غزة 2015 انتظار السكان وتزايد الآلام

بقلم: أكرم أبو عمرو

أكتب هذه الكلمات ونحن نقترب بسرعة من باب عام 2015 لنلج إلى عالم واسع هو بالنسبة لنا مجهول حتى الآن ، فماذا تخفي لنا اثني عشر شهرا قادمة ، أقول مجهولة لأننا نعيش الآن حالة على درجة كبيرة من التعقيد والتركيب عنوانها الوحيد الخلاف والاختلاف والمعارضة والتعارض ، لا نعرف شعبا على وجه هذه الأرض لديه من صور الاختلاف أكثر مما هو موجود في شعبنا ، الأمر الذي استشعرناه منذ زمن ، مئات المنشورات التي كتبتها على صفحة التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى عشرات المقالات المطولة والتي نشرت على صفحات الصحف ومواقع الانترنت ، ،تناولت في معظمها هذه الظاهرة بصورها المختلفة ، وكم كانت الدعوات لنبذ الخلاف والاختلاف لسبب واحد وبسيط هو أن هذا الخلاف والاختلاف مختلق لأننا شعب واحد شديد التجانس الاجتماعي والفكري والثقافي والتاريخي . فلماذا الاختلاف ، لماذا عدم الاتفاق والتوافق ، لماذا اشتد الاختلاف على ارض الوطن ، علما بأنه لم يكن الخلاف على هذه الدرجة في الخارج ، الحالة التي وصفت يوما بالديمقراطية في غابة البنادق ، لكن وعلى ارض الوطن صوبت البنادق يوما إلى صدور الإخوة، إخوة الدم ، إخوة الكفاح ، إخوة المصير ، لماذا ؟ لماذا كتب على شعبنا هذه المعاناة الناتجة عن مناكفاتنا وخلافاتنا ، ونجافي الحقيقة كثيرا إذا ما أسندنا هذه المعاناة وحجمها إلى أعدائنا فقط ، بل في اعتقادي نحن ساهمنا في هذه المعاناة بالقدر الذي ساهم فيها أعدائنا ، والسئوال أما آن الأوان لكي يستريح شعبنا من هذه المعاناة ،
نذكر هذه الكلمات ونحن ننتظر ما يخفي لنا العام 2015 ، لان ما رأينا وعايشناه في العام الذي نودع أيامه الأخيرة لا بترك لنا فرصة للتفاؤل في العام الجديد ، لأننا نعيش نفس الحالة ، ونفس النهج ، المعارضة من اجل المعارضة لا من اجل الأهداف والطموحات الوطنية ، كل منا يرى أن فلسطين ملكه لوحدة ولا يوجد له شركاء على هذه الأرض ، إذا تحدث فصيل عن الشعب الفلسطيني فإنه يتحدث عن مجموعة الفصيل وكأنهم كل الشعب الفلسطيني ، إذا رفض الفصيل موقف ما يعتبر بل يسارع إلى الإعلان أن كل الشعب الفلسطيني يرفض ، وقد رأينا أشكال الرفض وكيف تكون .
في العام 1993 عندما خرجت الأنباء الأولية عن اتفاق إعلان المبادئ قامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا الاتفاق وضد من قام بإعداد هذا الاتفاق ، ووصل الحد إلى اتهام القيادة وعلى رأسها أبا عمار بالخيانة والتفريط ، تم التوقيع وعاد ت الطلائع الأولى من أبناء شعبنا ، وبدأ شعبنا في تأسيس الهياكل الإدارية والتنفيذية والتشريعية لتجسد الواقع الفلسطيني في طريقه إلى الدولة ، وما هي إلا فترة قصيرة وإذا من اعترضوا على الاتفاق ، أصبحوا يعيشون تحت مظلة الاتفاق ، وانأ هنا لا أدافع عن هذا الاتفاق بالقدر الذي أريد فيه إظهار صورة واقعية عما يحدث في علاقاتنا مع بعضنا العض ، يعيشون حياة لم تكن معهودة زمن الاحتلال الذي وقف بعيدا نسبيا عنا يرقب سلوكنا وتصرفاتنا ، حياة عنوانها التنافس والصراع على المكاسب الشخصية والحزبية والعائلية ، ظهرت مكاتب الفصائل والتنظيمات علنا ، وبدا الظهور المسلح في شوارعنا لدرجة أن عانى مجتمعنا كثيرا من ظاهرة الفلتان الأمني ، كل هذا وما زال البعض ممن يمتطون أوسلو يلعن أوسلو ، هذه صورة من صور الخلاف الذي لا نعرف ماذا يريد ، خلاف فقط يلا بدائل واضحة ومحددة وممكنة .
في هذه الأيام تقدمت فلسطين بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي بهدف إنهاء الاحتلال وفق جدول زمني ، ما لبث أن تناثرت الإنباء حول تعديلات كثيرة طرأت على المشروع الأصلي ، الأمر الذي دفع بموجة كبيرة من الانتقادات المعارضة أحيانا لهذه التعديلات والناصحة أحيانا أخرى بسحب المشروع من مجلس الأمن ، وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات لم نسمع بديلا حقيقيا أو خيارا ممكنا سوى شعارات رنانة سئمنا من سماعها ، ولا تسمن ولا تغني من جوع .
جانب آخر من مناكفاتنا ممارسة حكومة التوافق لمهامها ، في قطاع غزة فحكومة التوافق أعلنت مرارا أنها غير متمكنة من ممارسة أعمالها بسبب السيطرة الفعلية لحكومة حماس السابقة في غزة ، بينما تعلن حركة حماس بأنها تركت الحكم لحكومة التوافق وتتهمها بالتقصير في مهامها تجاه شعبنا ، وهكذا نعيش في هذه الدوامة منذ ستة أشهر ولا ندري أتنتهي هذه الحالة قريبا أم لا ،وكذلك بطء الاعمار والذي يرجعه الكثير إلى الصراعات والانقسام وعدم التوافق ، وعدم وجود حكومة تمارس نشاطها بقوة في قطاع غزة ،
واخبرا الحرب الإعلامية التي بلغت درجة قوية من التهجم والسب والتخوين من هذا الطرف إلى ذاك الطرف ، بالإضافة إلى بروز عنصر خلافي جديد حيث ظهر ما يعرف بالتيار الدحلاني وتيار الرئيس عباس وما حدث من مؤتمرات ولقاءات ومسيرات وغيرها .
هذه هي الحالة التي يعيشها شعبنا في نهاية 2014 ، إذا أضفنا إليها الحالة الاقتصادية والاجتماعية ، حيث الفقر والبطالة اللتان بلغتا معدلات قياسية ، ومعاناة عشرات الآلاف من الأسر التي دمرت بيوتها وعلى الرغم من مرور عدة أشهر على نهاية الحرب الأخيرة ، وحلول فصل الشتاء إلا أنهم ما زالوا ينتظرون الأعمار .
ارحموا هذا البلد ، ارحموا غزة ، في نهاية عام 2013 كان عدد سكان القطاع مليون وثمانمائة وخمسون ألف نسمة تقريبا حسب ما أعلنته دائرة السجل المدني في وزارة الداخلية ، لذلك من المتوقع بلوغ عدد السكان في نهاية عام 2016 المليونين ، مليونين على مساحة صغيرة من الأرض تجعل الكثافة السكانية الأعلى في العالم ، سكان يتضاعفون خلال عشر سنوات فقط ، مع انخفاض الموارد وقلة الإمكانات ، وانعدام خطط التنمية الحقيقية ، وحصار طال أمده وحروب متعددة تركت مزيدا من المآسي ، ما يجعل قطاع غزة مقبل على حالة من الانفجار السكاني وما ينتج عنه من مشاكل اجتماعية واقتصادية ستصبح مستعصية على الحلول .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
24/12/2014