من الواضح بأن الأوضاع في قطاع غزة تتسارع على نحو كبير تجاه فقدان السيطرة،وبما ينذر بكارثة إجتماعية كبيرة،قد تترك آثارها وتطال تداعياتها ليس فقط شعبنا واهلنا في قطاع غزة،بل مجمل الوضع الفلسطيني،وهناك مؤشرات جدية على عودة حالة الإنفلات وفقدان السيطرة الى قطاع غزة،وخصوصاً فيما يتعلق بعدم قدرة حركة حماس على الوفاء بإلتزاماتها المالية تجاه السكان وبالذات ما يتعلق برواتب عشرات الألآف من موظفيها،الذين جرى توظيفهم بعد تموز/2007،وهذا يعني بالملموس تعمق حالة الفقر والجوع عند سكان القطاع،الذين أصلاً يعيش معظمهم تحت خط الفقر والجوع،ويعتاشون على المساعدات والإعانات الخارجية،وبالتالي الجوع والفقر سيخرجهم عن طورهم وسيدفعهم الى ممارسات وسلوكيات،قد تحول هذه المشكلة أو الظاهرة الى شكل من أشكال الجريمة والتي قد تاخذ صفة فردية او منظمة،فالفقر والجوع من شأنهما أن تجعلا الناس ترد بطريقة غير واعيه،ف"الجوع" كان سبباً في الكثير من الثورات الإجتماعية من عهد ثورة "سبارتاكوس" محرر العبيد،الى العصر الحديث الذي يشهد "تغول" و"توحش" طبقي في ظل رأسمالية معولمة وسعت من دائرة التفاوت الطبقي وسوء توزيع المداخيل والثروات الإجتماعية والنهب والإستغلال للطبقة العاملة،بل نشهد إنقضاضاً كبيراً على الكثير من الحقوق والمكتسبات الإقتصادية والإجتماعية التي حققتها الطبقة العاملة معمدة بالدماء والتضحيات.
لعل الجميع منا يذكر المقولات التي تدعو للتمرد على الجوع والفقر والثورة على الظلم والطغيان،وتوحد الطبقة العاملة عالمياً في وجه هذا الطغيان والإستغلال،فالخليفة عمر بن الخطاب هو صاحب مقولة "والله لو ان الفقر رجلاً لقتلته"، والصاحبي المسلم الجليل ذو الفكر الإشتراكي أبا ذر الغفاري هو من قال" عجبت لمن لا يجد قوت يومه،كيف لا يخرج شاهراً سيفه،وماركس وانجلز مؤسسا الإشتراكية العلمية وواضعي البيان الشيوعي هما من رفعا شعار"يا عمال العالم اتحدو".
كل المعطيات من خلال التفجيرات التي طالت"كابينات" الصراف الآلي لبنك فلسطين والتفجيرات في حديقة بيت الناطق باسم حكومة الوفاق والتهديات التي تلقاها العديد من وزراء حكومة الوفاق والإقتحامات من قبل الجماهير الغاضبة لمقر الإجتماع الذي التقى فيه عدد من وزراء حكومة الوفاق،والمس بسياراتهم والتهجم عليهم،والعديد من حوادث السلب والسرقة،مؤشرات قوية على ان الأوضاع تتجه نحو الإنفجار الشامل....وهذا الإنفجار لا تتحمله فقط سلطة حماس المسيطرة على الوضع هناك،والتي يستطيع المراقب ان يلحظ بوضوح ان حجم المشاكل الإجتماعية والإقتصادية الكبيرة جدا في القطاع،والتي ترجع أسبابها الى إستمرار الحصار واغلاق المعابر وتدمير الأنفاق،والبطء الشديد في عمليات الإعمار،وحجم التوظيفات الكبير جداً لحماس من عناصرها وأنصارها،والتي لربما رسمت او بنت تلك التوظيفات على أساس تفردها وبقائها في السلطة منفرده،كل ذلك في ظل غياب رؤيا وإستراتيجية للحل،أوجد مشاكل كبيرة وكثيرة كهرباء وماء وصرف صحي وبينة تحتيه ونقص في الأدوية والمعدات وغيرها.
هذه المشاكل الكبيرة والمقترنة بغياب الرؤيا والإستراتيجية للحل عند قيادة حماس،جعلها تتخبط وتفقد الإتجاه والبوصلة وتبحث عن حلول ومخارج لتلك المشاكل بعيدة عن الشراكة الوطنية الحقيقية.
قبل الحديث عن الحلول والمخارج التي لجات إليها حركة حماس،لا بد من القول بأن لا احد يقبل بتجويع عشرات الألآف من أبناء شعبنا في القطاع لكونهم من حركة حماس او عائلاتهم مرتبطة بها بشكل أو آخر،فهذه جريمة كاملة الأركان،وحكومة الوفاق هي الأخرى شريك في تلك الجريمة ،فإستمرار الإهمال والتقصير والتهميش من قبل حكومة الوفاق تجاه المشاكل التي تعاني منها جماهير شعبنا في قطاع غزة غير مبرر او مقبول،وبالتالي هي غير معفاة من مسؤولياتها في هذا الجانب.
حماس بحثت في حالة من التخبط عن حلول لهذه المشاكل من خلال،محاولة خلق تحالف او وحدة مع عدوها اللدود سابقاً عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المفصول النائب دحلان،وتوجها للمصالحة والتحالف مع دحلان آتى في إطار النكاية بالرئيس ابا مازن،والتي ترى انه شريك فيما يحدث من أزمة في القطاع،ولإعتقادها بأن دحلان يمتلك المال والقطاع يحتاج لهذا المال،وقرينة دحلان السيدة جليلة ،قامت مؤخراً بعد قدومها للقطاع بتوزيه مساعدات نقدية كبيرة على المتضررين من الحوال الجوية العاصفة مؤخراً وكذلك شهداء وجرحى العدوان الآخؤين على قطاع غزة،وأيضاً دحلان يمتلك علاقات عربية وإقليمية،وخصوصاً مع رئيس النظام المصري السيسي عدو حركة حماس،وباتالي يمكن لدحلان من خلال علاقاته بالظام المصري،ان يساهم في فتج معبر رفح وتطبيع علاقات حماس مع النظام المصري،وإقامة حماس لحكومة وحدة مع فتح غزة/ دحلان،سيشكل ضغطاً كبيراً على ابو مازن وقيادة السلطة وحكومة الوفاق نحو القبول بشروط حماس لجهة ان تكون جزء من الإشراف على المعابر والإعمار وكذلك حل مشكلة رواتب موظفيها ال(40000) ،وحماس لم تلجأ لهذه الوسيلة فقط من اجل الحل بل،هي سعت الى تحويل "أزمة الجوع" الى أزمة سياسية منظمة،وبما يحول تلك الظاهرة الإجتماعية الى جريمة منظمة،من خلال الدفع بموظفيها واهاليهم وسكان القطاع للقيام بإعمال تخريبية وبطلجة،وهذا يعني انتشار الفوضى والعنف وسلطة المافيات وتعمق العشائرية والقبلية ..الخ.
إن ما يحدث يتطلب من الجميع حماس وفتح وكل فصائل العمل الوطني معالجة الأمور بحكمة عالية وبنضج ومسؤولية وعلى قاعدة الشراكة الوطنية ومشاركة الجميع في القرار،فلا يعقل أن تستمر معانيات أبناء شعبنا وهؤلاء الموظفين تحت يافطة وذريعة الأزمة المالية،فبتوفر الإرادة والمسؤولية الجماعية،لا بد من ان تتوفر الحلول،وبعيداً عن التشنج وردات الفعل ومحاولة فرض الأمر تحت التهديد بتفجير الأوضاع،وكذلك من الضروري تمكين حكومة الوفاق من القيام بدورها ومهامها وصلاحياتها في القطاع،وبالمقابل على الحكومة ان لا تستمر في سياسة التهميش والإهمال لمشاكل القطاع والبحث الجدي عن حلول لمشكلة رواتب موظفي حركة حماس،وبدون ذلك فإن الإنفجار قادم لا محالة،ولهيبه سيطال الجميع وتداعياته لن تقتصر على القطاع.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
14/1/2015
[email protected]