أن يتقاطر إلى العاصمة الفرنسية كل هذا العدد من قادة العالم ، شرقه وغرب، شماله وجنوبه، من اجل إبداء التعاطف مع ضحايا العمليات الإرهابية التي ضربت باريس، شيء بالنسبة لنا غير مستنكر، ولا مدان، فنحن في فلسطين المحتلة أيضا ضد الإرهاب، بكل أشكاله وألوانه ومرتكبيه، لأننا من ضحاياه، ولأننا ما زلنا نتعرض له بشكل يومي على أيدي العصابات الصهيونية، ممثلة بحكومة دولة الاحتلال وشذاذ الآفاق من مستوطنين وغيرهم.
المشهد الباريسي برغم الدماء التي سالت على أيدي مجموعة من القتلة يدينون بالإسلام، كان جيدا، لأنه يجسد حالة من التعاضد الدولي ربما غير مسبوقة ضد الإرهاب، نتمنى ان تتسع، لنراها تشمل فلسطين.
في الحقيقة هنالك العددي من الأسئلة المطروحة والتي منها، لماذا كل هذا الاهتمام بهؤلاء الضحايا بالذات، هل لان من بينهم مجموعة من اليهود الفرنسيين، أم ترى لان القتلة مجموعة ممن يدعون الإسلام، ولماذا يبرز الضحايا الأربعة "اليهود" برغم ان عدد الضحايا من غير اليهود اكبر بكثير، ثم لماذا يصبح هؤلاء إرهابيين برابرة بهذا الشكل اللافت عندما تكون الضحايا من الغربيين فقط، ولكن عندما يكونوا من أهل العراق أو سوريا أو سواهما، لا يتم التعامل معهم بنفس المنطق، ثم، لماذا لم نر مثل هذا المشهد في عواصم ودول كثيرة سقط فيها أضعاف أضعاف هؤلاء؟، الم يسقط الآلاف في غزة قبل قترة ليست بعيدة في حرب شعواء غير عادلة وعدوانية، الم يسقط الملايين في العراق وأفغانستان على أيدي الطاغوت الأمريكي وحلفه الغادر، أين كان هؤلاء من كل ذاك الدم؟.
الإرهاب الذي يحاول الغرب إلصاقه بأمة العربان بشكل أساس، وبالإسلام بشكل خاص، لا يقتصر على مدعي الإسلام، وهو إرهاب على أية حال، "عشعش" ونمى وترعرع في ذات الدول الحليفة لأمريكا، وبشكل خاص منذ الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وهو الإرهاب الذي رعته ودربته أمريكا لمقاتلة السوفييت، لينقلب ، "هذا على افتراض انه انقلب" ضد أسياده وصناعه ومموليه.
الأمر الغريب، ان قادة العالم ومن بينهم قادة عربان، تراكضوا بشكل لافت للانتباه من اجل الذهاب إلى باريس، وكان واضحا ان قادة دولة الإرهاب في المنطقة، دولة الصهاينة، وبحسب ما تسرب من أخبار، "استقتلوا" من اجل المشاركة في هذه التظاهرة العالمية، ودعوا بشكل لافت كل يهود أوروبا وفرنسا تحديدا إلى الهجرة إلى الكيان، من اجل الحفاظ على أمنهم وحياتهم، مستثمرين بشكل رخيص دم الضحايا من اجل التعريض بالعرب والمسلمين، وابتزاز الغرب.
العمليات الإرهابية التي نستنكر، لأنها لا علاقة لها لا بقيم العرب ولا بالإسلام، كانت عمليات قتل، لا نعتقد بحال من الأحوال، انها تخدم أي هدف يصب في صالح الأمم الإسلامية أو الأمة العربية، وهي كما أسلفنا مدانة بكل أشكال الإدانة.
إلا انه لا بد من التذكير فقط، لمن هرول باتجاه باريس ليعبر عن"حزن، غضب، تضامن، أو إدانة" ان الإرهاب الذي تعرضت له فلسطين منذ قرن من الزمان وما زالت ، كان أيضا إرهابا دينيا، ومورس بحقنا كوننا غير يهود، وعانينا من أشكاله لأسباب وذرائع دينية توراتية معلنة وغير معلنة، إلا اننا لم نحظ أبدا بمثل هذا التعاطف من قادة العالم، الذين في حقيقة الأمر بصمتهم وتخاذلهم وتآمرهم، على مدى عمر الدولة الصهيونية، ساهموا أيما إسهام في "فتح القريحة" اليهودية الصهيونية، لارتكاب ما يحلو لها من إرهاب ضد أبناء فلسطين والدول العربية في السودان و تونس والعراق ، هذا عدا عن الأردن ولبنان ومصر وسوريا وغيرها.
على أية حال، إذا أُريدَ لهذا العالم العيش بدون إرهاب، فلا بد للغرب ان يدرك أين اخطأ وأين أصاب، ولا بد لقادة الغرب ان يتراجعوا عن سياساتهم الخرقاء المتمثلة في السيطرة على مقدرات الشعوب وحريتها واقتصادياتها والتوقف عن استعبادها، ولا بد لهم ان يتعلموا الدروس والعبر من إرهاب باريس ولندن ومانهاتن، وغيرها، كما ان على قادة العربان، ان يتحلوا بالشجاعة، لمصارحة العالم، انهم لا يستطيعوا الاستمرار مجرد "نواطير" في خدمة سادتهم الغربيين.
أخيرا المجد لشهداء غزة وفلسطين الذين قضوا بدون تضامن قادة العالم أو قادة العرب.