الرئيس نبيه بري حمل الامانة وسار فيها فكان عنوان صمودها وديمومتها

بقلم: عباس الجمعة

عندما اردت ان اكتب عن الرئيس نبيه بري صاحب القلب الكبير ,ضمير لبنان وفلسطين، رجل الدولة ، صاحب الابتسامة التي تعلو وجه رجل شامخ ، احبه الامام المغيب السيد موسى الصدر اعاده الله ، الرجل الذي وقف ضد الظلم وضد المغتصبين لفلسطين، قابل رؤساء وملوكا وزعماء وبقي على مواقفه وارائه بغض النظر عن ردات فعلهم وآرائهم، كانو يصغون ويتعجبون بالجرأة والرقة وحسن الأداء.

الرئيس نبيه بري يقف في العواصف كالطود ،تروق له النكتة إن أتت في موقعها وبابتسامة ملامة تردها ان تخطت حدها، وما زال مؤمن في هذه الأمة ستبقى بخير، قد يطول الليل ولكن لا بد للفجر أن ينجلي.

حمل الامانة وسار فيها فكان عنوان صمودها وديمومتها ،أراد أن يسلط الضوء على دور سماحة الامام المغيب الامام موسى الصدر ورفيقيه ، الامام الذي مشى في طريق الشمسِ حيث اصبح وطنا مزدحم الإقامة ، من خلال عمامته السوداء المتربعة على قلب أبيض معطوفا على قوسِ قزح لا يَعرِف مذهب، كانَ جبل عامل مَلهوفا لمسيرته، واليوم نخاف أن يأتي فلا يجد وطنا ولا بنيان ، حيث يحمل الرئيس نبيه بري عباءةَ الإمام ويعلن إنتسابه إلى الريح، فهو كاهن الرعية السياسية يطل بيننا يشاركنا النداء، مختزنا في الصدر شوقا بعدد أيام غياب الإمام الصدر، متمسكا بالمبادئ وبمواقف الامام الكبير سماحة السيد موسى الصدر وبجمتله الشهيرة "اذا احتلّت اسرائيل جنوبي سأخلع ردائي وأصبح أول فدائي" .

في خلدة، كان التصدي الأول للاجتياح الصهيوني عام 1982، حيث قام ابطال "حركة أمل" بالتصدي لقوات الغزو الصهيوني ، لنحو أسبوع، ما أتاح للقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، ان تبدأ في بناء التحصينات، والعوائق في وجه تقدم قوات العدو الصهيوني ، وكان قرار حركة امل القتال والتصدي ومواجهة العدو ، مهما بلغت التضحيات، هذا كله بفضل رسالة الإمام الصدر الذي رسم هذا النهج، وحمله دولة الرئيس نبيه بري الذي اكد في ذاك الحين نحن نحمل نهج الامام الصدر ولن نحيد عنه، وسندافع عن ارضنا، وانا في مقدمتكم.

وفي السادس من شباط 1984 كانت الانتفاضة التي اطلقها الرئيس نبيه بري, بوجه الطغاة من اجل الحفاظ على لبنان ، ودقت المسمار الاول في نعش النظام الطائفي الفئوي, حيث غيرت الانتفاضه التاريخ, تاريخ لبنان ووضعت اسس المرحلة الجديدة لبناء لبنان , وداست انقاض الهيمنة والفئوية و التسلط ، فانتفاضة السادس من شباط اتت لتؤكد ان المقاومة تستند الى قاعدة شعبية واسعة ، تلك المقاومة التي اجبرت العدو الصهيوني وعملاءه على الانسحاب , وهذه الانتفاضة اجبرت قوات شمالي الاطلسي على الانسحاب من شواطئ بيروت ، واسقطت اتفاق 17 ايار المشؤوم الذي خطته الايادي العميلة ووقعت عليه ايادي الصهاينة .

بهذا الإيمان حمل الرئيس والقائد والمحامي والكاتب والمناضل الاستاذ نبيه بري امانة الامام المغيب السيد موسى الصدر ، واكد بأن القضية الفلسطينية هي الاساس ، حيث عمل على خطّ تمتين أواصر العلاقة بين الدول العربية ناسجا علاقات تؤسس لوحدة على الأقل في القراءة

الواقعية وتحديد البوصلة باتجاه فلسطين التي باعها من يدعون العروبة بأبخس الأثمان لينطلق العمل المقاوم من لبنان وسار على درب الجلجلة، فكانت المقاومة ولم تزل الخيار الوحيد ،فكانت أفواج أمل ورفع الشهداء الى مستوى الأنبياء اذ قال ،ان كل من يستشهد على أرض الجنوب ضد العدو وضد التعامل اللبناني الإسرائيلي فهو مع الحسين ".

انها لحظات مجد للرئيس بري الذي لم ينسى أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أخذ آخر حمّام في منزله، قبل الخروج الكبير للفلسطينيين من لبنان بعد الاجتياح، وما زالت في ذاكرته صور مضيئة لدحر العدو من خلدة الى الجنوب، في قلبه شعر لبلال فحص ورفاقه.

ان منطق التاريخ أثبت بالرغم من قساوة التجارب انه لا يمكن النهوض الا في اطار التعاضد والتكاتف بين الجميع، وها هو لبنان بحكمة دولة الرئيس نبيه بري يلتف شعبه حول الجيش والمقاومة هو أكبر ضمانة للحفاظ على مسيرة السلم الاهلي ، وان الصفحات البيضاء التي تجمع تسطر ملحمة التاريخ ومعمودية الحرية والكرامة.

ندرك ان الظروف التي نمر بها ظروف صعبة وقاسية، ولكن لقد شكلت المقاومة الوطنية اللبنانية، كما المقاومة الفلسطينية، مرحلة من النضال البطولي بمواجهة اجتياح العدو الصهيوني حيث كان ارغمت قوات الاحتلال على الخروج من بيروت العربية بعد ان ارتكب افظع مجزرة في العصر هو وعملائه مجزرة صبر وشاتيلا ، ومن ثم انسحابه من صيدا وبعدها من صور تحت ضربات المقاومة رغم كل الصعوبات والمؤامرات والتضحيات .

اليوم نحن نطمئن ان ثقافة المقاومة عممت ، والمقاومة انتصرت وإسرائيل قلقة خائفة ،سوريا صامدة وفلسطين عائدة ، ونحن هنا لم ننسى الموقف الوطني والقومي الكبير للرئيس نبيه بري عند اندلاع الانتفاضة الاولى عام 1987 ، حيث دعا الجميع الى تجاوز الخلافات والعمل من اجل الوقوف الى جانب صرخة أطفال فلسطين آنذاك المدوّية والمعبّرة، فاستقطبت الانتفاضة عطف الرأي العام العربي والدولي ودعمه ومساندته، كان التعبير عن رفض الشعب الفلسطيني الاحتلالَ الإسرائيلي بليغاً، وكانت إسرائيل خلال تلك الحقبة هدفاً للانتقاد والاستنكار، وإلى حد ما في موقع العزلة، فكان هذا الموقف منطلقا لإحياء القضية الفلسطينية بكل أبعادها القومية والإنسانية ، ومنطلقا لإعادة توحيد العرب حول قضيتهم المركزية في فلسطين التي هي هموم العرب وشجونهم ، وكذلك منطلقا لإحياء قضية فلسطين في ثوابتها وتوحيد الصف العربي حولها، فإن ذلك سيكون خير جزاء من الله عن أرواح الشهداء ودمائهم الزكية، لا بل سيكون الفضل في أي إيجابية يمكن أن تتأتى لتضحيات فدائيي الانتفاضة في مرحلة الثورة الفلسطينية، فلا غرو في القول، عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

فكان انتصار عام ايار 2000 الذي اخرج الاحتلال من الجنوب ، من ثم انتصار تموز عام 2006، هو عنوان مرحلة ليست المقاومة فيها من بقايا ماضٍ، بل هي استمرار لتصميم نعتز به وندخل من خلال المقاومة إلى رحاب العصر والمستقبل في آن، ونحن نتطلع إلى وعي عربي متجدد يرفض ان ينزلق اهله إلى مهاوي الاحتراب والتعصب والتمذهب والتوحش ويسقطون في مزالق الابتعاد عن اولوية مواجهة العدو الرئيسي للأمة ، حتى نستمد

وهج الانتصارات اللبنانية والفلسطينية حكمة نراجع معها مساراتنا جميعاً، وان نمتلك كلنا شجاعة نتخلص بها من أخطاء واساءة تقدير وقعنا ومن أي حساسيات فئوية أو ذاتية أغرقت بعضنا احيانا، فننتصر على أخطائنا وامراضنا تماما، كما ننتصر على أعدائنا ومحتلي ارضنا.

وهنا لا بد من التأكيد على مواقفه عندما قال ان المقاومة هي نتيجة للاحتلال وستبقى ما بقي الاحتلال، وان حركة امل كانت دائماً منحازه لكفاح الشعب الفلسطيني البطل بمواجهة إسرائيل، واننا اليوم اكثر من أي وقت مضى، نتمسك بما قاله مؤسس الحركة الامام السيد موسى الصدر " القدس تنادي "، ان شرف القدس يأبى ان يتحرر الاعلى ايدي المؤمنين.

الرئيس نبيه بري هو من كبار رموز المقاومة وقادتها ومؤسسيها ، فقد ادار المفاوضات خلال حرب تموز وأحبط الكثير من فصول التآمر على لبنان وعلى المقاومة ، واكد بكل مواقفه بأن القضية الفلسطينية ستبقى هي الأساس لكل ما يحصل، وإن تأكيد هذه النقطة في هذا الظرف أكثر من ضروري، لأن القضية أصبحت في خطر بعد البركان الذي انفجر في المنطقة، ويجب حمايتهاا لانها القضيه الاولى للعرب والمسلمين ، ولا يمكن تجاهلها او تغليب ايا من القضايا العربيه والاقليميه عليها بكونها هي المعادله الاقليميه والتي تحاول اسرائيل وبكل امكانياتها من تجاوزها او تهميشها مستغلة الوضعيه الفلسطينيه وما الت اليه من خلافات مستحكمه ، واكد ان اسرائيل تحاول وبكل امكانياتها من تجاوز المشروع العربي للسلام وانها تسعى في سبيل ذالك لتاجيج الصراع الداخلي الفلسطيني الفلسطيني واثارة الخلافات العربيه العربيه وذلك من خلال اخراج سوريا من المعادله وكذلك تجاوز الوحده الفلسطينيه من اجل أن تبقى ممسكه باللعبه الاقليميه واللعب على التناقضات العربيه العربيه والفلسطينيه الفلسطينيه ، هذه السياسه المكشوفه من شانها ان تعزز الشرخ العربي ، داعيا الى توحيد الموقف الفلسطيني من خلال الحوار الفلسطيني الفلسطيني وبتجاوز كل الخلافات الفلسطينيه الفلسطينيه ، والتنبه للاخطار المحدقه بالمنطقه من خلال اثارة الفتنه الطائفيه التي تسعى اسرائيل لترسيخها ودعم القوى الارهابية ، وان هذه المحاوله يجب ان لا تنطلي على احد ، واضعا بعين الاعتبار ان المقاومه هي لب المعادله في المنطقه وعنصر الاستقرار السياسي حيث ان المقاومه الوطنية اللبنانيه هي التي جعلت لبنان على خريطة المنطقه وانه لا يمكن لاحد ان يتامر على المنطقه او تجريدها من سلاحها ، موضحا ان المقاومه اللبنانيه لاول مره في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي استطاعت من توجيه ضرباتها للعمق الاسرائيلي ، وهنا نبه من خطورة ما يحاك للمنطقه من قبل الهادفين لايقاع المنطقه بخلافات لاحصر لها ، مؤكدا ان وعي العرب والمسلمين ويقظتهم هو السبيل الوحيد للخروج من مازق ما يحاك للمنطقه .

وامام كل ذلك لن ننسى موقف دولة الرئيس نبيه بري بدعوته الدائمة الى الحوار الفلسطيني الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة ما تعد له اسرائيل بهدف الانتقاص من الحقوق الفلسطينيه كلمات نسطرها للرئيس الذي ما انحنت بوصلته عن هموم الشعب الفلسطيني وقضايا الامة ، وخاصة دعوته لانعقاد مجلس النواب اللبناني على اثر العدوان الصهيوني على قطاع غزة ، فكان هذا الموقف الوطني القومي الكبير للبنان ومجلسه النيابي بدعم كامل لقضية فلسطين وتضامنه مع الشعب الفلسطيني ازاء العدوان الارهابي الصهيوني ، والذي انتصر فيه دماء الشهداء من الاطفال والنساء والشيوخ وهو يمثل اعتداء صارخاً على حق الانسان ، اضافة الى الدمار الهائل الذي اصاب التجمعات السكنية والمستشفيات

والمؤسسات التربوية التي لجأ اليها السكان، ودعوته الى.الافراج عن الاسرى المعتقلين الفلسطينيين خصوصاً النواب من اعضاء المجلسين التشريعي والوطني وكافة الاسرى والمعتقلين وبالتحديد اولئك الذي جرى اعتقالهم في اعقاب حملة التعدي الوحشي على المناطق الفلسطينية والقدس خصوصاً بعد جريمة اغتيال واحراق الشاب الفلسطيني محمد ابو خضير، ومطالبتهم الى اتخاذ الاجراءات الآيلة الى محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب على جرائم الحرب الاسرائيلية على غزة والضفة ، والاعتداء على حقوق الانسان في كافة المناطق الفلسطينية.

امام كل ذلك نؤكد على المواقف الايجابية للرئيس الاستاذ نبيه بري صاحب الفضل الكبير مع المخلصين بالحفاظ على وحدة لبنان ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها الشعب اللبناني جراء الأزمة الاقتصادية المعيشية التي يرزح تحت وطأتها، وكذلك جراء الانقسامات السياسية الحادة التي تعطل الحكم، وتفكك أوصال الدولة .

ومن هنا لا بد من التنويه بما قام به الرئيس نبيه بري من خطوات هامة ادت الى الحوار بين حزب الله والمستقبل ، وهذا الانجاز المهم في لبنان يكمن في مدى قدرة الرئيس على فتح باب التوافق الوطني، و كسر الجليد الذي تراكم خلال فترة طويله و تنفيس حالة الاحتقان التي كانت سائدة بمعزل عما إذا كان سيصل في نهاية المطاف الى نتائج نوعية،ما يعنيه بالدرجة الاولى ان يحمي لبنان ومقاومته، وحماية الحد الادنى من السلم الاهلي اللبناني، ومحاولة تنظيم العلاقات في مواجهات تحديات صعبة يمر بها هذا البلد الشقيق.

ختاما : لا بد من القول ان الرئيس نبيه بري الرئيس والقائد والمحامي والكاتب والمناضل هو قائد عربي نموذجا مشرقا وساطعا في النماذج التاريخية للعيش المشترك، فهو يحمل قضية فلسطين, رغم الصخب والضجيج الذي يملأ المنطقة, لم تخطئ بوصلته وإلتزامه الوطني والقومي, وشفافية مواقفه التي لم ترتهن يوما ، بل كان دائما بصدقه وإلتزامه بقضايا أمته ، فهو اليوم يمثل ضمير لبنان وفلسطين والامة العربية , تحية لدولة الإنسان الذي لم يتهاون يوما في قضية فلسطين, فهو العروبي الذي عودنا أن لا يستكين لضيمٍ أو حقّ عربي ما زال يحمل كل عنفوان الشباب وجرأتهم امد الله بعمره ، ونقول قضية فلسطين على مفترق دقيق، والشعب العربي أمام امتحان جديد، والحكّام العرب على محك خطير، فهل العرب على مستوى التحدي.

بقلم / عباس الجمعه

كاتب سياسي