تصريحات "صلاح بردويل" تسقطه في وحل التيه السياسي وتعميق الانقسام

بقلم: وسام زغبر

أطلق بعض الإعلاميين والكُتاب المحسوبين على حركة حماس فقاعات بالهواء لا شأن لها سوى الهجوم على الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأمينها العام نايف حواتمة، دون أي هدف أو مبرر سوى الإساءة لقيادات ورموز الشعب الفلسطيني وتعميق الانقسام والخروج عن الصف الوطني الفلسطيني.

هذا ما رأيناه قبل عدة أيام في تصريحات صلاح بردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس عبر فضائية الأقصى ووكالة فلسطين الآن التابعتين لحماس، وقبله مقال لـ "مصطفى اللداوي" المقرب من حماس. كل هؤلاء لا هم لهم سوى مصالحهم الذاتية وكيفية إنمائها بل أصبح الشعب والمشروع الوطني الفلسطيني آخر همهم ويعملون كأنهم أوصياء على الشعب الفلسطيني. فتلك التصريحات وغيرها، لا تمت للواقع بصلة وتخرج عن النص وليست أسلوباً للحوار والنقد الموضوعي ولا مبرر لها سوى الهجوم في منحى شعبوي وإقصائي على شخص الأمين العام الرفيق نايف حواتمة.

فهذه ليست المرة الأولى التي تشن فيها حركة حماس هجوماً على الجبهة الديمقراطية، فذلك الهجوم وغيره لا يبدي حرصاً على العلاقات الوطنية الأخوية وعلى طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها وتتطلب حشد طاقات كل قوى الشعب السياسية والأهلية بعيداً عن الهوية الفكرية والتناقض معها لأن الأولوية هو التناقض مع الاحتلال.

فتصريحات الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة لا تصب سوى في النقد والنقد البناء وتدعو حركة حماس إلى مراجعة نقدية لتجاربها الخاطئة والمميتة بحق الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني الفلسطيني، وتدعوها أيضاً إلى تغليب انتماءها الوطني الفلسطيني على الانتماء الفكري والسياسي الإخواني وبعيداً عن السياسات المحورية الإقليمية العربية والشرق أوسطية التي ألحقت الضرر بمصالح الشعب الفلسطيني.

فالجبهة الديمقراطية يا سيد "بردويل"، تحتفي بالنقد حين يكون النقد موضوعياً ونظيفاً وجوهره نحو بناء حياة كفاحية فلسطينية فاضلة، وثقافة وطنية يحترمها الناس، نتجاوز بها الجدران الحزبية المسلحة، والتصحر السياسي، في رؤيتها للسجايا الوطنية النظيفة، التي تنسجم مع روح شعبنا التائقة بكل أطيافها؛ من أجل إنجاز الحضور الوطني الوحدوي الجامع، بما تحمل من محبة ونباهة وطنية أمام شراسة طاغوت الاحتلال، وفي رسم الإرادة الوطنية الجامعة للبديل السياسي والوطني، وخروجاً من «الانقسام وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني».

الجبهة الديمقراطية تدعو دوماً إلى إستراتيجية بديلة تجمع بين السياسة والمقاومة، بين البناء على قرار اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين لتفعيل العضوية في الاتفاقات والبروتوكولات والمؤسسات والوكالات الدولية لتعزيز الحقوق الوطنية ومكانة الدولة الفلسطينية ومحاسبة إسرائيل على جرائمها وبين تصعيد المقاومة الشعبية وصولاً إلى الانتفاضة الشاملة التي لا تتناقض مع حق شعبنا المشروع في المقاومة المسلحة، أي سياسة تجمع بين توليد ضغوطات شعبية ومقاومة الاحتلال بما يجعل كلفة الاحتلال عالية ويجبره على الرحيل.

لقد شاركت الجبهة الديمقراطية بفعالية في كافة اتفاقات المصالحة التي وقعت وعملت على تثبيتها ولكن دائماً حملات التراشق الإعلامي والاتهامات بالتعطيل بين حركتي فتح وحماس هي التي قوضتها. فسقوط الإخوان المسلمين المدوي في مصر برئاسة محمد مرسي في منتصف عام 2013، دفع حقاً حركة حماس لقبول تسويات فلسطينية لحالة الانقسام وتوقيع اتفاق الشاطئ (23/4/2014) واتفاق القاهرة (26/9/2014) ونزول حكومة إسماعيل هنية والقبول بحكومة التوافق الثنائي مع حركة فتح، لأنها تعي جيداً أن مشروعها السياسي الفئوي قد فشل، وأنها بحاجة إلى غطاء سياسي فلسطيني يوفر لها القدرة على تعديل سياساتها وتكتيكاتها دون أن يعني ذلك أنها تخلت بشكل كامل عن مشروعها السلطوي في قطاع غزة، عبر الهيمنة على المؤسسات الإدارية والخدمية والأمنية بعد أن اتخمت مؤسسات السلطة بأكثر من 40 ألف موظف ولاءهم السياسي والحركي لحماس وحدها.

لماذا لم نسمع إعلام حماس وكُتابها ينتقدون تركيا التي تصفها قيادة حماس بأنها الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني في حين أشارت تقارير إسرائيلية أن الوقود التركي لم ينقطع عن تزويد الطائرات الإسرائيلية لضرب قطاع غزة طيلة 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي، وماذا يعني موافقة حركة حماس على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين غزة و"إسرائيل" بعد 51 يوماً علماً أنها رفضتها في الأسبوع الأول من العدوان على غزة رغم التغني بها أيام محمد مرسي خلال عدوان 2012 والتي وصفت المقاومة بالأعمال العدائية.

فبردويل حماس لا تحمل مقابلته على "فضائية الأقصى ووكالة فلسطين الآن" سوى الشتم والردح على رموز وقيادات الشعب الفلسطيني، متهماً تصريحات الأمين العام الرفيق نايف حواتمة بأنها تسير على مذهب "الانتفاع"، دون النظر إلى ما فعلته حركة حماس بالمشروع الوطني الفلسطيني، ودون التطرق إلى مزاريب أموال دول النفط على ضفتي الخليج لحركة حماس، ودون النظر ماذا يفعل السيد خالد مشعل في إمارة أسمها قطر دون نطق كلمة واحدة توقف قتل أطفال غزة بأموال قطرية ووقود طائرات تركية. وعليه؛ فقدت مقابلة "صلاح بردويل" روح النقد والبحث الموضوعي، وتحول إلى قناص معدوم الرؤية بتحسسه من الجبهة الديمقراطية، أما الهدف من هذه الرماية على الأمين العام للجبهة الديمقراطية ليس سوى تصدّيه للانقسام والتيه السياسي... وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، في ترسيخ لقيّم المحاصصة الثنائية ولا سبب آخر ...

جاء في تصريحات صلاح بردويل، أنه "مطلوب رفع نسبة الحسم من ناحية وان يكون النظام مختلط ما بين النسبي والدوائر هذا ما تم الاتفاق عليه في حوار القاهرة بشكل مبدئي ونتمنى أن يتم الأمر بالكامل" .على ما يبدو أن بردويل حماس لا يعي ما يجري في العالم العربي من هزات وارتدادات ولا يعلم أيضاً أن كافة حركات التحرر العالمية اعتمدت نظام التمثيل النسبي الكامل باعتباره النظام الأوحد لشراكة حقيقية والنضال للخلاص من الاستعمار.

للأسف أقول أننا مع كل التقدم المعرفي فيما لا تزال أحلام البعض تتخذ طبيعة النيل منفرداً من غير اهتمام بواقع وهموم الناس، أما آن الأوان ليتخلص البعض من هذه العيوب الأخلاقية، وقد ألفنا ومللنا سماع الكلمات المسمومة المؤلفة على غُلْ مع «الآخر»، بدلاً من الحوار خاصةً في القضايا الوطنية المصيرية.

أريد لهؤلاء من القوم أن يقرؤوا بتمعن وتفحص مقالة الدكتور أحمد يوسف القيادي في حركة حماس، والتي نشرت بتاريخ (8 ديسمبر/ كانون أول 2014) والتي حملت عنوان "الإعلام الفلسطيني وغياب البوصلة الوطنية ..المصالحة الشاهد والشهيد"، أورد منها مقاطع هامة، وذلك لحساسية ملامستها الواقع وكيفية تشخيصه بشفافية دور الإعلام. وإليكم بعض من الاقتباسات، كما يقول د. أحمد يوسف: "للأسف، إعلامنا الفلسطيني بكافة مؤسساته وفضاءاته ينحو نحو الحزبية، فليس أمامه منذ أن وقع الانقسام في يونيه 2007م إلا تأجيج حالة الصراع، والايغال بتعميق العداء والكراهية، وتجريح أطراف الخصومة السياسية، وتوظيف كل إمكانياته ومهاراته باتجاه تسديد ضربات موجعة لهذا الطرف أو ذاك".

ويضيف د. يوسف: "إن ما فعلناه بأنفسنا بعد الانقسام كان جريمة لا تغتفر بحق الشعب والقضية، حيث أضعنا هذا المقدس، وذلك عبر تداولاتنا الإعلامية لمشاهد ولغة حوار سياسي يفتقر إلى أبسط قواعد الأخلاق وأدب الخلاف، وكل ذلك كان يجري – للأسف - على مسمع وبصر المشاهد العربي عبر فضائياتنا العتيدة، والتي تفتقر إلى أبسط قواعد المهنية وما تمثله من أمانة حمل المسئولية، باعتبارها وسائط لها مهمات رسالية محددة، وليس محطات لتنفيس أحقاد ومهاترات هذا الفصيل أو ذاك."

ويتابع د. يوسف: "في الحقيقة، إن ما شاهدناه من أشكال المناكفات والاتهامات وسياقات الردح الذي لا يقف عند أية حدود، والذي صاحبنا في فضائياتنا الفلسطينية خلال السنوات الثمان العجاف من عمر الانقسام، هو الذي ندفع ثمنه غصة وحسرات موجعة اليوم، وذلك بعدم قدرتنا على انجاح المصالحة، وتمكين المخلصين في هذا الوطن من طي صفحة الماضي، برغم كل المحاولات والجهود التي بذلها القريب والبعيد لإخراجنا مما نحن فيه من درك سياسي هابط، إلا أن التعثر والاخفاق – للأسف - هو سيد الموقف، وعنوان واقع الحال البغيض".

ويضيف القيادي في حركة حماس الدكتور أحمد يوسف: " إن المصالحة الوطنية ستبقى متعثرة تراوح مكانها، وستظل دون الوصول إلى غايتها أو تحقيق أهدافها، إذا ظل إعلامنا الفلسطيني جزءاً من المشكلة وليس طرفاً في الحل".

نعم؛ حين يكون الحديث في الأزمة الوطنية والانقسام علمياً وموضوعياً، تكون معادلات المعالجة علمية وموضوعية، ليس عبثاً أننا نطالب بثقافة عامة رفيعة تنبذ الجدران الداخلية في الذات، فهي مؤتمنة على إنسانية رفيعة أيضاً، نحو إسقاط الانقسام ... وإنهاء أزمة المشروع الوطني الفلسطيني بدايةً على طريق فلسطين إلى الحياة ...، فمتى نرى هذه الثقافة التي تربيّنا عليها توصلنا، طالما الحياة خارج الذات تستحق الاحترام ... وهذا هو الفرق بين الحوار واللا حوار ...