في الحقيقة تأتي خلفية هذه المقالة استنادا إلى ما قيل انه المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، والذي تنوي القيادة الفلسطينية طرحه على مجلس الأمن الدولي، وبغض النظرعما نشر اليوم عن تعديلات سيعمل الجانب الفلسطيني على اضافتها، إلا ان هذا الاعلان لم يكن مقنعا للكثيرين، وهذا ما دفع ربما بأحد اعضاء اللجنة التنفيذية للمطالبة بسحب المشروع، كما دعى مروان البرغوثي القيادة الفلسطينية الى مراجعة شاملة وفورية لمشروع القرار.
وقد جاء في مقدمة المشروع بشكل غير مفهوم أو مبرر بالنسبة لنا، إشارة في غير ذات سياق، تشير إلى قرار التقسيم 181، الصادر في 29 نوفمبر عام 1947، والذي يعلمه جميع المهتمين من أبناء فلسطين، والذي يمنح العصابات الصهيونية في نص صريح ما يسمى "دولة يهودية". وبعيدا عن القضايا الاخرى الموجودة في المشروع سوف نقتصر على ما جاء في المقدمة.
حقيقة الأمر ان موضوع الدولة اليهودية، كان منذ البدء هو الهدف الأساس للحركة الصهيونية، التي حاول قادتها ابتداء من هرتسل وحتى يومنا هذا ان يرسخوه على ارض الواقع، وظل "هذا الهدف" بين صعود وهبوط، ومد وجزر، إلى أن وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن، حيث تسعى قيادة الكيان جاهدة إلى إقراره في قوانينها وجعل الكيان دولة يهودية "صرفة"، وان غير اليهودي "والمقصود هنا" الفلسطيني العربي، ليس سوى مجرد ساكن طارئ سيتم التخلص منه آجلا أو عاجلا.
هذا الواقع الذي تحاول قيادات الكيان الحالية ترسيخه بكل ما في الشخصية اليهودية من صلف وعنجهية، يأتي في ظل واقع عربي بائس، وواقع فلسطيني أكثر بؤسا، وصار موضوع يهودية الدولة هو السمة الأبرز في كل الاتصالات والمباحثات بين دولة الاحتلال وباقي دول العالم.
المشكلة هي ان الهدف الصهيوني الذي كان وما زال معروفا للقيادات الفلسطينية المتعاقبة، يتم التعاطي معه من قبل البعض الفلسطيني بشكل غريب حتى لا نقول "مريب"، من خلال محاولات استرضاء بعض الأطراف العربية أو الدولية، على حساب الحق الفلسطيني الناصع، والذي يحاول البعض "تقزيمه" عاما بعد عام، وشهرا بعد شهر ويوما إثر يوم.
ان يهودية الدولة تعني فيما تعني، ان دولة الكيان تصنف نفسها على أساس ديني، وهذا ما سوف يقود بالضرورة إلى صراع ديني لن يستطيع احد لجمه ولا يعرف احد إلى أين سيقود، هذا من جهة، وأما من جهة أخرى، فان ذلك سيجعل من أبناء فلسطين 48 في مهب الريح، وسيجعل حقوقهم أيضا قابلة للاندثار، عدا عن إمكانية القيام بعملية قسرية "ترانسقير" لن تبقي منهم وخاصة في المثلث إلا القليل جدا هذا ان بقي.
إضافة إلى ذلك فان يهودية الدولة وخاصة في ظل التوجهات السياسية المستندة إلى الإرث التوراتي، يعني القضاء على حل الدولتين، وذلك من خلال إعادة الحلم الصهيوني بإقامة "إسرائيل الكبرى"، عدا عما يشكله من مخاطر على الوجود الفلسطيني برمته في أراضي فلسطين التاريخية بشكل عام، واستباحة تامة لكل ما هو عربي فلسطيني إسلامي ومسيحي.
يهودية الدولة بمفهومها الديني تعني استباحة الأراضي الفلسطينية بشكل أكثر سوءا، وذلك من خلال زيادة النشاط الاستيطاني خاصة فيما يدعى الأماكن اليهودية المتناثرة في الأراضي الفلسطينية، وتحت عباءة يهودية الدولة سوف يشرعن هؤلاء لأنفسهم مزيدا من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية أينما كانت وبحجج وذرائع مختلفة.
وبالعودة إلى مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، وإذا كان لا بد من الإشارة إلى قرار التقسيم 181، فانه كان أولى بالقيادة الفلسطينية، أو من يقف وراء طرح الموضوع، ان تتم الإشارة إليه من خلال عدم الممانعة والقبول به كحل، وهذا يعني الحديث عن دولة عربية على القسم المنصوص عليه في قرار التقسيم، والعمل على تطبيق القرار بكل تفاصيله، لا ان يتم التعامل مع جزئية منه هنا أو فقرة منه هناك.