الموظف في فلسطين تحت خط الفقر

بقلم: جمال أبو نحل

كُثرٌ هم الموظفين العاملين في السلطة الوطنية الفلسطينية مدنيين وعسكريين ويُعدون بالأف منذ قدوم السلطة الوطنية أرض فلسطين عام 1994م، والبعض منا يستغرب كيف أن الموظفين تحت خط الفقر فما بالك الذين لا يجدون وظائف وعاطلين عن العمل؟؟ إن الاحتلال خلق ظروفًا وأوضاعًا اقتصادية غاية في الصعوبة والتعقيد وكبل باتفاقية باريس الاقتصادية المُجحفة السلطة الوطنية، وبالعودة عن ذي بدء عن أحوال الموظفين فإن غلاء المعيشة كالسرطان المستشري والمنتشر في الجسد انتشار النار بالهشيم يزداد يومًا بعد يوم، وتجد الموظف مسكين الحال مقترض من البنوك لشراء شقة سكنية تأويه وأولادهُ من حر الصيف وبرد الشتاء القارص، وإما مُقترض ليستطيع الزواج، أو لغير ذلك من أمور الحياة، ونرى أن الراتب الذى يتقاضاهُ شهريًا بالكاد يكفيه في الأسبوع الأول فقط من الشهر، وباقي الراتب إعادة جدولة الديون والمستحقات المالية للغير عليهِ، وباقي الأسابيع الثلاثة المتبقية يقضيها من خلال العودة للدين من البقالة والسوق الخ... ومن الدلالات على أن الموظف فقير بل ومسكين أيضًا؛ قول الله عز وجل عن أصحاب السفينة في أواخر سورة الكهف ووصفهم بأنهم مساكين :" وأما السفينةُُ فكانت لمساكين يعملون في البحر" فهل من يملك سفينة في البحر مسكين؟ بالطبع نعم لأنهُ لو غرقت تلك السفينة أو تلفِتّ يفقد أصحابها وظيفتهم ومصدر رزقهم ويصبحون تحت خط الفقر ومساكين لا راتب ولا عمل لهم؛ ونعوذ هنا لأحوالنا الفلسطينية بعد توقيع فلسطين على الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية ولعدِة اتفاقيات، وقيام دولة الفصل العنصري الأبرتهايد الصهيونية بمنع تحويل الأموال الضرائب (المقاصة) إلى السلطة، وقد فعلت ذلك الأمر قبل ذلك أيام الشهيد القائد الرئيس الراحل أبو عمار رحمه الله. إن ما حصل اليوم يتطلب وقفة وطنية جادة من الجميع وكما علمنا نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:" كلُكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" يجب على الجميع منا الشعور بالمسؤولية وليست المسؤولية تقع على الرئيس أبو مازن وحده؛ بل على الجميع من الأب في بيتهِ إلى التاجر في مصنعهِ إلى أصحاب البنوك ورؤوس الأموال وقادة الفصائل والأحزاب والتنظيمات، وهنا نستذكر موقفًا يسجل بماء الذهب للفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ حينما قال:" لو عترت سخلة أو بغلة في العراق لخشيتُ أن يسألني الله عز وجل عنها يوم القيامة لما لم تُصلح لها الطريق يا عُمر" وعمر رضي الله عنه أين؟ في المدينة المنورة والتي تبعد عن العراق ألاف الكيلو مترات ولا يوجد طائرات ولا سفن ولا سيارات، وكذلك موقف آخر الجميع منا يعرفه للصحابي الجليل عبد الرحمان بن عوف رضي الله وهو من العشرة المبشرين بالجنة حينما مر بالليل ومعه الفاروق يتفقد أحوال الرعية والمسلمين:" فرآي امرأة تضع حِلةً على النار وبها حصي وتطبخ الحصي وتحركه بالعصا وأطفالها الصغار من حولها يتضرعون جوعًا ويصرخون وهي تحاول تهدئتهُم بأن الأكل على النار لم ينضُج بعد، فسألها عبد الرحمن رضي الله عنه لما تفعلين ذلك يا أمةُّ الله فقالت:" الله الله في عُمر أيليّ أمرنا ويغفل عنا" ولم تعرف أن أمير المؤمنين عمر هو موجود أمامها مع عبد الرحمن فذهب الخليفة بنفسهِ وأعد الطعام وعجن الخبز بيديه الشريفتين وحمل الدقيق على ظهرهِ بنفسهِ وقال لخادمه عنك يا أمير المؤمنين بحمل الدقيق قال له الفاروق عمر: تكلتك أُمك أأنت تحمُل عني أوزاري يوم القيامة، وقدم الطعام لأطفال وأمهم وقال لها تعالي غدًا لأمير المؤمنين لتقديم شكواكِ؛ فلما كان الغد وجاءت المرأة ورأت أن من كان ليلة أمس أمامها مع الصحابي الجليل عبد الرحمان بن عوف هو الفاروق عمر رضي الله عنه؛ فارتعدت أوصالها وارتجفت أركانُها وخافت: قال لها عمر لا عليكِ يا أمة الله بكم تبيعيني مّظلمتِكّ؟ قالت لا أريد شيئًا يا أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه اكتب يا عبد الرحمان بن عوف ولآخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، لقد اشتريت مظلتك بألفي دينار؛ وإن مُت فضعوا الورقة بين رأسي وكفني. هذا هو رأس العدل، هذا هو من أراد الأخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فلقد كان سعيُهم مشكورًا؛؛؛ أما لو سألت عن حال تُجارنا اليوم فأغليهم فُجار إلا ما رحِم ربي لا يهمهم إلا زيادة ثرواتهم وأموالهم وناس من شعبنا يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ولا حول ولا قوة إلا بالله ولو سألت عن شركاتنا التي تدعي الوطنية مثل شركة الاتصالات وجوال وغيرها من الشركات الكُبرى والتي وصلت أرباحها السنوية حوالي مائة مليون دينار وكذلك البنوك التي تدعي الوطنية فلا يسألون لا عن مسكين ولا فقير وكُلٌ يُغني على ليلاه؛ إن المسؤولية هي مسؤولية الجميع وكذلك تلك الدول العربية الخليجية الغنية التي تنام بليارات الدولارات لها في بنوك الولايات المتحدة الأمريكية الصهيونية؛ وبالأمس القريب حولت تلك الدول للولايات المتحدة العدو الأكبر لشعبنا وقيادتهُ أكثر من 60 مليار دولار ونحن ليس لنا من مغيث إلا الله عز وجل؛ ونعوذ قبل أن نحمل العرب المسؤولية لنحمل الأغنياء وكبار رؤوس الأموال وأصحاب الشركات الكٌبرى والبنوك في وطننا يجب من وقفة صادقة وجادة مع القيادة ومع الشعب لحل أزمة الموظفين ليس السلطة فحسب وكذلك الموظفين جميعهم وحتي الذين تم توظيفهم بعد الانقسام، ولا يجوز أن يتحرك عوائل وأطفال أولئك الموظفين للمجهول ويجب على دول العالم أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه شعبنا المكلوم المجروح؛ وإلا لن ينعم أي أحد في العالم بالأمن طالما فلسطين محتلة وشعبها محاصر ويتم تجويعه ومحاربته في لقمة عيشه، ويجب على الفصائل جميعها والتنظيمات بمختلف أطيافها أن تخرج بتصريحٍ ناريِ تقول فيه أن طائرات العدو ومطاراته والقطارات وأماكن تواجد الصهاينة اليهود في جميع دول العالم هم أهداف مشروعة لشعبنا طالما أن العالم الأخرس الظالم الساكت عن ظلم وعربدة الاحتلال ومحاصرتِه وسرقته لأموالنا ولأراضينا وتهويده المُستمر لنا لن يُمر دون عقاب وسيكون الرد على جرائمهم في كل مكان تصل له المقاومة الفلسطينية وأنه أن الأوان لإنهاء الاحتلال البغيض الجاثم فوق صدورنا وأن الصبر الطويل لنا قد نفذ، وكذلك يجب أن يشترك الجميع في المسئولية الوطنية وأن نحمل بعضنا البعض وأن يكون تكاتف وتعاضد الجهود من القادر لمساندة الغير قادر، وليعلم الجميع أننا غدًا عن دار الدُنيا لراحلون وأمام الله عز وجل يوم القيامة واقفون ومسؤولون، عن الكثير والقليل والصغير والكبير والقطمير والنقيرِ والفتيل، فليُعد كل واحدٍ منا لذلك اليوم العظيم جوابًا، ولنتذكر من قبلنا قد سبقونا لدار الرحيل، وليس ببعيد عنكم حديث المصطفي النبي عليهِ أفضل الصلاة والسلام:" يتبع الميت تلاث: أهلهُ ومالهُ وعملهُ، فيرجع اثنان ويبقي واحد: يرجع المال والأهل ويبقي العمل؛ فهنيئًا لمن عمل وأعد لذلك اليوم الأعمال الصالحة، وللعدو نقول أن الكرامة لا تُباع ولا تشتري وأن كرامة شعبنا لا تٌشتري بالمال وأن هذا العدو الفاشي الهمجي الصهيوني الاستيطاني سيدفع عاجلاً أم أجلاً ثمن جرائمِه بحق شعبنا الأعزل.