إجرام وليس إسلام

بقلم: فتحي أبوعيطة

كثيرةٌ هي الظواهر السلبية في قطاعنا المنكوب والمذبوح من الوريد إلى الوريد, فإن لم يرعوِ الحاكم والمحكوم, والسائل والمسئول, والذابح والمذبوح, لن يغير الله حالنا إلا إلى الأسوأ, أنا لا أريد أن أنكأ الجراح, وأن أتدخل في السياسة والنجاسة اللعينة والمقيتة, وأنأى بنفسي عن المشاركة في الردح الذي لن يفيد, فالمسلم وقاف وليس لقاف, لكني سأحكي عن ظاهره تمس المواطن الغلبان والنظيف الذي يدفع فاتورة الكهرباء ويتحمل سفالة وغباء من سبب له هذه المعاناة ومن منطلق الساكت عن الحق شيطان أخرس, يحدوني الأمل أن تصل هذه الصرخة إلى كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ولتكن بمثابة حجة علي المسئولين والمتنفذين في القطاع يوم لا ظل إلا ظله, دخلت المسجد الذي يجاورني مباشره لصلاة الفجر, والتوقيت بعد تغير برنامج الكهرباء للأفضل وهو ثماني ساعات بعد أن تسولنا وتوسلنا وردحنا وتراشقنا ولطمنا الخدود وشققنا الجيوب, شعرت أثناء الصلاة بالدفء الشديد, قلت لعلني تطرفت في الملبس لكن ملابسي لم تتغير, فقلت لعلي مصاب بالحمى أو وعكه ألمت بي, وبمجرد الانتهاء من الصلاة وختمها بالابتهالات والتعاويذ, سألت من بجاوري هل تشعر بالحر مثلي!؟ فأجاب ألم تر المكيفات التي تحيط بالمسجد كالسوار بالمعصم والتي تبخ الهواء الساخن, عندها شعرت بالصدمة, تحدثت مع أمير المسجد الذي لفت نظره سابقاً لترشيد استهلاك الأضواء, التي أشعرتني أنني أعيش بدولة بترولية كالإمارات, فهز رأسه بلا مبالاة, لذلك شكوت لأمير أخر حضر الصلاة, وقلت لهم هذا لا يجوز شرعاً ولا فرعاً, لاسيما وأن ديننا الحنيف يأمرنا بعدم الإسراف حيث يقول الله تعالي " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" وأن رسولنا الكريم مع الإعتذار لك يا سيدي يا رسول الله صلي الله عليك وسلم, كان يتوضأ بالمد, ومن لا يرحم لا يرحم, وأن الله يعطي علي اللين والرفق ما لا يعطي علي العنف, وما كان الرفق في شئ إلا زانه, وما كان العنف في شئ إلا شانه, وأن الجنة حفت بالمكارة, فعندما نتوضأ بالماء البارد يباهي بنا الله تعالي الملائكة, ولكننا في غزة من شدة الترف والبذخ- ما شاء الله- نصلي في مساجد سبعه نجوم! وأخبرتهم أن هذه سرقه وهذا إجرام ولم أتكلم علي الملأ حتى لا أحدث فتنة وانسحبت.
بعد مشاهدتي لما يحصل في بعض المساجد وللأمانة ليس كلها لأن هناك من يتقون الله أضم صوتي لمن يتساءلون أين يذهب الوقود, وللعلم أن هناك بعض المناطق التي لم تخضع لبرنامج فصل الكهرباء ولا تنقطع عنهم, ومن هنا رسالتي للمسئولين, ومن يحكمون هذا البلد, في الحكومة والطاقة, كفى أنتم من يتحمل المسئولية في أزمة الكهرباء المفتعلة, وما يترتب عليها من تبعات, سواءً موت الأطفال والشيوخ وقتل التعليم وتعطيل مناحي الحياة, ومن غير المعقول والمقبول أن المساجد التي رسالتها طهارة ونظافة اليد واللسان والسنان, والتي تعتبر مصدراً للإشعاع, أن تشارك الجهلة واللصوص في سرقة الكهرباء, أو التحريض عليها وذلك عن طريق تبذيرها وإسرافها بدون جباية, وأكاد أجزم بأن الحاكمين هنا لو كانوا هم من يتحمل عبء الكهرباء لجبوها ولو بالقوة, ولكن طالما تدفع من الذين يناصبونهم الانقسام- حسب زعمهم- يبقي مجالا للردح ومزيداً لمعاناة الناس وقهرهم وعدم الاكتراث لتحقيق أهداف حزبية رخيصة لا تخفى على كل ذي لب, ولا داعي للتذرع بالموشح المشروخ بأن حل الأزمات من شأن حكومة التوافق التي ليس لها مكان علي الأرض ولم تتح لها الفرصة, أنا أتساءل والكثيرون هل الإسراف في الكهرباء وسرقتها وعدم جبايتها -رغم أنها سلعة كأي سلعة- عمل وطني أم أنه يدخل في باب المناكفات السياسية والتشويه والطعن واللعن؟
أعتقد جازما وأتمنى أن أكون مخطئاً أن الإجابة نعم.
الكارثة هنا أن الناس يسرقون الكهرباء ويبررونها بالفقر وقلة العمل يا أخي لو كان هذا جائزاً! اسرق بس كن لصاً محترما رشد الاستهلاك أما أن تحرص علي بقاء الموقد والهيتر ولا تنزع الفيشة من الكهرباء بدون أي وازع من ضمير ومن البديهي لا يوجد لصٌ محترمٌ, والأنكأ من ذلك أن القادرين على دفع الكهرباء يسرقونها ولا يدفعون للجباية, إن التطرف في استخدام الكهرباء أيها السادة, هو العنف وأي عنف لأن السارق والمبذر يسطو على حقوق الغير حتى ولو كان الظرف طبيعياً ولا يوجد أزمة, فكيف بنا ونحن نتعرض لأزمة وحصار!
أين من يحاسب هؤلاء الأئمه أو الأمراء والمواطنين الذين لا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة, أليس هناك حاكم رشيد يخرجنا من هذه الأزمة التي هي من صنع أيدينا؟
إن شعور المواطن ان هناك من ينتشي ويحتسي الأنخاب على هذه الأزمات, لأن وجود الاستقرار لا يبرر الردح والقدح والسب واللعن, والي اللقاء بعد الانتهاء من المنحة القطرية حتى نرجع لبرنامج الساعتين ونعود لمسلسل التراشق والتخوين والتكفير, إن هذه الأساليب أصبحت لا تجدي ولا تنطلي علي أحد وعلي المسئولين أن يتقوا الله فينا- فنحن لسنا قطيعاً- ويراجعوا حساباتهم ويقفوا على ما أصابوا وما أخفقوا, وليس عيباً الاعتراف بالخطأ لكن المعيب أن تظل سادراً في غيك وطغيانك .
لقد أصبحت – وللأسف - أجد مبرراً لزهد وعزوف بعض الناس لارتياد بعض المساجد -لأنهم يعتبرونها ضراراً- لأنها خرجت عن هدفها السامي والإكتفاء بالصلاة في بيوتهم أو في الزوايا والخلوات, والله أعلم أننا في عصر العض على جذع شجرة وأتمنى من الله تعالي أن ما يحصل من مذبحه للكهرباء, ألا يكون نهجاً, وصفوة القول أن من لا يستطيع وقف هذه المهزلة أن يقيل أو يستقيل أو أن يذهب حيث يستحق أن يضعه الله تعالى, ويجب علينا أن نتعلم الفرق بين الإجرام والإسلام فمن لا يرحم لا يرحم, وليتذكر المسئولون قوله تعالى (وقفوهم إنهم مسئولون)
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد

بقلم_فتحي أبوعيطة