حمار أبو لمونة وأزمة غزة

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

على مدخل مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة ، كان وادى صغير كنا نسميه باسم رجل كان يسكن فى حافة الوادى يدعى أبو لمونة ، يسكن لوحده لا جار له إلا حديقته المترامية على أطراف الوادى ..

اشترى ابو لمونة حمارا مشاكسا دائم النهيق والرفص لمن يقترب نحوه ، الأمر الذى شكل ازعاجا لطوابير الطلاب المعتادين على المذاكرة بالقرب من وادى ابو لمونة المتاخم لخط السكة الحديدية غربي المخيم ..

فالعابر للمخيم عصرا كان يرى عشرات الطلاب كل ممسك بحجر جيري من بقايا حجار السكة ، ويلخص ما فهمه من دروس على قضبان السكة تحت شعار الحاجة ام الاختراع ، مع انعدام القرطاسية والمكاتب المريحة والكهرباء ، وبحثا عن قبس من نور القمر البديل عن الكهرباء ( وما اشبه اليوم بالبارحة يا غزة)

ورغم شظف العيش وقسوة الواقع بالمخيم إلا ان حمار ابو لمونة لم يرحم صمت وتركيز الطلاب ، وكان يتعمد النهيق والرفص مخترقا جدار التركيز والصمت!

مع تمادى الحمار في زعرنته قرر نخبة من الطلاب ان يشكو الأمر لأبى لمونة عسى ان يشعر بمعاناة الطلاب الهاربين من ظلم الواقع والاحتلال ..

نظر ابو لمونه بعينيه الضيقة ووجه المتجعد نظرة ازدراء الى تلك الثلة الفقيرة من الطلاب ، وصرخ عبارته المتكررة من لم يعجبه صوت حمارى فليرحل ويبتعد عن حدودي وارض الله واسعة ..

اطرق الطلاب رأسهم وقرروا ان يتكيفوا مع الواقع ويبتعدوا جزئيا عن ازعاج حمار ابو لمونة ..

وياليت ظل ابو لمونه كسابق عهده ، ولم يكتف بحماره المشاكس ، بل استحضر كلبا لا يعرف قبله من دبره ، لا لون ولا شكل مميز له ، مسعور في صوته وحركاته ، ولا يجيد إلا فنون النباح حتى على الرياح ان مرت بجانبه ، وبعد ايام فتح حظيرة للمواشى بمختلف اشكالها من النطيحة حتى العرجاء ، وأطلق ابو لمونة اسماء قوية رنانة على كلبه وحماره وتيسه ، اسماء تدل على الفروسية والبطولة مستوحاة من تراثنا العربي في الجاهلية الاولى وعصر انحطاط الامراء (الظافر والقاهر والخارق والعاضد )

ضحك الطلاب مع اقتراب موسم الامتحانات وقال صابر بن حنظلة المتحدث باسم طلاب المخيم (دعوت على عمرو فمات فسرني ....وعاشرت اقواما بكيت على عمرو) "

قصة حمار ابو لمونة تذكرنى بواقع قطاع غزة المرير الذى اصبح فيها رجوع جدول الكهرباء ثمان ساعات حلم ، وتوفر غاز الطهى امل وفتح معبر رفح البري طريق الجنه ، وحل مشكلة البطالة من قصص شهريار ،وبتنا نحلم بزمن ابو لمونة الاول ، رحم الله ابو لمونة فقد فهم واقعنا منذ ترك العنان لحماره المشاكس ..