لم تكن عملية إغتيال الشهداء يحيى عياش وصلاح شحاده وابا علي مصطفى صدفة من حيث التوقيت،كذلك هي عملية استهداف مجموعة القيادة الميدانية لحزب الله في القنيطرة السورية،لم يأتي توقيتها صدفة،بل هي جاءت في إطار الإعتبارات والصراعات الإنتخابية الداخلية الإسرائيلية،فتداعيت الحرب العدوانية على غزة وتوجه السلطة الفلسطينية وإنضمامها الى محكمة الجنايات الدولية،وإنسداد الأفق السياسي،وتدهور الوضع الأمني،عمقت من جراحات نتنياهو،وبالتالي لن تمكنه من العودة الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى،ولذلك جرياً على عادة كل الزعامات الإسرائيلية،المسكونين بهاجس ووهم القوة والإيغال في الدم الفلسطيني والعربي،وتكثيف الإستيطان وزيادة حجمه ووتائره،من اجل كسب ثقة الجمهور والناخب الإسرائيلي،وحصد المقاعد في "الكنيست" البرلمان الإسرائيلي والحكومة،يعتقد نتنياهو بأنه لا بد من مغامرة عسكرية او عملية نوعية،تجعل الإسرائيليين يستعيدون الثقة به وبحزبه "الليكود" وتحقق له طموحاته بالعودة لرئاسة الحكومة،وفي تقديري بأن هذه العملية لن تقود نتنياهو الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية،بل ستقوده نحو المزيد من الفشل والأزمات،وقد تلقي به الى خارج الحلبة السياسية،او لربما نحو المساءلة والمحاكمة،إذا ما تدحرجت الأمور الى حرب إقليمية إرتباطاً بتطورات الأوضاع في الساحتين اللبنانية والسورية والملف النووي الإيراني.والجميع يتذكر كيف قادت مجزرة قانا اللبنانية بشمعون بيرس الى الفشل والسقوط،وكذلك فعلت مجزرة صبرا وشاتيلا بشارون.
اسرائيل منذ حربها العدوانية على المقاومة اللبنانية وحزب الله في تموز/2006،والتي خاضتها بالوكالة لأول مرة عن الولايات المتحدة الأمريكية،لخلق وولادة مشروع الشرق الأوسط الكبير،بلغة وزير الخارجية الأمريكية انذاك "كونداليزا رايس"،وتمريغ حزب الله لأنف جيشها الذي لا يقهر في الوحل،ومن ثم الحروب العدوانية الثلاثة التي شنتها على شعبنا ومقاومتنا الفلسطينية في قطاع غزة(2008-2009) و(2012) و(2014)،أثبتت ان اسرائيل وجيشها لم تعد قادرة على تحقيق الإنتصارات أو صنع ما يسمى بالسلام وفق رؤيتها وشروطها،ومع التطورات العاصفة في المنطقة،بعد ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي"،والتي كانت اسرائيل وحلفائها العرب من مشيخات النفط والكاز على وجه الخصوص،وجماعة التتريك،تراهن على أن تتحول اسرائيل الى اللاعب الأول والمسيطر في المنطقة،وان تحظى السعودية وتركيا على وجه الخصوص بمكانة إقليمية ودولية مميزة على حساب ايران وسوريا في المنطقة،ولكن جاءت التطورات على غير إرادتهم وحساباتهم،فالنظام السوري لم يسقط،بل أصبح اكثر سيطرة على الأوضاع،وما يسمى بالمعارضة المعتدلة تلاشت وذابت،ولم يتبقى منها سوى المقيمين في الفنادق الغربية الفاخرة،والذين لا يمتلكون أي تأثير على الوضع الميداني في سوريا،وبقيت عصابات "داعش" و"جبهة النصرة"،والتي يتجه النظام لحسم معاركه معها،وبالتالي احلام اسرائيل بإقامة حزام امني يمتد من الجولان السوري وحتى مزارع شبعا اللبنانية تديره تلك العصابات على غرار جيش لحد الذي انهار في الجنوب اللبناني تبددت،وكذلك حزب الله إنشغالاته في الحرب على المقاومة وسوريا،لم تضعف من قوته وقدراته وإمكانياته،وكذلك ايران في طريقها الى عقد إتفاق نهائي مع امريكا والدول الصناعية الخمس الكبرى حول ملفها النووي ورفع العقوبات عنها.
وقد اتى الهجوم الاسرائيلي واغتيال قيادات من حزب الله في القنيطرة بعد ثلاثة أيام من تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله،والتي اعتبر فيها أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة في سوريا عدوان كبير،وأن سوريا وحلفاءها لهم الحق في الرد.
وكذلك كشف عن صواريخ ايرانية جديدة يمتلكها حزبه،بالاضافة الى قدرة قواته اجتياح شمال الاراضي الفلسطينية المحتلة ، والوصول الى القرى في الجليل .
اذا هذه العملية الإسرائيلية،هل من الممكن ان تتدحرج الى حرب إقليمية شاملة؟؟،ام تبقى في إطار سياسة حافة الهاوية التي تديرها "اسرائيل"،لكي تفرض شروطها وتحفظ لها دورها ومكانتها،والتي واضح انها آخذة في التراجع؟؟ام ان هذه العملية جاءت رداً على مقابلة وتصريحات سماحة الشيخ حسن نصر الله لفضائية الميادين،حول جهوزية حزبه بالدخول الى الشمال الفلسطيني وتحريره،وإمتلاكه لأسلحة استراتيجية مخلة بما تسميه اسرائيل بالتوازن الإستراتيجي،وكذلك حديثه عن حق المقاومة وسوريا بالرد على الإعتداءات المتكررة على الأراضي السورية؟؟،وبالتالي اسرائيل ترى نفسها ملزمة بخوض حرب الآن،لكي تقطع الطريق على كل التطورات الحاصلة في اكثر من منطقة في سوريا والحسم للرئيس بشار الأسد،والذي بات أي حل سياسي للأزمة السورية يجري تحت سقف قيادته وليس برحيله،وفي لبنان زيادة في قوة حزب الله العسكرية وإمتلاكه لأكثر انواع الأسلحة تطوراً وجاهزية حزب الله للمواجهة والمعركة،واتفاق ايراني مع امريكا والغرب حول ملفها النووي ،وتكريسها كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة،ام ان العملية أتت في الإطار الدعاوي الإنتخابي الذي دأبت ودرجت عليه مختلف الأحزاب الإسرائيلية قبيل الإنتخابات الإسرائيلية،حيث ترى القيام بعملية نوعية ناجحة يحقق لها المزيد من المكاسب وحصد المقاعد على الصعيد الإنتخابي؟؟.
رؤيتي وقناعتي بأن العملية الإسرائيلية جاءت،لكي تحقق اكثر من هدف،منها ما هو متعلق بالمجد والقيادة لنتنياهو و"الليكود" والأخرى لتحقيق ما ذكرته من اهداف.
الخلاصة «الإسرائيلية» هي أنه لا بدّ من قطع المسارات السوداء الآتية، ولو تضمّن الأمر حداً من المخاطرة، لا بدّ من التسخين في جبهة الجولان وصولاً لشيء يشبه القرار 1701 بدفع المنطقة إلى حافة الحرب، والاحتماء بقوة وجدية وحسم وراء 1701 سوري وآخر لبناني، والانكفاء وراء الجدران داخل فلسطين، والاحتماء بيهودية الدولة.
الأيام القادمة ستحمل الكثير من المفاجات والتطورات،وستحدد وجهة تلك التطورات ومسارات التغيرات،وستبقى الساحة مفتوحة على كل الإحتمالات،.
كل التصريحات الواردة من بيروت تقول بأن حزب الله لن يهضم الضربة هذه المرة، وانه سيرد، والسؤال هو متى سيرد وبأي طريقة؟ بطريقة مدروسة وحذرة (مثل العبوات على طول الحدود) بهدف إيصال رسالة مؤلمة لإسرائيل بأنها من ناحية حزب الله قد اجتازت الخط الأحمر، ولكن في نفس الوقت بأن ليس من مصلحة التنظيم إشعال المنطقة، أم انه هذه المرة، وبسبب قوة الضربة، اغتيال جهاد مغنية ومرافقيه قد يجر الرد المنطقة الى مواجهة شاملة، ودائماً هناك إمكانية، وإن كانت بعيدة بأن يرد مثلما حدث عام 1992 بعد اغتيال قائده عباس الموسوي بأيدٍ إسرائيلية، وحينها كما هو معروف انتظر التنظيم شهراً واحداً، وبعدها فجر وبمساعدة مشغليه الإيرانيين مبنى السفارة الاسرائيلية في الأرجنتين، الحادث الذي خلف 29 قتيلاً، وبعدها بعامين فُجر أيضاً مبنى الجاليات اليهودية في الأرجنتين.