في أيّامنا الغابرة كانت المواطن العربي يعيش حياة الاستقرار الروتيني من الناحية الأمنية وبعض النواحي الإقتصادية اقل ما يقال انه كان يعيش بعض الرغد وبعض الطمأنينة .. نعم كان يعاني من بعض دكتاتورية السلطة وظلم الحاكم كان مقيد الحرية السياسية سارح هائم ضائع بين المسموح والممنوع .. كانت كرة القدم الملاذ الآمن من دكتاتورية الحكّام وكانت الوسيلة الوحيدة نوعاً ما لتفريغ شحنته الكامنة في الاعماق .. كان يطمح في ذاك الوقت الغابر الى بعض من حرية الغرب والقليل من رغد العيش .. كان الطمع الكامن في الأعماق حول الحرية المطلقة المستوردة من اعماق الجهل العربي السائر في العروق الى المجهول طموح دفين تختزنه الأفئدة قبل العقول حرية القتل والدمار حرية خفافيش الظلام وسفك الدماء حرية قانون الغاب الذي بدأت تنتشر ملامحه في الافق العربي وتاهت معالم البشر بين الغاصب والمغتصب وكلاهما يسبّح بحمد ربه وكل منهما يستبشر روائح النصر القادم من عند الله ……
كانت الحياة يوماً آمنة رغم الكثير من الظلم والاضطهاد والطغيان .. رغم التعسف الحكومي على المواطن ولكن كان لبعض مايحدث من حدود وقوانين جميعها مسيّرة لصالح الزعيم الحاكم والقوانين تشرّع على أهواء المسيّرين وبين الطموح والضياع .. تكاثرت في الأفق حالات من الموت السريري لتنتشر على الارض بوادر فرقة وضياع مصيري تتيه من خلاله ملامح بوصلة هي في الاصل ضائعة تناثرت اوصالها بين الحاكم والمحكوم لتتغير في ليلة وضحاها ملامح الحكم وتنهار قلاع حكّام كنّا نخالها قصوراً من حديد لتتضح فيما بعد ان تلك القصور كانت من ورق وسقطت وسقط في اعماق الارض حكّامها ….
تغيرت بوادر الامل وتلونت في الافق الوان السماء وتبدلت قوانين الحكم وتنوعت اهدافها وتحوّل الحاكم الى المحكوم ودارت على الباغي الدوائر وارتفعت حناجر كانت مغلقة افواهها ونادت بأعلى صوتها الحرية الحرية ولكن يبدو ان اصحاب تلك الحناجر ماتت في قلوبهم عناوين الانتماء ونزفت في القلوب الحناجر وماتت بين العروق معالم الحياة لترى اشباحا او هياكل بشر تسير على الارض مدججة باسلحة غريبة غربيّة وكأننا نعيش حياة من افلام خيالية على الطريقة الامريكية التي تحولت في ليلة وضحاها الى حقيقة مسرّبة الى ارض الواقع العربي الأليم وتبدلت معالم الحقيقة الى خيال واصبح المغتصب بفتح الصاد هو نفسه صاحب الحكم المسير والقادر على تسيير ركب الأمّة بخيوط عنكبوتية استعمارية وبرغبة عربية وباصرار والحاح على طريقة عادل امام المسرحية …..
اليوم اصبحت دولنا العربية هياكل من ورق واصبح الحاكم الفعلي على الأرض قاطع رؤوس بمسميّات مختلفة ومناهج مختلفة وهدف واحد وهو تدمير ماتبقّى من هياكل دول متهالكة واصبحت الدولة في المفهوم العربي خالية من الحاكم والمحكوم وتعددت المحاكم وشاعت الفوضى كما هو الوضع في واقعنا الفلسطيني ولكن باسلوب ثوري متميز ومكر تنظيمي على طريقة منظمة التحرير ودهاء غبيّ على طريقة حماس وضعف متعمّد من باقي الأحزاب والتنظيمات لتصبح حياتنا الفلسطينية كما العراق واكثر ولكن بدون سفك دماء فقط بالكلمة والحيلة .. لا أريد الدخول في تفاصيل ما يحدث على الأرض فالجميع يعي جيّداً مايدور من دمار وقتل لتصبح وسيلة القتل والذبح الوحيدة المتّبعة والمعتمدة في قانون الغاب الجديد …
أن ما لفت انتباهي وانتباه العديد من ابناء حركة فتح في الذكرى الخمسون للإنطلاقة تلك الومضة المتعلقة بذكرى الانطلاقة الخمسين لحركة فتح والصورة المرصعة بالذهب ألوانها على زاوية تلفزيون فلسطين والتي تتبدل من خلالها وبشكل دائري صورة العاصفة والياسر والرئيس ابومازن داخل دائرة الصفر الخمسيني .. كيف توضع صوَر زعامة الفتح ورموزها في دائرة الصفر وكأن تلفزيون فلسطين يقول لنا ان هؤلاء الزعماء وشعار العاصفة صفر على اليمين او ربما كان القصد العودة الى نقطة الصفر او ربما كانت نضالاتنا جميعها منذ الإنطلاقة الى يومنا هذا تساوي صفر اليمين ..
اشارة من تلفزيون فلسطين لم يلاحظها الكثير من ابناء هذه الحركة ولم تخطر بالبال معانيها او فلسفتها حسب الهدف والمعلومة ولكنها تركت الأثر العميق في نفوس من عايشوا الانطلاقة وتابعوا ذكرياتها عاماً بعد عام عايشوا آلامها وشاركوها فرحتها وانتصاراتها وعلى رأسهم اللواء المتفاعد ابوحميد التونسي رفيق درب الختيار صاحب القلب الأبيض وصدق الإنتماء والذي يقعده المرض راجين الله له الشفاء العاجل ولكل مريض او جريح .. كان لتلك الشارة الأثر السلبي والمؤلم عليه وامتلأت اعماقه بمزيد من الحسرة كانت ملامحها مرسومة على محيّاه والألم يعتصر أعماقه لما آلت اليه اوضاعنا الفلسطينية ووضعنا الفتحاوي ….
اما سلطنة اسرائيل وذاك السلطان القابع في قصره العاجي المرصع بجماجم ابناء امتنا العربية والفلسطينيّة ينعمون بحياة الاستقرار المنطقي نظرا لما يحدث في واقعنا العربي وهذا مايريده صانع تلك الثورات وعرّاب الاحزاب المتناحرة باموال واياد عربية وجهل وغباء وتخلّف عربي مصطنع وعلماء مستحدثين وأئمّة موجّهين وبيادق مصطنعة ومصنّعة باياد امريكية وحنكة استخبراتية اسرائيلية وسواعد عربية ..
وهنا اتساءل هل حقيقة أننا عدنا الى نقطة الصفر ام كان يقصد تلفزيون فلسطين ان العاصفة وشعارها ورموزها صفر على اليمين .. واقعنا العربي أليم والفلسطيني أكثر إيلاماً فهل ستعود للأمة زعامتها وهل تعود للقضية أصالتها وهل تعود للفتح ريادتها سؤال يسأل فهل هناك من مجيب …
الكاتب عطية ابوسعده / ابوحمدي