في أواخر كل عام، تزداد اسعار النفط على المستوى العالمي، بسبب فصل الشتاء، والحاجة في شمال الكرة الارضية الى التدفئة، اضافة الى العوامل الاستهلاكية الطبيعية، هذا العام، وخلافاً للأمر، ومع اقتراب العام الجديد، تراجعت اسعار النفط على المستوى العالمي بشكل غير مسبوق، وصل الى حدود ٤٠ في المئة، ما شكل في واقع الأمر انقلاباً نفطياً، لا سابق له، ذلك ان تراجع وتزايد اسعار النفط، غالباً ما كان لأسباب سياسية بالدرجة الاولى، تزايدت اسعار النفط في حرب العام ١٩٧٣ عندما قلص الاعضاء العرب في منظمة اوبيك انتاجها النفطي لدعم العرب في هذه الحرب وحسب العرض والطلب، فقد ادى ذلك الى زيادة قياسية في اسعار النفط في تلك الفترة، وعند نشوب خلافات بين دول اوبيك، ويتزايد انتاج النفط، فإن الاسعار تتراجع، وفي كل مرة، فإن العوامل غير التجارية باتت تحدد الاسعار التجارية لبرميل النفط على المستوى الدولي.
يبدو للوهلة الاولى، ان تراجع اسعار النفط، مع نهاية العام ٢٠١٤، يعود لاسباب تجارية بحتة، هناك اكتشافات للغاز الصخري في اميركا، هناك ازمات اقتصادية في المناطق الصناعية العالمية، كان له اثر على الانتاج الاقل والحاجة الاقل الى النفط، في ظل قرار مؤتمر اوبيك الاخير القاضي بعدم الحاجة الى تقليص الانتاج لزيادة الاسعار، ما جعل اسعار النفط تتهاوى قياساً بالمعدلات السنوية.
كما يبدو أن تراجع انتاج النفط في مناطق الانتاج الرئيسة، كليبيا والعراق مثلاً، لم يؤثر على مستوى الانتاج الضروري لتشكيل الماكنة الصناعية الغربية واليابان والصين، وبالتالي، فإن العوامل التجارية هي التي أدت بالدرجة الاولى الى تراجع اسعار النفط.
غير أن هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن الامر هو خلاف ذلك، هناك ابعاد سياسية، غير تجارية، وراء هذا الانخفاض في اسعار النفط، الولايات المتحدة التي قادت حروبا من اجل النفط، خاصة في منطقة الشرق الاوسط، المورد العالمي للنفط، باتت بعد الاكتشافات الاخيرة، قادرة على الاعتماد على نفسها نفطياً، بل انها اصبحت قادرة على تحديد سعر برميل النفط على المستوى الدولي، واذا كان المعادل الاساسي لتسعير النفط على المستوى العالمي، هو نفط «برنت» البريطاني من بحر الشمال، فإن الاعوام القادمة، قد تشهد معياراً اميركيا لتسعير النفط، العام ٢٠١٤، وفقا لذلك، قد يصبح عام الانقلاب النفطي الذي سيؤدي الى انقلاب في السياسة الدولية، وكما اشرنا، فإن اهمية نفط الشرق الاوسط، تتراجع نظراً للبدائل التي اصبحت متوفرة، مع الاكتشافات في النفط والغاز في اميركا وخارجها.
هذا الانقلاب، قد يؤدي الى عودة الى الحرب الباردة من جديد، تراجع اسعار النفط بالاضافة الى العقوبات التجارية والمالية على الاتحاد الروسي، اخذ ينهك الاقتصاد الروسي بشكل واضح، اعتماد روسيا على النفط كسلعة اساسية لمكونات ميزانيتها، من شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الروسي، روسيا التي باتت محاطة اكثر من اي وقت مضى بالهلال الامني العسكري المتمثل بحلف الناتو، خاصة اذا ما انضمت اوكرانيا الى هذا الحلف كما هو متوقع، باتت محاصرة مالياً، من خلال العقوبات ومن جراء تراجع اسعار النفط، وها هي روسيا التي اعتمدت على ان يثمر اجتماع اوبيك الاخير عن قرارات بتخفيض الانتاج لدفع الاسعار الى التحسن، تخفق في رهانها، عندما اصرت دول الاوبيك، خاصة السعودية، على عدم تقليص الانتاج والابقاء عليه كما هو، رغم تضرر دول الاوبيك، خاصة السعودية، بشكل مباشر من تراجع اسعار النفط، نظراً لأن ميزانيتها اعتمدت سعر برميل النفط بواقع ٩٠ - ١٠٠ دولار، في حين انه بات سعر برميل النفط في حدود ٤٠ - ٥٠ دولارا فقط، رغم ذلك، ظلت مستويات الانتاج كما هي، وكأن دول اوبيك وخاصة السعودية، تشد على يد الولايات المتحدة، في حربها الباردة الجديدة، ضد الاتحاد الروسي.
لكن هناك منطقا آخر، لدى اعضاء اوبيك وخاصة السعودية، خفض سعر برميل النفط، لن يشجع المستثمرين على الاستثمار في حقول النفط الصخري الاميركي، وبالتالي، فإن هذا النفط، سيظل بعيدا عن المنافسة مع نفط الشرق الاوسط، الى سنوات قادمة، انخفاض اسعار النفط، لن يشجع على الاستثمار فيه، خاصة في ظل حالة الاشباع لدى اسواق النفط العالمية، وبالتالي فإن موقف السعودية، هو لصالح سوق النفط على المستوى المستقبلي ويجب عدم النظر اليه باعتباره توافقاً مع اميركا في مواجهة مع روسيا، قد تتضرر اقتصادات بعض الدول مؤقتاً الى حين التعايش مع نمط جديد من الانتاج والاسعار، اما اذا ما دخل نفط وغاز الحقول الصخرية الاميركية، فإن اقتصادات كبيرة ستنهار، ومن بينها اقتصادات الشرق الاوسط.
من المتوقع ان تتزايد اسعار النفط العام ٢٠١٥، ولكن بشكل متوازن، بحيث تصل الى ٧٠ دولاراً، يظل الاعتماد على حقول الشرق الاوسط اساسياً، مع عزوف المستخدمين عن الاستثمار في النفط الصخري .. ولكن الى متى؟!
31 كانون الأول 2014
[email protected]