ويقولون تم فتح معبر رفح الحدودي..!!

بقلم: حامد أبوعمرة

من أراد أن يشعر بمرارة العيش ..وعذابات الحصار.. ومآسي الحياة في قطاع غزة ، فليذهب على عجالة ،ولو بزيارة خاطفة إلى معبر رفح الحدودي ليتحقق من فتح المعبر كما تشيع بعض الوكالات الإخبارية.. فهناك حتما سيرى عجب العُجاب ولن يستطع الحراك من مكانه من هول ما سيرى من مشاهدٍ وصور تعجز الكاميرات عن رصدها.. والكلمات عن وصفها أو نقلها ..ومن حكايا تقشعر لها الأبدان ..ومن أراد أن يتيقن بأنه يعيش في سجن كبير فليذهب لبوابة السجن ..أليس من غرائب واقعنا الأليم أن يكون منفذ القطاع والذي تبلغ مساحته 360كم مربع هي بوابة صغيرة لا تتجاوز بضع أمتار قليلة ..وعلى معبر رفح وما أدراك ما المعبر .. فهناك في ساحاته العشوائية المتزاحمة تسكن شرائح مأساوية بصورها المتنوعة في العراء ..فلا صالة أو معروشات كما بكراج السيارات.. يمكن أن تليق بالآدمية لتتسع المعذبين في الأرض ..فما هي إلا صالة وحيدة مغلقة الأبواب من يدخلها لا يخرج منها وإذا خرج لا يمكن أن يعود..الذين يتمتعون بحرية الدخول أو المغادرة هم أفراد الشرطة العسكرية التابعة لحكومة غزة أو المسئولين .. فلنتخيل ذاك المشهد صالة لا تتسع لثلث المسافرين..و تعج تلك الصالة بالصراخات والضجيج والزحام المكتظ بالرجال والنساء والأطفال والشيوخ فالذي يجتاز الصالة يتصور أنه قد قضي الأمر لكنه ما يكاد إلا ويكتشف أن من بداخل الصالة كخارجها كلهم في المعاناة سواء .. فلا مقاعد يمكن أن يرتاح عليها الناس.. ولا دورات مياه ولا مياه صالحة للشرب سواء بداخل الصالة أو غيرها في الساحة الخارجية المكشوفة، والتي تخلو من كل شيء إلا التراب والغبار والنفايات ..فمن أصابه مغص أو إسهال فليس له سوى الصبر والتحمل وإن لم يستطع فليتصرف..!! ومن المواقف التي تستحق أن أسجلها في هذا المقال هو لما كنت بالمعبر منذ عدة أيام ، تساقطت أمطار خفيفة ،ولم يتمكن الناس هناك من الاختباء من حبات المطر فأي مكان هذا الذي يمكن أن يستوعبهم لذلك لم يغادروا أماكنهم.. المهم أني لمحت قطط صغيرة تركض بسرعة ،واختبأت تحت إحدى الشاحنات المصطفة على جوانب الطريق ..فقلت في قرارة نفسي أليس من الأولى على معبر رفح وقبل السفر أن يتم تجهيز صالة انتظار خارجية واسعة لاستقبال المسافرين وتخفيفا من معاناتهم ،تحتوي على مقاعد، ودورات مياه ..وعلى معبر رفح هناك مرضى يتهددهم الموت ..يموتون في اليوم مئة مرة حيث ينتظرون بكل شغف ولهفة.. لحظة ركوبهم لباص المغادرة أملا في العلاج بالخارج، إلا أن قليلا منهم من يغادر..وقليل من الباصات من يُسمح لهم بالدخول للبوابة المصرية على الجانب الآخر .. وعلى المعبر عاملين يحملون حقائب كبيرة بالأجرة، ولا أحد يدري لمن هذه الحقائب ولا أين تذهب ،ولا من هم أصحابها ..وهناك من هم طلاب يدرسون بالخارج دفعوا ثمن رسوم الدراسة من حياتهم وقوت أولادهم ليتمكنوا من تكملة دراستهم والتي يطمحون بان تحسن من وضعهم الوظيفي والمعيشي ..لكن بلا جدوى ، وهناك من انتهت إقامتهم في البلدان الخارجية التي يعيشون بها وفيها مقرهم ..وهناك من فقدوا وظائفهم لتأخرهم في العودة بسبب الإغلاق المحكم ،وذلك بعدما جاءوا لزيارة أهلهم ،وذويهم بغزة.. فمعبر رفح يعتبر المنفذ الوحيد للسفر ،وهو بمثابة الشريان الحقيقي الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي.. لذلك إن ما يحدث على المعبر هو جريمة بشعة نكراء بكل المقاييس وتخالف كافة أعراف وتقاليد وقوانين الشعوب الحرة .. بل هي مجزرة متعمدة تُعد من أفظع المجازر الإنسانية ..لأنها تصفية نفسية وأخلاقية واجتماعية وكارثية ترتكب بحق الإنسان والإنسانية.. هي مؤامرة.. قاسية لروح الإنسان الفلسطيني المعاصر،ولأدنى حقوق الإنسان .. بل هي مجزرة بالدرجة الأولى.. لكنها ليست ككل المجازر لأنها .. تخلو من تمزيق الأجساد الملقاة على الأرصفة..وتخلو من قطع الرؤوس المتطايرة أو من سيل الدماء هنا أو هناك .. ولو يعلم الذين تسببوا في إغلاق المعابر وتسببوا في ويلات الجماهير.. أقول لهم جميعا أين أنتم اليوم من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وما أدراكم من هو عمر، ذلك القلب الوجل والذي يخاف صاحبه أن يسأله الله عن دابة تتعثر في العراق: ِلمَ لم تفسح لها الطريق يا عمر؟ بل أين أنتم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .. عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه إلى آخر الحديث ..فبعيدا عن المناكفات السياسية ..وبعيدا عن من يتسلم المعابر أو من الأولى بالاستلام ..وبعيدا عن عدم وجود آلية عمل واضحة للمسافرين الذين لا يعلمون من يفعل ماذا .. أليست تلك المأساة اليومية المتكررة ..تقتضي ضرورة المسارعة في تغليب المصلحة الوطنية لإيجاد حل نهائي لوضع حد لآلام الشعب الفلسطيني في غزة ..فإذا كنا نحن لا نرحم بعضنا بعضا فكيف يمكنا أن نتصور بأن يرحمنا الآخرين ..؟!!