عندما تتحول القيم الاخلاقية الى موضوع للنقاش

بقلم: رمزي النجار

ليس بالصدفة أن ينقلب بعض الناس على مواقفهم، أو ان يصاب المجتمع بحالة من الانقسام في ظل الانقسام حول قضية معينة في السياق الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي وغيرة ، وإذا كان من غير المفهوم ان تتحول القيم الاخلاقية الى سلعة قابلة للبيع في الاسواق وخاصة أننا نعيش في زمن يكاد فيه كل شيء يمكن بيعه او شرائه، لكن الغريب والعجيب أن تتحول القيم الاخلاقية إلى موضوع للنقاش وكل فرد يدلو بدلوه وتتحول الى وجهات نظر مشروعة لمجرد الاختلاف في الرؤى، وان يتحول المجتمع الى قطعة اسفنج قادرة على امتصاص كل شيء بدون استثناء، او إلى مجرد معدة جاهزة لهضم ما يصلها من ابتلاع أي شيء حتى لو كان ذلك من الأشياء غير القابلة للذوبان، وكل احكام القيم الاخلاقية استبدلت بالرد البسيط (وجهه نظر) وتحولت إلى مجرد مشروع ذاتي لتحقيق المصالح الشخصية، وهو امر يكشف عن الخلل الكبير الذي يمكن ان يعاني منه مجتمعنا في حال التثبت بتلك العقلية المتغيبة عن الحقيقة والمرجعية المجتمعية والدينية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تراجعت القيم الاخلاقية لدى الناس الى هذا الحد؟ هل لأن الزمن تغير أو الناس هم من تغيروا؟ أم أن الطريقة في التربية والتعليم والتوجيه والتوعية وغرس القيم كانت طريقة غير صحيحة، أم استخدام القوة والشدة والافتقار للنقاش والحوار البناء، أم ممارسة الضغوط القاسية التي ألغيت بها عقول العديد من الناس ومشاعرهم ولم يلقي لها أي اعتبار، أم زمن الفضائيات والنت والجوالات التي خيل لهم أنها طوق النجاة، أم حب القيادة والظهور والانانية والتسلق على ظهر الآخرين.

باعتقادي أن المشكلة ليست في الانحدار الذي أصاب نقاشاتنا العامة فقط، وانما المشكلة الأساسية تنبع من تراجع قيمنا وأخلاقياتنا العامة، وخاصة فيما يتعلق هذا بالنخب السياسية التي اختطفت قضايا الناس واستهبلتهم وتعاملت معهم بمنطق الاستعلاء، وأيضاً آخرين من أصحاب الولاءات الشخصية انتقلت اليهم هذه العدوى لدرجة ان بعضهم أصبح مؤمناً بفكرة (الشطارة والفهلوة) بكل ما تحمله من انتهازية ونفعية وانفصام في الشخصية في نقاشاتهم وحواراتهم وتعاملاتهم، بالإضافة الى الابتعاد عن اخلاقيات الخصومة السياسية، او قيم النقد المتعلقة بالموضوع والتجربة، واستمرار الفرقاء في ممارسة لعبة الخصومة السياسية وتنازلهم عن كثير من القيم التي كانت تمثل مصدراً لمناعة المجتمع الاجتماعية، كما لا بد ان نتذكر ايضاً بأن ما اصابنا ليس صدفة، وانما تراكمات الانقسام لفترات طويلة واللعب على الذمم والقيم وعلى التعليم والاقتصاد والسياسة قد اخذت الصورة كلها، بحيث اصبحنا نحاكم انفسنا تبعا لما نراه في الظاهر لا لما يتغلغل في الداخل المسكوت عنه.

ولا يراودني أدنى شك بأن الكثيرين في مجتمعنا نسوا أو تناسوا أن الدين الإسلامي يتميز في مجال القيم والأخلاق بمجموعة من الخصوصيات وهى ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان، ونزول القرآن باعتباره المرجع الأساسي للقيم الاخلاقية أحدث انقلابا في النسق والبناء الاجتماعي للإنسان، وكون الإسلام يمثل قمة الالتزام بالأخلاق وخير مثال على ذلك أخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واخلاق المسلمين من الصحابة والتابعين في السلم والحرب، ولما كانت القيم الاخلاقية قيم ضرورية وليست حاجية ولا تحسينية وهي أساس ومحور السلوك البشري والإنساني، لذا يتوجب على فئات المجتمع المختلفة اعادة تقييم انفسها على قاعدة ان العقل وحده غير كاف لتحديد حقيقة الإنسان، لأن الكائن العاقل يكون في أحيان كثيرة مفسدا للكون والطبيعة وملحقا الضرر بنفسه كإنسان، وإنما يحتاج إلى نور الوحي لتوجيهه وتسديده من خلال مجموعة القيم الاخلاقية النابعة من إحساسه بالمسئولية بما يمثله من ثورة قيمية اخلاقية.