانقاني فما أجمل أن نعيش بحرية، فحريتكم أجمل ما تملكون نعم إنها الحرية يا أحبابي .
بقلم الكاتب الفلسطيني/ هاني زهير مصبح