الان جي اوز!!!

بقلم: رامي الغف

أعتقد أن جميع المؤسسات والهيئات والجمعيات الوطنية او ما تسمى بمؤسسات العمل الأهلي " الان جي اوز " داخل الوطن الفلسطيني إن لم أكن مخطئا، تتفق على إن مصلحة المواطن والوطن لابد وأن تكون فوق كل مصلحة وهذا من بديهيات وأهداف الأنظمة الداخلية لكل مؤسسة وجمعية أهلية، ولكن ما يثير إهتمامي هو إن الكثير من رؤساء ومدراء ومسؤولي وأعضاء وكوادر هذه المؤسسات وبالذات ممن أصبحوا مسؤولين في مؤسساتهم، لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب المواطن بل وعلى حساب الوطن ..! فالملاحظ من خلال تصريحات المسؤولين الذين أصبحوا في المكاتب التنفيذية ومجالس الأمناء والدوائر الإدارية وبكافة مناصبهم من الأمناء العامون مرورا برؤساء المؤسسات إلى اصغر موظف في السلم الإداري والتنظيمي للعمل الأهلي أو ما يسمى "بمؤسسات العمل الأهلي المدني" ينادون بأن مصلحة المواطن هي ما يهمهم وكلٌ طبعا حسب نوعية التصريح والمجتمع الذي يدلي من خلاله بدلوه.
فمسئولي هذه المؤسسات يدلون بتصريحاتهم عبر وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة ومن خلال مكاتبهم الفخمة المكيفة التي تبرزهم وكأنهم يتكلمون بإسم فلسطين كلها، وخصوصا من الذين يضعون علم فلسطين ( الغالي ) خلفهم، ويجلسون خلف مكاتب فخمة ومستوردة من خارج فلسطين، وهؤلاء هم أكثر المصرحين كذبا، فما يتقاضوه من رواتب ومخصصات وإمتيازات جعلتهم يعيشون حياة يفتقر إليها الملايين من أبناء فلسطين الصامد، بل إن ما يتقاضوه من حجم تلك الإمتيازات يمكن لها أن تطعم الآلاف من الفقراء والمعدمين والمقهورين والمسحوقين من الناس البسطاء الذين لا هم لهم إلا قضاء يومهم بشره وخيره.
سبحان الله الولي الرزاق، الذي يهب إناسا مالا وجاها وغناء، ويهب إناسا فقرا وبؤسا وشقاء، أما الصغار من المسؤولين والموظفين الإنتهازيين والمتزلفين والمنافقين والأفاقين فهم إذا ما تكلموا عن النزاهة والشفافية والأخلاق فإنك تقف مذهولا عند حجم ما يطلقوه من حكم وثوابت وشعارات ولكن الحقيقة غير ذلك بتاتا.
لا ننكر أن بعض من مؤسساتنا الوطنية المهتمة بالعمل الأهلي المدني تعاملت بشكل جدي وفعال مع المطالب المناديه بالإصلاح والتقويم والتغيير والتي تتعلق بمكونات الحكومات الوطنية للسلطة الفلسطينية، ولكنها تجاهلت في الوقت نفسه الحاجة الملحة للإصلاح والتقويم والتغيير الإداري في هياكلها وإداراتها وأقسامها الإدارية والمالية والقانونية، وعلى الأخص تلك المؤسسات التي تتمتع بقوة مردها التمويل الذي تتلقاه من جهات خارجية، فلقد إعتبرت بعض هذه المؤسسات نفسها وصياً على مؤسسات الدولة الفلسطينية ووزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها الوطنية، بالرغم من الفساد المالي والإداري التي ينخر عظامها، وكأن هذه المؤسسات فوق مستوى المساءلة والمحاسبة والرقابة والتفتيش.
إن المتابع والمراقب لمظاهر الفساد في مؤسسات العمل الاهلي يكمن بضعف التوجه الديمقراطي لإدارات هذه المؤسسات، حيث تستند العديد من مؤسسات العمل الأهلي المدني الفلسطيني في مرجعيتهم الى دوائر محدودة العدد تسمى بمجالس الأمناء، وغالباً ما يكون اعضاء مجالس الأمناء انفسهم أمناء في أكثر من مؤسسة أهلية، فتفتقر هذه المؤسسات إلى هيئات عامة ذات عضوية مفتوحة تجتمع بشكل دوري لتراقب عمل الإدارات أو تنتخبها بشكل ديمقراطي، لأن بعض المؤسسات الأهلية المدنية قد وجدت في مثل هذه المرجعيات وسيلة مريحة لإدارة مواردها المالية والبشرية بشكل يضمن تحقيق مصالحها الشخصية بعيدة عن رقابة الهيئات العامة، ويساعدها على تحقيق ذلك عضوية بعض أعضاء مجالس الأمناء في أكثر من مجلس، ما يقلل قدرة بعضهم على متابعة ما يجري في داخل هذه المؤسسات من جهة، وإرتباط مصالحهم مع مؤسسات أخرى.
ومن مظاهر الفساد الأخرى، إن إدارات العديد من المؤسسات تفتقر لطابع العمل الجماعي، وترتبط باسمها وطريقة عملها بشخص المدير العام، فكثير من المؤسسات الأهلية الفلسطينية تعرف باسم مديرها "مؤسسة فلان" أكثر مما تعرف باسمائها المسجلة لدى وزارة الداخلية، فهذه العوامل تضعف من ديمقراطية هذه المؤسسات، فبعض مدراء هذه المؤسسات يتقاضون رواتب تفوق سلم الرواتب التي يحصل عليها القضاة والوزراء ومدراء البنوك، وأحياناً رؤساء بعض الدول الذين يتقاضون رواتبهم بموجب قانون، ويحصلون على إمتيازات بدل سفر، ومكافآت مالية لا يحصل على مثلها مدراء المؤسسات المالية، فأصحاب الرواتب العالية يحصلون على رواتبهم على حساب رواتب باقي الموظفين.
على جميع مؤسسي الهيئات والمنظمات والمؤسسات الفلسطينية أن تنتبه جيدا إلى ما يقوم به من ينتمي إليها من المسؤولين والنفعيين والمفسدين، ويقفوا بوجههم، لأن ما يقوم به هؤلاء الجشعين إنما يعكس صورة سلبية عن هذه المؤسسات التي تعتبر كما قلنا سلفا مصلحة المواطن والوطن الغالي فوق كل إعتبار مما يحتم عليها أن تثبت لشعبنا الفلسطيني إن من يجعل مصلحته الشخصية فوق مصلحة المواطن والوطن لا ينتمي إليهما .

رامي الغف
إعلامي وباحث سياسي
[email protected]